حصل فيلم (الشرف) العمل الروائي الأول الطويل للمخرج محمد شعبان على تسع جوائز بالدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائي من بينها جائزتا العمل الأول من لجنة التحكيم الدولية ولجنة تحكيم مسابقة الأفلام المصرية. الفيلم مأخوذ عن رواية (بيوت خلف الأشجار) لمحمد البساطي, كتب السيناريو والحوار مصطفى محرم, وصوره ماهر راضي. يتناول الفيلم آثار هزيمة 1967 والتهجير الجماعي من بور سعيد على حال أسرة سامية (جيهان فاضل) التي لا تجد مأوى مناسبا لها فترضخ للزواج من الجزار الثري (فاروق الفيشاوي) الذي يعاملها مثل الذبائح التي يتعامل معها دون مراعاة لمشاعرها, وهو ما يدفعها إلى السقوط في الخطيئة مع شاب ثري من عمرها. ويعد فيلم (الشرف) العمل الروائي الأول للمخرج محمد شعبان حيث انتظر قرابة الأربعة وعشرين عاما للبدء في إخراج أول أعماله السينمائية. فمنذ تخرجه من المعهد العالي للسينما عام 1975 وحتى العام الجاري يعمل في مجال إخراج الأفلام التسجيلية والتي كان اغلبها مميزا مثل (أنجي) و(سلام مربع) و(أشواق) و(ذكريات) عن بدايات تاريخ السينما المصرية و(حديقة الحيوان) و(ما قبل الافتتاح) عن اللحظات الأخيرة لافتتاح الأوبرا المصرية الجديدة. وحول تجربته في إخراج الأفلام التسجيلية يقول محمد شعبان: لم يكن هدفي التخصص في الأفلام التسجيلية منذ اللحظة الأولى بالتحاقي بالمعهد العالي للسينما, كانت السينما عندي هي الروائية, وكان من المفترض أن أكون أصغر مخرج روائي, فقد حدث فور تخرجي أن حصلت على مشروع فيلم روائي كامل مع ضمان موافقة كل نجومه وتوفير عملية الإنتاج له, إلا أن المشروع تعثر. بعدها بدأت العمل مع عدد من المخرجين أمثال المخرج شادي عبد السلام حيث شاركت في إعداد فيلم (إخناتون) الذي لم ير النور وأصابني بالإحباط من تكرار التعثر في إخراج الأفلام الروائية. وحاولت أكثر من مرة تحقيق مشروعي في الإخراج الروائي, لكن الموضوعات التي يقع عليها الاختيار لم تجد قبولا من الإنتاج الذي كان يفضل الأفلام التجارية, وكنت من جانبي أريد أن أعبر عن نفسي كمخرج روائي. كيف كان اتجاهك في الفيلم التسجيلي؟ منذ عملي في المركز القومي للسينما كان اتجاهي في السينما التسجيلية أن أعبر من خلالها عن أفكاري بطريقة بعيدة عن الأنماط السابقة , فأنا أكره السرد في التسجيلي الذي يتدخل لشرح أشياء الصورة كفيلة بشرحها, وأحب أن تكون الموسيقى عنصرا أساسيا إبداعيا وليس مكملا, وتكون الكاميرا هي أساس العمل. وحصيلتي قليلة لأنني في كل فيلم أدخل اختبارا ذاتيا لتقديم حالة إبداعية في الفيلم موجود بالفعل في الواقع, فمثلا في فيلم (حديقة الحيوان) تجد أنه يخلو من أي كلمة أو حوار على مدى العشرين دقيقة مدة الفيلم , وأترك الموسيقى هنا لتعبر عن لغة الحوار التي تعكس العلاقة بين الإنسان والحيوان المحبوس ليتساءل المشاهد من منا المحبوس؟ .. وفي فيلم (سلام مربع) اخترت فرقة حسب الله للموسيقى النحاسية الشعبية, وقدمت آخر أفرادها من الجيل القديم الذين يعزفون بالفطرة, وكانت الموسيقى التصويرية للفيلم عبارة عن مقتطفات من معزوفاتهم. اسمح لي أن أتوقف عند فيلم (أنجي) الذي يحكي حياة الفنانة أنجي أفلاطون, ومحاولتك في التعريف بإبداعها من خلال فيلم تسجيلي؟ الفنانة أنجي أفلاطون حالة خاصة في مثلث إبداعي يضمها مع تحية حليم وجاذبية سري, تتفوق عليهما بأنها كانت أكثر صخبا في الحياة وصراعا مع الواقع. نشأت كإنسانة في أسرة ميسورة في محافظة لها تقاليدها, تعلمت الفن من نعومة أظافرها و بدون الالتحاق بكلية الفنون الجميلة, أو أعمالها سيريالية تتوازى مع أعمال كبار الفنانين بأوروبا.. اندمجت في الحياة السياسية قبل الثورة.. وكان أول اعتقال لامرأة مصرية عام 1959 ضمن مجموعة كانت تنتمي إليها , والطريف أن أجمل لوحات أنجي هي تلك التي رسمتها من داخل المعتقل, رسمت صديقاتها والسجينات الأخريات , وكما عبرت عن السجن عبرت عن الحرية بشكل مختلف وأصبح لها أسلوب خاص, وقد اختيرت أنجي كنموذج للمرأة في الثمانينيات في وقت نشطت في الدعوة لعودة المرأة للبيت, ولم أكن أثناء إخراجي وتصويري لأعمالها تحت سطوة فنها, إنما أردت أن أتحدى وأقدم سينما خاصة بي تعبر عن رؤيتي. كيف اختر ت لفيلمك الروائي الأول قصة واقعية من أحزان 1967 ولم تلجأ كما فعل الكثيرون من قبل إلى موضوعات سائدة ومثيرة؟ لقد استهوتني رواية محمد البساطي (بيوت وراء الأشجار) حينما قرأتها أول مرة, واشتريت حقها للسينما, وكنت منشغلا في مشروع فيلم آخر مع كاتب السيناريو مصطفى محرم, وعندما قرأت الرواية طلبت تأجيل مشروعنا, وبعد أن قرأ مصطفى محرم القصة كان له بعض التحفظات ذلك لأن البساطي قدم أحداثا مازالت في ذاكرتنا, وربط بين تفاصيل النكسة على المستوى العام والمستوى الخاص من خلال بيئة عايشها بنفسه, ومن هنا كان اهتمامنا بتصوير تفاصيل المكان أو البيئة الواردة في الرواية. يحسب لك وللإنتاج تصوير تلك المرحلة الزمنية والمكانية ومشاهد التهجير الجماعي, وإدارة المجاميع والمراكب الشراعية .. فهل كان الأمر سهلا من ناحية الإنتاج ؟ لم يكن الأمر سهلا, فقد مررنا بصعوبات عديدة, ولكن النتيجة كانت على الشاشة مرضية إلى حد كبير, وهنا يجب ألا نغفل الدور الكبير الذي لعبه مصمم الديكور والمناظر. قدمت جيهان فاضل كوجه سينمائي جديد في دور أساسي.. رغم أنها معروفة تلفزيونيا مما استحقت عليه لجنة التحكيم الخاصة .. فكيف كان تعاملك معها ؟ أنا أميل إلى تقديم وجوه جديدة .. وفي مشروعاتي المقبلة سأحاول اكتشاف وجوه جديدة وأسند لها بطولات قوية , ولي دراسة عن الممثل وكيفية الاستفادة من نقاط الضعف والقوة لديه, و اختياري لجيهان كان نتيجة بحث عن وجه جميل يبدو طيبا ومن طبقة متوسطة كانت له أحلام كثيرة سرقت منه, كما أنها من وجهة نظر (الجزار) تمثل عنصر جذب نسائي, فقد كانت جيهان في تلك الفترة بدينة إلى حد ما, أردت أن أوضح الفرق بين شخصية الجزار المتزوج من قبل من امرأة من طبقته وبين زوجته الجديدة الرقيقة, التي بحثت عن شاب من طبقتها ومن جيلها يماثلها في أفكارها . يجذبها بشخصيته ومجاملاته وحديثه المتكرر عن مشاركاته في المظاهرات, وكان توجيهي لجيهان ألا تبالغ في انفعالاتها ويكون تعبيرها داخلي بالوجه والصوت المنخفض بل وأحيانا بالهمس والأنفاس . الشاب الذي أحببته زوجة الجزار .. هل يمثل جيل الشباب الذي ثار على الهزيمة؟ هذا صحيح. فهو رمز للشباب وثورتهم لأول مرة على (الزعيم) عام ,1968 ورفضهم للهزيمة ونتائج محاكمة ضباط الطيران, إلا أن هذا الشاب ورغم حب الجزار له وكرد فعل طبيعي للإحباط العام الذي كان يسود مصر في تلك الفترة وقع في الخطأ. احتراق الزوج والزوجة وصديق الزوجة في نهاية الفيلم .. ألم ترى أنها نهاية قاسية.. أم رأيت أنه حل أخلاقي؟ النهاية حسب سيناريو مصطفى محرم كانت بسيطة وناعمة وغير منسقة مع كل الأحداث , وكانت ستصيب المشاهد العربي الذي ينظر إلى الفيلم من منظور أخلاقي بالإحباط , ووجدت أن تلك النهاية هي الأنسب , فأن مجتمعا بهذا التفسخ في العلاقات وحجم الإحباط الكبير لا يمكن أن يستمر على هذا الفساد, وكانت تلك النهاية هي نهاية علاقتي مع مصطفى محرم نفسه. وأنا أرى أن النهاية طبيعية ومنطقية إلى حد كبير, فالظلم واقع على الثلاثة معا, فالجزار مظلوم بما يحمله من ميراث اجتماعي, والزوجة انتزعت من بلدها, والصديق الثوري أحبط في الحل السياسي وخذل في إيمانه, وكان لابد من عقاب وإلا خرج المشاهد محبطا فاقدا الثقة في القيم, ومن ثم فأن النهاية حل درامي وليس أخلاقي. هل لديك أعمال روائية طويلة تقدمها خلال الفترة المقبلة؟ أعد فيلماً بعنوان (على فين) .. يحكي صراع المجتمع وحيرة الجيل الجديد المفعم بالطموح والعلم والطاقة, والذي لا يدري إلى أين يسير أو يتجه. يصور الفيلم صراعا بين جد ينتمي إلى أحد صفوف الثورة وحفيد مكن الجيل الجديد, وأب من أبناء الثورة وفي نفس الوقت والد البنت التي يحبها حقق ثورة نتيجة علاقته مع السلطة. وسيكون في قالب موسيقي وأنا الآن في المراحل النهائية من كتابة السيناريو الذي أقوم بكتابته بنفسي. القاهرة ـ (البيان) ـ فوزي سليمان