بيان الكتب: تأتي اسماء في مقدمتها «توني موريسون» واليس وولكر، متزامنة مع اهميتها في كتابة الطريقة الامريكية المعاصرة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبينما ترتبط الرواية لدى اليس وولكر بالموضوعات ذات الصلة بحركة الحقوق المدنية واشهرها رواية «ميريديان» سنة 1976 وحصولها على جائزة «بولتزر» للأدب النسائي المتميز عن رواية «اللون الارجواني» فإن اسم توني موريسون يأتي مرتبطاً بالتأسيس لشكل روائي مختلف متجدد متميز بالاصالة من حيث تأثيره بالفولكلور الشعبي والتاريخ الزنجي الامريكي. «في كل ليلة تصلي بيكولا من اجل العينين الزرقاوين وعلى الرغم من انها في الحادية عشرة الا ان احداً لم يشعر بوجودها. ولكن هذا سيكون مختلفاً فبالعينين الزرقاوين كما يتراءى لها سيتغير كل شيء. ستكون اكثر جمالاً وسيكف والدها عن مشاجرتها ويتوقف ابوها عن الشرب واخواها عن هروبه من المنزل.» فقط لو تصبح جميلة، لو ينظر اليها الناس فقط. مقتطف من رواية «العينين الاشد زرقة» لتوني موريسون الفائزة بجائزة نوبل لعام 1993 عن هذه الرواية. ورواية «العينين الاشد زرقة» التي اعادت توني موريسون كتابتها بعد اكثر من عقدين هي العمل الروائي الاول للروائية الامريكية الحاصلة على جائزة نوبل للأدب في سنة 1993. وكانت موريسون قد اعربت عن شعورها بعدم الرضى للمستوى الذي ظهرت فيه الرواية على صعيد البناء اللغوي والفني وهو ما اعتقدت فيما بعد انها لم تكن قد تمكنت من اجادته في تلك المرحلة من حياتها الكتابية وعلى الرغم من ان عدداً كبيراً من النقاد يربط بين هذا الشعور وبين حالة التواضع الشديد التي تمتاز بها موريسون على الصعيد الشخصي وسعيها باستمرار الى الوصول بكتابتها الى مستوى من الجودة والخصوصية الا ان اعادة نشرها هذا العمل الروائي في سنة 2000 كان قد اسهم ايضاً في تأكيد ظهورها كروائية من الدرجة الاولى منذ البداية. رواية العينين الاشد زرقة التي تقع احداثها في احدى مناطق اوهايو في سنة 1941 هي عمل روائي متكامل تقريباً تنتقل من خلاله وجهة نظر المؤلفة مثل عصا قائد الفرقة الموسيقية من شخصية الى اخرى فيما تتاح للقارئ فرصة الاستماع الى صوت موريسون طوال الوقت على الرغم من الحضور القوي لبطلة الرواية بيكولا بريد لوف الفتاة البالغة من العمر 11 عاماً والتي ولدت لتحمل حليب الام بسبب لون بشرتها السوداء، حدقت في وجوههم وتساءلت.. لماذا تبدو وجوههم قبيحة الى هذا الحد، وكلما اقتربت منهم وتفرست في وجوههم عن قرب لم تعثر على اجابة، لكنك اكتشفت فيما بعد ان السبب يعود الى الاقتناع، اقتناعهم هم، واضافت بيكولا: حينئذ تراءى لي كما لو ان سيداً عالماً بكل شيء قد وزع عليهم اقنعة من القبح ليضعوها على وجوههم وان كل واحد منهم قد قبل بقناعه دون اعتراض.. وان ايديهم قد تلطخت بالقبح الذي امتد ليكسو اجسامهم وليحملوه اينما ذهبوا. وكلما استحضرت بيكولا المزيد من مشاهد القبح المرتبطة بلون البشرة السوداء لديها حتى تلك النماذج ذات العلاقة بالتردي الاخلاقي كتلك الموجودة لدى افراد عائلتها. (والدها على وجه الخصوص) كلما تمنت ان تكون على النقيض من هذه النماذج الهشة التي تعيش بينها، وكلما تمنت ان تكون فتاة بيضاء بشعر اشقر وعينين هما اشد زرقة لكي تصبح جميلة في نظر الاخرين وحتى تتخلص من مشكلاتها الحياتية الاخرى. من المؤكد ان اهم تلك العناصر الروائية النفسية التي تعتمد عليها رواية موريسون وهي «كره الذات» هي الشيء الذي يبقى محركاً مهماً لاصدارها الرواية فيمنعها من التسيب وانعدام الرصانة ومن التحول فجأة الى سيناريو يبدو من خلاله الناس ومنهم بطلة الرواية ضحايا في الوقت الذي تسعى فيه موريسون الى توصيل فكرة انسانية اكثر شمولية تتلخص في ان يتعامى الناس عن الوانهم وهذا مما يحول العمل برمته في ظل توفر العناصر اللغوية. (اللغة الشاعرية الرقيقة التي تتجه نحو التكثيف) وتكامل العناصر الفنية الاخرى الى انجاز روائي من الدرجة الأولى حتى منذ بداية صدور العمل في سنة 1970. الاشكالية الاساسية التي تطرحها موريسون كما يلاحظها القارئ تعبر عنها المؤلفة بالسؤال التالي: ـ لماذا يهدر الامريكيون السود قواهم، ولماذا يفرطون بهذا الجمال؟ ولهذا فإن روايتها تبدو في حقيقتها عملاً يناقش جوانب مختلفة كثيرة تاريخية واجتماعية وفولكلورية وموسيقية واسطورية تتعلق بتلك الاشكالية. في العينين الاشد زرقة تقدم لك موريسون وجهة نظر طفولية كما تتبدى من منظور شخص بالغ فيما تقوم بربط المعلومات اصوات متعددة منها «كلوديا» فتاة في التاسعة من العمر وهناك مقاطع تتراوح لغتها بين صيغة الغائب او صيغة المتكلم وهنا يلاحظ القارئ ان المؤلفة تلجأ ضمن لعبتها الروائية الى المزج بين هذه الاصوات لتعطي وجهات نظر مختلفة متعددة دون الدخول في دور الواعظ وكل ذلك لكي تمنح القارئ فرصة الولوج الى عالم شخصياتها المؤلم. ورغم ان موريسون كانت قد صرحت في مقابلة لها بأن، رواية العينين الاشد زرقة هي عمل يتعلق في المقام الاول بتبعية الانسان لعالمه الذي قدر له ان يكون فيه ومحاولة تحديد الهوية وتقييم الذات والشعور بأنه جدير بالاحترام، الا ان من الواضح ان موضوعاً اخر كالصراع من اجل البقاء في المجتمع الامريكي هو واحد من اهم الموضوعات التي تسلط عليها موريسون الضوء في الوقت الذي تناشد فيه بعمل المستحيل من اجل الحفاظ على الهوية الانسانية الاصيلة. وعلى الرغم مما تحفل به روايات موريسون من حوادث الموت المنزل بالنفس ذاتياً وعلى الرغم من تسليطها الضوء على موضوعات تعالج فيها مشكلات الانسلاخ والعزلة النفسية والانتحار كما وردت في اعمال كتاب كبار منهم «وليام فوكنر» وفرجينيا ولف «كانت جورسون قد تناولتها بالبحث في دراسات سابقة الا ان النقاد كما يبدو لم يهتموا كثيراً بتسليط الضوء على ما تطرحه موضوعاتها الروائية من مشكلات تبرز على نحو استثنائي لدى موريسون ومنها الانتحار وتدمير الذات كما تعبر عنها في روايات المحبوبة سنة 1988 وجاز سنة 1992 وسولا سنة 1973 والعينين الاشد زرقة سنة 1970 التي اعادت كتابتها في سنة 2000 حيث بطلتها بيكولا لا تتمنى شيئاً سوى تلاشي الذات «ارجوك يا ربي .. ارجوك ان تساعدني على ان اتلاشى» هذا الشيء الذي يشبه فكرة «ميشيل فوكو» عن التلاشي حين يتحدث عن الانسان الذي يدمغه التاريخ بختمه. في اثناء الاضرابات التي اجتاحت الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب الاهلية مباشرة يكتشف الاهالي احد المنازل المسكونة بالاشباح وفي تلك المرة يدمر شبح طفلة ماتت مقتولة في اعمال العنف هذه كل محتويات ملجأ للنساء الفارات من العبودية فيفاجئ البطلة شبح ابنتها التي ماتت قبل 20 عاماً وهو ما لا تجد له حلاً سوى المهادنة مع محبوبتها ورواية المحبوبة هي احدى اعمال موريسون التي حصلت على العديد من الجوائز واهمها جائزة بولتزر للادب النسوي العالمي والتي يرى النقاد انها بالفعل احدى المرات التي تسجل فيها اعمال موريسون انتصاراً حقيقياً في الساحة الادبية العالمية ففي هذه الرواية تتجلى موهبة المؤلفة المتعددة الاشكال وسيطرتها على ادواتها الروائية التي تستطيع بواسطتها التنقل بالقارئ الى الامام والى الخلف عبر رحلة زمنية مع بطلتها «سيث» المرأة الهاربة من العبودية هي وبناتها والتي لاتزال تحتفظ بذاكرة قوية تهزها بين الحين والاخر عندما تستعيد صورة طفلتها المقتولة. وهنا وكلما تنقل القارئ بين حياة سيث الماضية القاسية كعاملة في احدى المزارع وحياتها التي ينتابها التفكير في شبح ابنها في المرحلة اللاحقة لمرحلة الحرب الاهلية كلما تكشف له المزيد مما يريد ان يعرفه عن حياة هؤلاء العبيد. وفي اثناء تنقلها تشعرك موريسون بأنها لاتزال هناك تتحدث اليك بهدوء تاركة كل مشهد من المشاهد المرعبة الجميلة غير العادية ليعيش في خيالك بفضل عناصر كالتفاصيل التي تنقلها ببرود والمفردات الشديدة الثراء والحرص على تصوير جوانب المأساة الحقيقية التي تعرضت لها العديد من النساء السود من قبل مجتمعهن الصغير والكبير خلال سنة 1998 او في السنوات التي اعقبت حصولها على جائزة نوبل عادت موريسون الى الساحة الروائية بقوة بروايتها الشهيرة «الفردوس» العمل الذي يؤرخ للواقع الاجتماعي والتاريخي لاحد احياء ولاية «اوكلاهوما» التي يقطنها السود بمزارعها التي تعمل فيها هذه الشريحة الاجتماعية الفقيرة. وما يلفت انتباه موريسون اليها هو ان تلك المنطقة كانت تمثل معجزة حقيقية بفضل ما وهبها الله اياه من اعتماد سكانها على النفس وما الى ذلك من روح معنوية عالية. وباعتراف موريسون فإن عنوان الرواية «الفردوس» لم يكن هو الاسم الحقيقي لها وان العنوان الاصلي للرواية كان «الحرب» الاسم الذي تم تغييره من قبل الناشر لعدم دقته ربما لان العمل لم يتطرق الى ذكر الحرب بمفهومها التقليدي الذي نفهمه بما يشتمل عليه من جنود ومقاتلين ولكن ما ارادت موريسون التعبير عنه هو هذا النوع من العنف الذي من الممكن له ان يحدث كنتيجة للسعي الى تأسيس ما يسمى بالفردوس الارضي في نظر الذين يحلمون به ويسأثرون بهذا الحلم لانفسهم وكأنهم شعب الله المختار. ورواية الفردوس هي عمل روائي طموح من خلال تداعياته السياسية والروحية وشخصياته الاكثر تعقيدا وعلى الرغم من ان عنصرا كالزمن يبدو شديد الميوعة ضمن الحدود الروائية للعمل فاحداث الرواية تبدأ من سنة 1976 وتظل موريسون متنقلة بين الفواصل التاريخية لتأخذ القارئ مرة اخرى الى الوراء الى لحظة تأسيس حي «روبي» الاسود في ولاية اوكلاهوما ثم تعود به مرة اخرى الى مرحلة الحرب العالمية الثانية ثم تعود الى الخلف لتنقل القاريء الى لحظة زمنية اخرى هي مرحلة تأسيس «هافن» على انقاض حي روبي القديم حيث تتدفق افواج الفارين من العبيد سعيا الى تأسيس وطن في الاربعينيات، وعلى الرغم من ذلك يكتشف هؤلاء ان قضية تأسيس الوطن محفوفة بالاشكالية، اشكالية الضغائن الموروثة والامتيازات الاقتصادية والاختمارات والتراكمات السياسية التي تخترق وتعوق مسألة تكوين الهوية الامريكية الحقيقية للمكان في ظل احتكاره من قبل السود فقط. والواقع ان رواية الفردوس تؤرخ ايضا لحكايات العنف التي كان يرتكبها الرجال الامريكيون في حق النساء وتلك المفارقة الساخرة التي تجسدها صورة مدينة كلها من الامريكيين السود، اما احداثها فتبدأ بداية «فوكنرية» (وليام فوكنر) في سنة 1976 في حي ريفي حين يهاجم تسعة من الرجال ملجأ تقيم فيه النساء الهاربات من المعاملة القاسية لازواجهن او ماضيهن المؤلم هؤلاء النساء اللاتي يشكل وجودهن تهديدا حقيقيا للثقافة الذكورية السائدة، وعلى الرغم من ذلك فإن الرواية الحقيقية لا تكمن في النقطة التي تختارها موريسون لسرد قصة كل واحدة من اولئك النسوة بالتزامن مع تداعياته التاريخية الاجتماعية الخطيرة التي تواكب ظهور حي روبي الى الوجود فهذا بالنسبة للمؤلفة مما يبدو قابلا لان يستخدم على نحو مبسط او رمزي في النهاية ليقود الى الرواية الحقيقية لتاريخ الصراع العنصري الذي ظهرت بوادره الهامة بعد انتهاء الحرب الاهلية واخذت شكلا متدرجا وفي كل مرة تعود موريسون الى الربط بين تاريخ نسائها الفارات من الظلم الاجتماعي والنفسي والاحتجاج الذي يمارسنه ضد المجتمع وبين موضوعها الاساسي حركة تحرر العبيد الشاملة في الولايات المتحدة. الروائية والناقدة الامريكية توني موريسون تنتمي في أصولها الطبقية الى اسرة من الطبقة العاملة بولاية اوهايو التي هاجر اليها والداها العاملان في احدى المزارع في ولاية الباما وكانت موريسون قد بدأت بكتابة اعمالها الروائية بعد تخرجها في جامعة «هورد يونيفيرستي» في «واشنطن دي سي» وبعد التحاقها بالعمل في ادارة احدى الفرق المسرحية المتجولة اتيح لها اثناء رحلاتها المتعددة مع الفرقة الاطلاع عن كثب على اوضاع الكثيرين من سكان المناطق الجنوبية الفقيرة. وفي سنة 1957 عادت الى العمل في جامعة هورد في الفترة المتزامنة مع ظهور «حركة الحقوق المدنية» التي كانت احد اعضائها وبعد عملها لفترة محدودة كاستاذة في جامعتي هورد و«ييل» عملت محررة في مؤسسة «راندوم هاوس» للنشر واصدرت اول اعمالها الروائية «العينين الاشد زرقة في سنة 1970. وصدرت رواياتها الاخرى بالتتابع بين اعوام 1978 و 2000 (اعادة كتابة العينين الاشد زرقة) التي استحقت عليها جائزة نوبل في سنة 1993.