بيان2: القاهرة ـ محمد عبد الجواد: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة صراعا شرسا بين هيئة المجتمعات العمرانية والمحليات حول أحقية كل منها في تبعية المدن الجديد لها وذلك في أعقاب نجاح محافظة القليويبة في ضم مدينة العبور إليها .. وإن كان لكل طرف مبرراته في هذه القضية حيث ترى هيئة المجتمعات العمرانية أن معظم المدن القائمة بالفعل لم يتم اكتمالها بعد حتى الآن وتحتاج الهيئة إلى فترات زمنية لاستكمال منشآت ومرافق هذه المدن حيث ينص القانون 59 لسنة 79 الخاص بإنشاء هيئة المجتمعات العمرانية على نقل تبعية المدن الجديدة للمحليات بمجرد إنشائها في حين ترى أجهزة الحكم المحلى أن هيئة المجتمعات العمرانية تتعمد عدم إنهاء قبضة الأعمال في المدن الجديدة لضمان سيطرتها عليها وهو الأمر الذى يتنامى في رغبة بعض المحافظات في نقل تبعية المدن الجديدة إليها لتأمين فرص عمل حقيقية لأبنائها وحل جزء من أزمة الاسكان الكامنة التى تعانى منها مصر خاصة وأن نسبة كبيرة من الوحدات السكنية غير مسكونة حتى الآن كما أن غالبية العاملين والمقيمين في هذه المدن من محافظات أخرى . المستثمرون من جانبهم يشعرون بحالة من القلق على استثماراتهم بسبب هذا الصراع ويفضلون التعامل مع هيئة المجتمعات العمرانية في الوقت الراهن نظرا لأنها تتفهم طبيعة ومتطلبات الاستثمار ويطالبون بثورة إدارية في المحليات لتطوير وتحديث قوانينها قبل نقل تبعية المدن الجديدة إليها حتى لا يكون لذلك تأثير ومردود سلبى على العملية الاستثمارية . في البداية يقول محمد أبو العينين رئيس لجنة الاسكان بمجلس الشعب ورئيس شركة سيراميكا كليوباترا أن بقاء إدارة المدن الجديدة في قبضة هيئة المجتمعات العمرانية أفضل كثيرا لصالح المستثمرين وتدفق الاستثمارات إلى المناطق الصناعية في المدن الجديدة لأن التعامل مع هيئة المجتمعات يتم بشكل مرن بعيدا عن أي تعقيدات روتينية خاصة وأن المحليات في مصر تعاني من أمراض مزمنة وتخلف إدارى لا يتوافق مع روح العصر الذى يتسم بالسرعة لأن معظم القوانين التى تطبقها المحليات قديمة ولا تناسب عمليات التحرر الاقتصادى لذلك نجد أن المحليات تحتاج إلى اعادة هيكلة حتى يمكن تقديم خدمات متميزة للمستثمرين وتوفير وسائل الانتقال الكافية لتأمين حركة نقل السلع والبضائع والعمال من وإلى المدن الجديد وفى نفس الوقت تقديم الأراضى بأسعار معقولة ومنح الضمانات والاعفاءات الضريبية التى تضمن استمرار تدفق الاستثمارات إلى المدن الجديدة مشيرا إلى أن انتقال تبعية المدن الجديدة للمحليات وإدارتها بأساليب الإدارات المحلية الحالية لن يكون في صالح حركة الاستثمارات وسيؤدى إلى انكماشها وتحجيمها . الاصل في التبعية ويضيف محمد أبو العينين أن الأصل في المدن الجديدة أن تبقى تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية وعدم انتقال تبعيتها للمحليات إلا بعد أن تقوم الإدارات المحلية بتطوير نفسها من حيث كيفية التعاون مع المستثمرين وأساليب الإدارة ونوعية الخدمات التى يتم تقديمها وجودتها لأن تناقض أساليب الإدارة وتأدية الخدمات بين هيئة المجتمعات التى تتسم بالمرونة والحرية والاستجابة الفورية لكافة المشاكل التى تواجه المستثمرين وإيجاد الحلول المناسبة لها و تخلف الإدارات المحلية واستمرارها في إنتهاك التعقيدات الروتينية وبيروقراطية الإدارة سوف يؤثر بشكل سلبى على حركة وحجم الاستثمارات في المدن الجديدة . ومن الواضح أنه كلما تمكنت الدولة من مواجهة البيروقراطية والقضاء عليها كان ذلك دعوة صريحة وجادة لتنشيط الاستثمار ومع ذلك فإن المستثمر لا تعنيه الجهة التى يتعامل معها في إدارة المدن الجديدة سواء كانت هيئة المجتمعات العمرانية أو المحليات بقدر اهتمامه بتوفير الخدمات الرئيسية وتوفير البنية الأساسية من مرافق وخدمات وطرق ووسائل إتصالات ووسائل نقل داخل المدن الجديدة لأن كل هذه العوامل مجتمعه تؤثر على عملية الاستثمار بالاضافة إلى الأساليب الإدارية التى تتبعها الجهة المشرفة على المدن الجديدة ومدى استجابتها وتعاونها في تذليل الصعاب وحل المشاكل التى تواجه المستثمرين وتعوق حركة الاستثمار . ويتناول طرف الحديث محمود برعى أمين صندوق جمعية مستثمرى 6 أكتوبر وصاحب إحدى شركات الاستثمار العقارى بقوله أن نجاح حركة الاستثمار داخل المدن الجديدة مرهون بمدى استمرارية تبعية هذه المدن لهيئة المجتمعات العمرانية لأن بيروقراطية المحليات ومشاكلها مزمنة ومتأصلة ولايمكن علاجها على المدى القريب . . فهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لها قانونها الخاص وتقدم تسهيلات كبيرة لرجال الأعمال من أجل تشجيع الاستثمار فمثلا يمكن رهن الأراضى لدى البنك بموجب محضر تخصيصها واستلامها للحصول على التسهيلات المالية اللازمة لبدء نشاط المشروعات الاستثمارية في حين أن المحليات ترفض تقديم مثل هذه التيسيرات بالاضافة إلى المشاكل المتراكمة التى يفتعلها ويتسبب فيها مهندس الأحياء في ظل اعتراف الدولة بوجود قصور كبير في أداء المحليات . محكومة بالفشل الذريع ويؤكد محمود برعى أن عملية نقل تبعية المدن الجديدة للمحليات محكوم عليها بالفشل الذريع لأنه من خلال قراءة الخريطة الاقتصادية والاستثمارية في مصر لا توجد مدينة صناعية ناجحة تخضع في إدارتها للمحليات لأن روح رجال المحليات والقائمين عليها ليست في صالح الاستثمار وكل ما يعنيها هو تطبيق القانون فقط مشيرا إلى أنه سوف يحدث ارتداد كبير للإستثمارات في المدن الجديدة إذا انتقلت تبعيتها للمحليات قبل أن يتم تطوير أساليب الإدارة بها وإعادة هيكلتها . ويضيف جورج باسيلى رئيس جمعية مستثمرى بدر ورئيس شركة (أكابى ) للأدوية أن انتقال تبعية المدن الجديدة للمحليات بدلا من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة سيكون له تأثيره السيء على حركة الاستثمارات ليس فقط في مدينة العبور التى انتقلت إدارتها بالفعل لمحافظة القليوبية ولكن في أي مدينة أخرى تؤول تبعيتها للأجهزة المحلية في أي محافظة وسوف يؤدى ذلك أيضا إلى احجام المستثمرين عن فتح استثمارات جديدة وستدخل في نفق مظلم من التعقيدات الإدارية لأن المحليات لها قوانينها الخاصة بها وهى قوانين قديمة لا تناسب روح العصر ولم يطرأ عليها أي تعديلات منذ صياغتها قبل 40 سنة أو يزيد . ويتساءل جورج باسيلى كيف يمكن لأجهزة الحكم المحلى التى تعانى من مشاكل إدارية مزمنة باعتراف أجهزة الدولة الرسمية من إدارة المدن الجديدة وهى التى تدار من خلال مجلس أمناء يصدر له قرار من وزير الاسكان ويضم ممثلين عن المستثمرين والسكان وأصحاب المصانع وكيف يمكن أن يتوافق ذلك مع فكر وأسلوب إدارة الأجهزة المحلية بالاضافة إلى ضرورة تحديد المسئول عن الحكم باكتمال منشآت أي مدينة جديدة حتى يمكن إتخاذ قرار نقل تبعيتها من هيئة المجتمعات العمرانية إلى أجهزة وحدات الحكم المحلي . الضحية ويرى الدكتور سيد كريم شيخ المعماريين أن الصراع الدائر حاليا بين هيئة المجتمعات العمرانية والمحليات حول أحقية كل منهما في إدارة المدن الجديدة سيكون ضحيته الرئيسية عملية الاستثمار داخل هذه المدن نظرا لأن انتقال تبعية المدن الجديدة إلى المحليات سوف يؤدى إلى حدوث نوع من البلبلة بين المستثمرين وقد يدفع ذلك البعض إلى تجميد نشاطهم الاستثماري في هذه المدن لحين استقرار الأوضاع خاصة وأن أساليب الإدارة مختلفة كليا وجزئيا بين هيئة المجتمعات العمرانية التى تتسم بالمرونة والسرعة في التعامل مع المستثمرين وأجهزة الحكم المحلى التى تعانى من مشاكل لا تحصى وبيروقراطية مزمنة تسببت في فشل الكثير من المشروعات بسبب الجمود الإدارى والتعنت بلا أي مبرر من قبل القائمين على أمور أجهزة الحكم المحلى . ويطالب الدكتور سيد كريم بضرورة تحديد المسئوليات بدقة قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بنقل تبعية المدن الجديدة التى تعتبر من أنجح المشروعات العمرانية التى تم تنفيذها خلال العشرين سنة الأخيرة خاصة وأن أي قرار سوف يتم اتخاذه سيكون له تأثير على مستقبل الحياة في هذه المدن ونحن نسعى دائما إلى أن تكون الآثار إيجابية لأن الآثار السلبية سيكون لها مردود سيء على الاستثمار والمستثمرين . طلبات الوزير مرفوضة ويلخص المهندس حسب الله الكفراوى وزير الاسكان السابق الصراع الدائر بين هيئة المجتمعات العمرانية والمحليات على أحقية كل منهما في إدارة المدن الجديدة بقولة أن القانون 59 لسنة 79 والخاص بإنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ينص صراحة على نقل تبعية المدن الجديدة للمحليات بعد اكتمال عناصر قيامها من مبانى وبنية أساسية ومرافق وخدمات ولكن المشكلة تكمن في أن هناك بعض المحافظين يسعون إلى حب الظهور والدعاية لأنفسهم فيثيرون قضية نقل تبعية المدن الجديدة إليهم على اعتبار أنها دجاجة تبيض ذهبا متناسين أن هذه المدن تحتاج إلى عقلية إدارية مختلفة عن فوضى وتسيب المحليات في حين أن هناك بعض المحافظين مترددون ويخافون من تحمل المسئولية .. فمثلا مدينة 15 مايو اكتملت منذ 10 سنوات وحينما كنت وزيرا للإسكان طلبت من محافظ القاهرة استلامها إلا أنه رفض لأن المحافظة لن تتمكن من الحفاظ على مستوى الخدمات التى تقدمها هيئة المجتمعات العمرانية وبالتالى سوف تنكشف المحليات ولذلك أؤكد أن الصراع من أجل السيطرة على المدن الجديدة لن يدفعها للأمام وإنما سيعرقل مسيرتها .. وقد كانت لى تجربة أخرى حينما كنت وزيرا للإسكان حيث طالبت بنقل تبعية مدينة العاشر من رمضان إلى محافظة الشرقية وكانت النتيجة هي رفض هذا الطلب سواء من المحافظة أو من المستثمرين فالمحافظة خافت من الفشل في إدارة هذا الكيان الاقتصادى الناجح كما أن المستثمرين رفضوا الفكرة خوفا من تعقيدات المحليات بالاضافة إلى أن هيئة المجتمعات العمرانية تقوم بتوجيه استثماراتها للمنشآت الجديدة وفى نفس الوقت تتولى عملية تشغيل وصيانة المنشآت القائمة . ويشير وزير الاسكان السابق إلى أن المدن الجديدة يجب الحفاظ عليها والسعى لتطويرها وتنميتها وإدارتها بأفضل الأساليب المتاحة لتحقيق أفضل نتائج ممكنة وتعظيم الاستثمارات الموجودة بها لأنها تمثل طوق النجاه لمصر حيث تضمن الحفاظ على الأراضى الزراعية ويكفى أن القانون الخاص بالمدن الجديدة وهو القانون 59 لسنة 1979 لم يهتز طوال 22 سنة رغم محاولات التخريب التى تعرض لها كما أنه لم يحدث حتى الآن قيام أحد من مستثمرى المدن الجديدة بالهروب من مصر أو تهريب ثروته خارجها وهذا دليل قاطع على نجاح هذه المدن في جذب الاستثمارات والمستثمرين نظرا لما تقدمه من خدمات وما تمنحه من اعفاءات وامتيازات وفى تصوري أن المستثمرين ورجال الأعمال الشرفاء هم الخلايا الحية للإقتصاد المصرى مشيرا إلى امكانية نقل تبعية المدن الجديدة للمحليات بشكل جزئى وبشروط أهمها ضرورة تطوير وتحديث الأساليب الإدارية المتبعة في المحليات وتخليصها من البيروقراطية والتعنت والروتين وبطء الإجراءات لأن كل هذه المعوقات هي الداء الحقيقى للمحليات والذى لايمكن أن يتوافق مع احتياجات الاستثمار ورغبات المستثمرين . قانون خاص وفى النهاية يؤكد الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة أن الوزارة ليست ضد انتقال تبعية المدن الجديدة للمحليات لأن هناك قانونا خاصا ينظم هذا الأمر وهو القانون 59 لسنة 79 وخاصة في المادة 13 والمادة 50 حيث ينص القانون صراحة على تسليم أي مدينة جديدة يتم الانتهاء من بنائها واستكمال كافة مرافقها وبنيتها الأساسية ومبانيها الخدمية إلى المحافظة التى تقع في نطاقها هذه المدينة حتى تتفرغ هيئة المجتمعات العمرانية لما هو أهم لأنها مثقلة بالأعباء في ظل وجود نية لإقامة 44 مدينة وتجمعا عمرانيا جديدا حتى عام 2017 وكل ما تطلبه الوزارة هو ضرورة التريث في انتقال تبعية المدن الجديدة لحين استكمالها بالشكل الأمثل وحسب الرسم والتخطيط المعد مسبقا منذ التفكير في إنشائها حتى تنتقل هذه المدينة لإدارة المحليات وهى كيان كامل النمو بالإضافة إلى أن اشتداد الصراع بين المحليات وتكالبهم على السيطرة على المدن الجديدة قد يؤدى إلى انفراط عقد هذه المنظومة الفريدة . وبالنسبة للاستثمار داخل المدن الجديدة يقول وزير الإسكان أن المستثمر لا تعنيه الجهة التى سيتعامل معها بقدر اهتمامه بالسرعة والمرونة في إنجاز الأعمال والمشروعات التى يخطط لها ويسعى لتنفيذها وفقا لبرنامج زمنى معين وبالتالى فإن كون المدن الجديدة تتبع الهيئة أو تتبع المحليات لا يمكن أن يكون له تأثير سلبى على الاستثمار إلا إذا وجد المستثمر أن الجهة التى يتعامل معها ليست متعاونة وتطبق قواعده قرارات روتينية مملة تهدد نجاح مشروعاته الاستثمارية.