الحديث مع يوسف شاهين تماما كأفلامه, الايقاع فيه سريع, لاهث, منفعل.. يتدفق دون ترتيب وعندما تعيد ترتيب الحوار مرة أخرى تكتشف معان أخرى كامنة لم تمكنك الحالة المتحفزة التي يخلقها عند الحديث إليه من اكتشافها في حينها . وفي بداية حديثه قال: (ولا كلمة عن الفيلم الجديد) فكان ردي عليه لن أسألك عن الفيلم ولكن أسألك عن أبطاله.. فوافق. في فيلمك الجديد (الآخر) نبيلة عبيد تؤدي دور سيدة أمريكية ولبلبة دور سيدة مصرية تعيش في حارة ــ لا تحكموا إلا بعد أن تشاهدوا الفيلم. أؤكد لك ان نبيلة ستكون مفاجأة حقيقية عندما يشاهدها الجمهور على الشاشة, وكذلك لبلبة. ثم أنا مخرج العمل ومن حقي أن أختار أبطاله وأسند لهم الأدوار حسب رؤيتي الشخصية. حنان ترك أم روجينا هي بطلة الفيلم؟ ــ حنان ترك هي بطلة فيلمي (الآخر) وليست روجينا ولست مسؤولا عما كتب في الصحف من انسحاب هذه وترشيح تلك.. وكفى أسئلة عن الفيلم. عفوا ولكن الهجوم الذي تعرض له فيلمك الأخير (المصير) ألم يجعلك تعيد النظر في اسناد كتابة السيناريو لخالد يوسف؟ ــ (المصير) لم يهاجم بل انتقدوه وهذا حق للناس وللنقاد. ورغم انني ومنذ فترة طويلة لم أعد أقرأ كل ما يكتب عن أعمال لأني وببساطة أستطيع أن أتوقع ما سوف يكتبه كل واحد عن الفيلم تبعا لأمانتهم ونوعية أفكارهم. والحقيقة ان بعض النقاد قد تجمد ولم يعد قادرا على التطور والاستيعاب للجديد. أما عن خالد فهو شاب وسيناريست واعد ونحن معا نكتب الفيلم وننجزه, لذلك ما كتب عن فيلم (المصير) أو عن أي فيلم آخر من أفلامي لا يجعلني أعيد النظر فيما سوف أقدمه. كان فيلمك (اليوم السادس) بداية لتلمس الطريق من جديد نحو البساطة والجمهور الذي كدت تفقده مع أفلامك التي سبقته مثل (اسكندرية ليه) و(حدوتة مصرية) وغيرهما. أفضل لفظ سهولة بدلا من البساطة لأن الجنوح إلى البساطة أمر خطير في أغلب الأحيان, عندما قدمت (اليوم السادس) كنت قد استطعت في هذه المرحلة الفنية أن أتوصل إلى طرح أشياء مركبة بشكل أسرع وأسهل, عموما أسلوبي في العمل السينمائي يتعرض يوما بعد يوم لنوع من التنقية ويتجه إلى أن يصبح بلا رواسب. أعلن انني مخرب وأحيانا أفتح في الجملة الواحدة مائة قوس ولكنها تركيبتي. عندما نشاهد أفلام يوسف شاهين لا نرى فارقا كبيرا في طريقة أداء الممثلين وطريقتك أنت شخصيا في الحديث حتى اننا صرنا نقول الأسلوب (الشاهيني) في الأداء. غير صحيح.. انهم لا يمثلون مثلي أو مثل بعضهم ولا أسمح لهم أن يكونوا تلك الأنماط التي اشتهروا بها من قبل, لكنهم في الحقيقة يقتربون كثيرا من شخصياتهم الحقيقية ويدفعهم ذلك إلى السرعة التي يعملون بها عادة, وفترات الاعداد الطويلة لاستيعاب الأدوار, ثم ذلك الاحساس بالاطمئنان الذي أمنحه لهم أثناء العمل والذي بمقتضاه تكون لديهم الفرصة للاعادة أكثر من مرة حتى تطل لحظة الصدق فألتقطها. إن الممثل الذي يعمل معي لا يقبل ولا أقبل أن يكون نسخة مني. بالمناسبة لماذا أفلام يوسف شاهين وحدها هي التي تشارك في المهرجانات الكبرى؟ ــ يوسف شاهين ليس بمفرده, وليس حقيقيا ان أفلامي فقط هي التي تشارك في المهرجانات الدولية. فعلى سبيل المثال لا الحصر في السنة نفسها التي عرض فيها فيلمي (وداعا بونابرت) في مهرجان (كان) السينمائي كان يعرض أيضا فيلم (سواق الاتوبيس) لعاطف الطيب. لكن هذه الأفلام تعرض على هوامش المهرجانات؟ ــ مشواري الفني استغرق 50 سنة طوال هذه المدة وأنا أشارك في هذه المهرجانات وتعلمت أشياء كثيرة جدا.. انني أذكر أول مرة سافرت بها بفيلم لي كان ذلك العام 1952 في مهرجان فينسيا وقتها رفضوا عرض الفيلم وجلست أبكي بجوار علب الفيلم حتى أعطوني حفلة العاشرة صباحا بعد محاولات مستميتة وعندما دخلت الصالة وجدت أربعة أشخاص لقد استمر الأمر حتى فيلم (باب الحديد) وحتى بدأ الجميع يقول بعد ذلك ان الطريق طويل جدا وصعب.. واما ان تخوضه من بدايته أو ان تبتعد عنه. وهذا هو مبدئي في الحياة. أعرف انك تحدثت كثيرا من قبل عن أزمة السينما لكن كيف تراها الآن خاصة مع اتخاذ أولى خطوات خصخصة السينما وبيع أصولها؟ ــ المشكلة ليست في خصخصة السينما وحدها, التصريحات الرسمية التي نسمعها ونقرأها تؤكد انه لا خصخصة للاعلام, أي انه سيظل كما هو لا يعرف شيئا اسمه الرأي الآخر. وهذا في رأيي تشجيع على سرقة السينما والتفاهة.. الخطورة بالنسبة لي كسينمائي هي ان يستمر ضرب التلفزيون للسينما فمنذ سنوات طويلة وسعر الفيلم في التلفزيون ثلاثة آلاف جنيه! بينما إذا أنتج التلفزيون فيلما فهو يدفع ثلاثة ملايين جنيه وأربعة ملايين دعاية! مسؤول بعد مسؤول في التلفزيون والسياسة لا تتغير, انهم يريدون الحصول على الفيلم السينمائي مجانا! على مستوى آخر شاهدت منذ فترة في التلفزيون أغنية لهاني شاكر يستخدم فيها لقطات من فيلمي (صراع في الوادي) كمادة فيلمية وبدون أن يستأذن فهل هذا معقول؟! المشكلة ان كل الوزارات ضد السينما فالمنتج إذا أنتج فيلما يخسر وصاحب دور العرض إذا قام بتصليحها يخسر لأن الضرائب ضخمة جدا تخيلي 35% من سعر التذكرة!! البيع ليس هو الحل, فيجب أن نسأل أنفسنا سؤالا عن بيع أصول السينما هل تباع لأي شخص عنده أموال أم ستكون هناك أولوية للسينمائيين كما يحدث في دول العالم التي تحترم السينما؟ ولكن مشاكلك أنت كسينمائي أقل من كثيرين فلديك مؤسسة لها أسلوب خاص في الانتاج والتوزيع. ــ أنا درست لأكثر من سينمائي عندي .. وكل سنة أعطي الفرصة لاثنين من المخرجيين الجدد ليعملوا لكني لا أستطيع التزام الصمت, إذا كان هناك سينمائيون آخرون يصمتون لابد لديهم أعمالا أخرى غير السينما فأنا لايوجد لدي غير السينما ولست مسؤولا عن شيء آخر غيرها وأنا لا أستطيع أن أرتاح وأترك الشباب وسط المعركة وحدهم وليست عندهم المعلومات التي لدي, بداية من الفكرة الأساسية وحتى السينما التي تباع, عقدتي الوحيدة أنني أمارس كل ذلك حتى الآن, ربما أنا متحرر قليلاً من القيود التي يفرضونها لأني أبيع أفلامي في تلفزيونات الخارج والتي تشتري باسمي لذلك استطيع أن أنتج الفيلم كما أريد وبدون مشاكل لكن أشعر ان المسؤولية كبيرة. أنت تتحدث عن قضيتي خصخصة الإعلام ومصيبة السينما ــ نعم .. وبما أننا نعرف ولا تخفى علينا قوة التلفزيون كجهاز, إذن فلابد كحد أدنى أن يكون معنا كسينمائيين. نحن صناعة مصرية وليس له الحق كتلفزيون ان يتحكم فيَّ للدرجة التي تخرب بيتي وتخرب فكري ايضا, لذلك وبما أنه قوي ويقف ضدي ولا يريد أن يدفع في أفلامي فقد سحبت كل أفلامي. بمناسبة سحب الأفلام أنت تطالب بمبالغ كبيرة لشراء أفلامك وعرضها في التلفزيون؟ ــ أنا أطلب ما يستحقه الفيلم, لو التلفزيون أعطاني ثلاثة الاف جنيه في الدقيقة فيصبح ثمن الفيلم 260 ألف جنيه أنا أطلب 100 ألف فقط, وهذا ليس كثيرا .. ثم أين تذهب أموال التلفزيون؟! ولكنك تبيع أفلامك للمحطات الفضائية ــ إذا لم أبع أفلامي سيتوقف نشاطي ولذلك فأنا أحاول أن ألعب اللعبة على قدر امكاناتي, التلفزيون المصري يأخذ الفيلم بعشرة آلاف جنيه لمدة خمس سنوات لقنواته السبع, وهذا ما رفضته. في النهاية ما المشكلات العاجلة المطلوب حلها؟ ــ أولاً الضرائب .. ضريبة الملاهي وضريبة الدمغة وضريبة المبيعات ثم في آخر كل سنة ضريبات أرباحي أنا كسينمائي لا أريد أن أكسب فقط ان يغطي الفيلم تكلفته من العرض في السينما. المشكلة إذن في دور العرض وليست في الانتاج نفسه؟ ــ كل العوامل متشابكة ومتداخلة ولا شيء سيتم حله بدون الآخر. وأين وزارة الثقافة من كل ذلك؟ ــ لا شيء بيدها .. ومع ذلك قالوا لنا انهم أنشأوا صندوق التنمية الثقافية والذي يمكن أن يمول السينمائيين والمسؤول عنه سمير غريب مشغول بصفة مستمرة ولا تستطيع أن تقابله واكتشفت وأنا أحاول تحديد موعد معه أنني يجب أن أنتظر سنة كاملة حتى أحظى بالمقابلة. إذا؟ ــ ولا .. إذا .. كما انني لا أعرف إلى أين ستذهب السينما ولا ماذا سوف يفعلون بها ولا أعتقد أنهم أنفسهم يعرفون ويكفي هذا الحديث عن السينما لأني تعبت. حوار: إسلام نشأت