بيان الكتب : كل من يخوض في دراسة الادب الصهيوني يدرك انه ادب سياسي حتى قبل تبلور الفكرة الصهيونية سياسيا وهي باعتمادها على التوراة تأخذ منها حسا شوفينيا استعلائيا عدوانيا استيطانياً تعزف على اوتار الدين اليهودي، بعد تشويهه ومسخه خدمة لاغراضها معتمدة على نظرة عرقية فاقعة تمد الادب اليهودي بعناصر ما وراثية، واضافة الى انها خلقت دورا احتيالا، لتؤديه في مجال تسييس ذلك الادب وطبعه بطابعها من خلال الدعوة الى تفعيل الادب الايديوديني وصولا الى ادب ايديو سياسي والتي يجد فيها العقل المتنور مجالا لامنطقيا لمحاولات حقن العبارة بمبررات صهوينية اتخذت من الميتافيزيقيا اسلوبا، كما فعلت حين اعتمدت جملة من قصيدة قلبي في المشرق للشاعر يهودا بن هليفي يقول فيها: «تستلقي صهيون تحت جنة عدن وأنا مغلل هنا بالقيود العربية». كما كان لرقص الصهيونية على حبال التفوق العرقي اثر بارز في نفس اليهودي، لأنها اعتمدت في رقصها على موسيقا الدين والتفوق العرقي هو الكفيل بالبقاء حيث يقول فرويد في هذا المجال: «لقد خلق الله موسى شخصية لليهود حين اعطاهم دينا صعد ثقتهم بأنفسهم الى درجة آمنوا معها بأنهم متفوقون على كل الشعوب الأخرى وبقوا على قيد الوجود نتيجة لهذا التفوق على الاخرين». فلا مجال اذن من وجهة نظر صهيونية للمقارنة بين ما هو يهودي وغير يهودي حيث يقول الحاخام مناحم شنيؤورسن ان الجسد اليهودي يختلف كليا عن اجساد بقية الشعوب وذلك من حيث المأكل والمشرب والطينة كذلك الامر بالنسبة للجنين الذي يسمى انسانا لأنه يتكون من جسد وروح والاختلاف بين جنين اسرائيل واجنة بقية الشعوب كبير جدا لأنه لا وجه للشبه بين جسدين من مرتبتين متناقضتين، ولأن روح الجنين هو النقيض والضد تماما ازاء الجنين التابع لأي شعب اخر وما يصح على الجسد (المادة) يصح كذلك على النفس والروح، اذ ان اصل ارواح الشعوب هو من طبقات النجاسة الثلاث بينما اصل ارواح بني اسرائيل هو من الروح المقدسة ذاتها. ان من يقرأ الادب الصهيوني يدرك امراً بالغ الاهمية عند اصحاب هذا (الادب) وهو ادعاء المسكنة والذل لتسويغ نزعة الاجرام في نفوسهم التي ظهرت نتيجة تفاعل النفس الوضعية مع فقدان الشعور بالامن، كما ان للأدب الصهيوني دور بارز في بلورة السياسة والفكر الصهيونيين. فقد استطاعت الصهيونية ان تسخره ادبا استعماريا خادما لتوجهاتها العدوانية. فالعلاق بين الادب الاستعماري والادب الصهيوني علاقة جدلية ولا يمكن فصل عالميهما عن بعضهما وهذا ينتج تمازجا بين جوهر الحركة العدوانية لدى الاستعمار واسرائيل. لقد ادركت الصهيونية العالمية ان صورة اليهودي في الادب العالمي هي صورة كريهة محتقرة تحب الفتنة لذلك عمدت الى محاولات لتغيير هذه الصورة باتباع اساليب مبرمجة بدءا من حركة ما يسمى بالتنوير وشراء الاقلام والنفوس وتمثيل البؤس والشقاء وابرازهما وتزويج مقولة اضطهاد العالم لليهود وانتهاء بزج النساء في معركة الجذب الجنسي لتحقيق اهدافهم البعيدة في السيطرة واعادة رسم صورة اليهودي وابرازها كصورة راقية عدا كونها من روح الله ليقوموا بعد ذلك باضطهاد العرب ومحاولة اذلالهم واحتلال ارضهم. لذلك كان لابد لهم قبل ذلك من تشويه صورة العربي في العالم وطرحها بدلا عن صورة اليهودي التي طالما صورها الادب العالمي بأنها اشنع ما يمكن ان يتخيله بشر. وراحت الصهيونية عبر ادواتها تعمل للتغلغل في المجتمعات الاوروبية واظهار عملية التأقلم فيها كخطوة احترازية الامرالذي يحقق لها معاملة اليهود معامل حسنة خاصة بعد ان يدخل بعضهم في الدين المسيحي ولضمان التعامل مع اليهودي على انه احد ابناء الوطن في كل ما يترتب عليه من حقوق وواجبات وبذلك تصبح عملية تصويرهم على ما هم عليه من اجرام ودونية عملية معقدة، اضافة الى مقدرتهم على الاضطلاع بمراكز مفصلية في تلك الدول وذلك لتسهل عليهم المشاركة في صناعة القرارات بعد خطب ود الاوساط الشعبية العالمية واظهار اليهودي بصورة الرجل الصالح لكسب الرأي العام، ثم يأتي بعد ذلك الكرم للمؤيدين من ادباء وشعراء ومفكرين وغيرهم وتوظيف الرأسمال اليهودي في اقامة مؤسسات راعية لهذا التوجه يترافق مع ادب صهيوني في الاوساط المسيحية ومحاربة اي ادب معاد للتوجه الصهيوني العام وفتح الابواب امام التعامل مع البحوث التي تقول بأحقية هؤلاء بوطن يجمعهم وتصوير الارض العربية بأنها ارض بلا شعب وتصوير العربي بأنه متخلف وغير حضاري ولا يستطيع التعامل مع المتغيرات العالمية ثم الاستيطان في الاراضي العربية وتبرير عملية سلخها عن سكانها الاصليين واظهار اليهودي بصورة الافضل والاكمل من العربي ثم من جميع الشعوب الاخرى الامر الذي يدفع عددا من ضعاف النفوس الى البحث عن انسابهم، علهم يجدون فيها ما يدل على انهم ينتمون الى اليهود. ثم تنظيم هجرة مستمرة الى فلسطين العربية وبناء الكيان الصهيوني مع الابقاء على بعض اليهود في مراكز حساسة في دول العالم وذلك لتحقيق نوع من السيطرة المستقبلية ثم الكاملة وتسويغ احتلال الاراضي العربية الاخرى توسعا وعملا بقرارات حكماء صهيون ثم رفض الاندماج بشكل قطعي بعد ذلك في دراسة جديدة للباحث فؤاد سليم ابو زريق عن «الادب الصهيوني وتضليل الرأي العام» الصادر ضمن سلسلة منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق، تكشف المستور والمتواري والمسكوت عنه فيما يحدث في المؤسسات الصهيونية ومنظماتها داخل اوروبا تحديدا وعلاقتها بالادباء الاوروبيين والتأثيرات الكبيرة التي لفتهم من اجل ايقاف ادبه على نصرة اليهود والدفاع عنهم في المحافل الدولية والمجتمعات الاوروبية. حيث تصور الدراسة بدقة طرائق صهيونية واساليبها من اجل التغلغل في اوروبا واوجه التأثير التي احدثتها في الحركة الثقافية والادبية بدءا من منتصف القرن التاسع عشر تقريبا. حيث لعبت الصهيونية دورا بارزا في انشاء نوى تنظيمية تعمل على الانخراط في الاوساط الغربية سواء أكانت هذه الاوساط ادبية ام غير ادبية فوظفت لذلك بعض الكتاب اليهود وطبعت منشورات ومجلات وصفحا مثل منيوراه ومجلة البارتيزان ريفيو التابعة لنادي جون ريد في نيويورك ومن ثم مجلة التعليق اضافة الى السجل اليهودي المعاصر. وبعدما حققت الصهيونية العالمية ما تصبو اليه من تأثير في الفكر الغربي عمدت الى المرحلة التالية من هذا البرنامج وهي الدعوة الى الاستيطان في البلاد العربية وتشجيع الهجرة اليها واقامة الوعد التوراتي المزعوم وانشاء (دولة) يهودية على الارض العربية بعد قتل اصحابها وتشريدهم حيث يقول الحاخام يهودا أميتال بفلسفة غارقة في الارتباط بأفكار مجردة لا علاقة لها بالعقلانية: ان الصهيونية لا تبحث عن حل لمشكلة اليهود بتشييد دولة يهودية، وانما بتشييد دولة هي اداة في يد الخالق الذي يعد شعب اسرائيل للخلاص.. وليس هدف هذه العملية تطبيع شعب اسرائيل ليصبح امة مثل كل الامم وانما ليصبح شعبا مقدسا وشعب الله الحي. بعد ذلك عمدت الصهيونية العالمية الى عملية تشويه صورة العربي بالنسبة للصهيونية واظهار تباين بين العربي وبين اليهودي حيث يقول الكاتب الصهيوني يشعياهو بن بورات ان الصهيونية حركة اخلاقية وان فشل العرب في التقدم والازدهار ربما حدث ذلك بسبب المستوى الحضاري والاقتصادي والانساني لأولئك العرب الذين كانوا حثالة. اما هرتسل فيقول: يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة ومن ثم نجمع الحيوانات جميعها ونلقي عليها القنابل المميتة. كما ان القارئ للأدب الصهيوني يلاحظ ان ادباءه يلصقون بالعربي صفاتا ونعوتا لا تليق بحق اي انسان، فهو كاذب ومنافق ومراء يغتصب النساء والبنات معتد عديم المبادئ ويحب المال ويمكن شراؤه برشوة بسيطة او مبلغ بسيط من المال ففي قصة افرات لا يهود بن عيرزيورد احداث هجوم قام به العرب على اليهود فتلجأ افرات الفتاة اليهودية الى شاب عربي يدعى حسن وتعطيه المال ليحميها من ابناء فصيلته بعدما طلب اليها الزواج وابدى استعداده لخطبتها من ابيها، ويعد حسن بحمايتها ويتعهد بأنه لن يصيبها بأذى لكنه ينكث بوعده وعهده ويحاول اغتصابها. ويعمد نتان شاحم في مجموعته القصصية (خريف اخضر) الى وصف اسير عربي وقع في قبضة اليهود ويصفه بأنه كان ثرثارا وخائفا جدا وتحدث باسهاب حول امور هامة تتعلق بقوات العدو. رنا يوسف