«ثلاثية المرايا» تتواصل مع إطلاق «سادن المحرقة» قريباً

لم يكن بالإمكان محاورة الروائي الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2024م، عن عمله «قناع بلون السماء»، فهو لا يزال في أسره، ويتعذر التواصل معه، لا سيما ضمن هذه الظروف الصعبة، التي تمر بها المنطقة.

ورغم ذلك، فقد بدا ذلك ممكناً من خلال محاورة شقيقه يوسف خندقجي، الذي استلم عنه الجائزة، ومثله في الحفل التكريمي، بل ويبدو هذا الحوار كأنما هو مع الروائي الفلسطيني نفسه، وذلك لأن يوسف نذر نفسه للعناية بشؤون شقيقه الروائي وتمثيله في مختلف المحافل. ولمن لا يعرف، فإن «قناع بلون السماء» ليست العمل الروائي الأول للروائي الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، فقد كتب قبلها روايتين، هما:

«مسك الكفاية.. سيرة سيدة الظلال الحرة»، ورواية «خسوف بدرالدين»، وقبلهما ديواني شعر، قبل أن يهجر القصيدة نهائياً إلى كتابة الرواية. ونتعرف تالياً، على الروائي باسم خندقجي من خلال شقيقه، يوسف، كما نتعرف على عالمه الخاص المرتبط بالقراءة والكتابة.

حدثنا عن الروائي باسم الطفل، كيف كانت طفولته؟

طفولته كانت «طفولة الحجارة»، باسم محمد صالح أديب خندقجي، وُلد في مدينة نابلس 22 ــ 12 ــ 1983 وترعرع في كنف عائلة يسارية نابلسية. يمتلك والده أقدم مكتبة في مدينة نابلس، كانت وما زالت تحتضن الأفكار الحرة، طبعاً تعرضت المكتبة للإغلاق أكثر من مرة.

وقد درس في مدارس مدينته نابلس، وكان يبلغ من العمر عشر سنوات حين واجه جيش الاحتلال بالحجر (انتفاضة 1987). ولطالما تم قمعه بالغاز أثناء هروبه من مدرسته «راهبات مار يوسف»، وظلت إرادة المواجهة تسكن باسم إلى أن كَبر، فقادته هذه الإرادة إلى عالم القراءة، ثم الكتابة الروائية.

حدثنا عن كتبه التي كان يقرأها أثناء مراحل دراسته؟

أتذكر في ذلك الوقت أنه قرأ رواية «نهاية رجل شجاع»، وكان يبلغ من العمر اثني عشر عاماً. وفي ذلك الوقت، رآه الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم في المكتبة صدفة، فأثار اهتمامه لدرجة أنه أجرى معه مقابلة صحفية، وتنبأ له مستقبل أدبي واعد. من جانب آخر، لاحظ المرحوم والدي موهبة باسم، وقرر تقديم الدعم الكامل له، وتابعه إلى أن كبر، وخلال ذلك قرأ الكثير.

كما أن عمي خالد كان معلمه الأول، وهو من قاده إلى الأنشطة والندوات الثقافية. بعد ذلك، أكمل باسم مسيرته التعليمية في جامعة النجاح الوطنية، وتخصص العلوم السياسية والصحافة والإعلام، وبدأ في كتابة القصص القصيرة والنصوص النثرية، إلى أن تم اعتقاله في تاريخ 2 ــ 11 ــ 2004.

وكيف قرأ المصادر التاريخية قبل أن يكتب رائعته «قناع بلون السماء»؟

اعتمد في كتابتها على المواد التاريخية عن فلسطين وتاريخها، حيث كان يطلب مني هذه الكتب، وكنت أواجه صعوبات في الحصول عليها، وصعوبات أيضاً في إدخالها للمُعتقل. وظل الأمر كذلك إلى أن منعت سلطات الاحتلال وإدارة السجن إدخال المواد الأدبية إلى باسم. وهنا أيضاً أذكر أنه اعتمد على شهادات بعض الأسرى من الداخل الفلسطيني والقدس.

هل تعرف كيف كانت ظروف كتابته في السجن؟

بدأ باسم في كتابة رواية «قناع بلون السماء»، وحاول قدر المستطاع الانتهاء منها بأسرع وقت ممكن، خوفاً من مصادرة الأوراق وأدوات الكتابة. وأتذكر يوماً أنه أرسل جزءاً منها إلى سجن آخر، وتم إخراج هذا الجزء عبر البريد الإسرائيلي تحت مسمى رسالة للعائلة، والجزء الآخر تم إخراجه مع أسير محرر، وكان هذا الجزء تحت اسم مستعار خوفاً من المصادرة.

وللتذكير رواية «قناع بلون السماء» هي جزء أول من ثلاثية تحت اسم «ثلاثية المرايا». وسيصدر الجزء الثاني قريبا عن «دار الآداب» في بيروت، وهو يحمل اسم «سادن المحرقة»، وسيتم إطلاقه في معرض الشارقة الدولي للكتاب.

هل من مكتبات في السجون الإسرائيلية؟

ما مدى مصداقية ذلك؟

في بداية الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، لم تكن ثقافة السجون أو أدب السجون شيئاً رائجاً أو متبلوراً. كان هناك بعض الأسرى يكتبون، ومن ضمنهم الأسير الراحل وليد دقة والأسير ناصر أبوسرور. وكنا نحن كعائلة وقتها نتابع وضع السجون من الناحية الثقافية، وكان الوضع مأساوياً. ولكن بعد أن تم اعتقال باسم أخذ أبي رحمه الله عهداً على نفسه بأن يقدم الدعم الكامل للحركة الثقافية الأدبية داخل سجون الاحتلال، وبدأ بإدخال الكتب للسجون مع أهالي الأسرى.

وأذكر في عام 2007 تم إدخال 500 كتاب، مع العلم بأن إدارة مصلحة السجون تسمح بإدخال ثلاثة كتب فقط لكل أسير، فكنا نرسل الكتب لذوي الأسرى في كافة المحافظات الفلسطينية، ولم تكن مصلحة السجون حينها تضع الكثير من العوائق على إدخال الكتب، إلى أن جاء اليوم الذي حاربت مصلحة السجون الأسرى ومنعت إدخال الكتب.

وبعد هذه النقلة النوعية ماذا حدث؟

حدثت داخل السجون ندوات تثقيفية، وزاد إنتاج الأسرى الأدبي داخل السجون. وأذكر أيضاً أن قيادة الحركة الأسيرة كانت تفاوض مصلحة السجون بإدخال الكتب وبعض الملابس. تخيلي بأن مصلحة السجون كانت تدقق وتسمح وتمنع إدخال ألوان معينة من الملابس، فما بالك الكتب.

وماذا بعد وفاة والدك رحمه الله؟

استمر والدي بإدخال الكتب للمعتقلات حتى توفاه الله عام 2016. وبعد وفاته بعام واحد تم منع إدخال الكتب لمدة عامين، إلى أن استُأنف إدخالها بعد إضراب عن الطعام وتحقيق مطالب كانت حقاً للأسرى.

كيف يتبادل الأسرى الكتب بينهم؟

هي قصة طويلة، لكن سأذكر مثالاً بسيطاً، عندما كان باسم وغيره من الأسرى يحتاجون لكتب معينة، لم تكن موجودة في السجن المتواجد به باسم، وموجودة في سجن آخر، كان يطلبها عن طريق أسير يتم نقله من السجن المتواجد به باسم، وعندما يصل هذا الأسير المنقول إلى سجن آخر، يطلبها ويرسلها مع أسير يتم نقله للسجن المتواجد به باسم، وهذا الأمر يحتاج لوقت يصل من شهر إلى ثلاثة أشهر، وأحياناً كان هذا التدبير يفشل، حيث تصادر إدارة السجن الكتب.

رأى بعض النقاد رواية في «قناع بلون السماء» خطاباً أيديولوجياً، يعبر عن قضايا تتصل بالحياة.. فما رأيك؟

رواية «قناع بلون السماء» هي اشتباك ثقافي ووجودي ما بين الكائن الكولونيالي الخاضع «المُستَعمَر» وما بين الكائن الكولونيالي الآخر المُسيطر «المُستَعمِر». الرواية تناولت الحياة والوجود، ولكن تناولت موضوع أهم الصور الثقافية الفلسطينية وصورة الأرض التي سرقها الاحتلال وطمسها.

 

الأكثر مشاركة