بيان الكتب: الدكتور بشير الوسلاتي الاستاذ بجامعة سوسة في تونس احد اهم الاصوات النقدية الحديثة في تونس الشقيقة، وله عدة كتب تبحث خصيصا في البنية السردية، وهذا الكتاب احدث ما صدر له في تخصصه واهتمامه بالنصوص السردية التونسية والعربية مؤكدا في بحثه على الاركان الهامة في فن القص، كالشخصيات، والزمان، والمكان، الرؤى والاحداث (ومقاربة الواقع والتفاعل معه ونقده، واستشراف المستقبل احيانا». يضم الكتاب خمس مقاربات نقدية هي: ـ من خصائص السرد في رواية الكرنك لنجيب محفوظ ـ ضياع المقام في سيدة المقام لواسيني الاعرج دراسة في المكان ـ من مظاهر التجديد في رواية فرج الحوار «المؤامرة» ـ قراءة في اقصوصة «الطابق الخامس» لسامي حمام ـ ثنائية الطنين والهدوء في اقصوصة «صباح هاديء» لابي بكر العيادي في المقاربة الاولى: ينطلق بنا الباحث في دراسته النقدية عن رواية الكرنك لنجيب محفوظ متنقلا من منطق السرد، وتحليل شخصيات المقهى الى بناء الزمان في الرواية مرورا بالمكان (لامناص من الاقرار بان المكان في رواية الكرنك يحتل موقعا هاما نظرا الى حضوره المطرد في مستوى الدال والى وظائفه المتنوعة في مستوى الدلالة)، ويتجلى هذا الحضور بدءًا بالعنوان الذي لم تكن الروايه لتوسم به، لولا محوريته في بناء السرد وفي تأطير الاحداث والاقرب الى الاحتمال ان نجيب محفوظ كان واعيا بهذه الرؤية، وقد تعود على ما يماثلها في رواية سابقة وبعد ان يقدم دراسته العميقة في المكان نجده يتنقل الى الزمان كوحدة اساسية في فن القص، ويجد ان زمن القص ربما يكون داخليا يتأسس عليها الخطاب القصصي ويرتبط بالبناء السردي مع الدلالات التي ينطق بها القص، على ان الكاتب يجد ان هناك زمنا آخر هو ما سماه «بالزمن الحضاري» وهو الزمن الذي كما يقول عنه الباحث الوسلاتي (يمعن في الماضي في قراءة تاريخيه للبطولات العربية السابقة، انه وجه من وجوه الزمن البديل المنشود وقد جاءت الاحالات التي تشير اليه صريحة متفاوتة الامعان في الماضي) في المقاربة الثانية: يسافر بنا الباحث لدراسة المكان في سيدة المقام لواسيني الاعرج فنجد معه عبر دواعي البحث عن المكان، تجليات المكان، فضاءات الوسط، اطراف المدينة، وجه الامكنة الآخر، ويقول الدكتور الوسلاتي عن سيدة المقام (اننا بازاء رواية لم تعجز عن تسمية الاشياء في الواقع تسمية مكشوفة خالية من المداراة والبحث عن اللفظة «المهذبة» التي لا تصدم القارئ ولا تخدش احساسه، وليس من شك في ان اللغة العنيفة انما تصدر عن رؤية للعالم هي بدورها على درجة من العنف والقوة ولانعني بالعنف دلالته السلبيه الهدامة، وانما هو العنف البناء الذي يعالج المسائل معالجة جذرية لا تأخذ بأنصاف الحلول ولا تخشى التصادم مع الرأي المختلف). في المقاربة الثالثة: في هذه المقاربة يبحث عن التجديد في الرواية العربية، ويجد في رواية المؤامرة نموذجا لهذا البحث، فينقلنا من نص التفويض، وبناء الرواية ومحاولة في التصنيف، وتداخل السرد، وتعدد المواضيع، ثم الوصف والاشياء وتعدد الرواة وتنوع الضمائر، وينتهي عند البطل ومفهومه، ويرى ان المؤامرة لطرح الحوار تتجاوز الرتابة والاجترار، وهي كما يرى نموذج مصغر للنص الروائي الحديث، ويتجاوز الجمود الى حركة ديناميكية غير مستقرة خارج نطاق الجمود الروائي ويرى فيها ايضا ( تعتبر رواية المؤامرة نموذجا من التعالق والتمازج بين الاتباع والابداع، فمن القديم ينبثق الجديد فينضاف هذا الى ذاك دون الغائه وازاحته، بل كلاهما يطمح الى اثراء رحيق الرواية وتوسيع دائرة اصنافها ولعل فرج الحوار قد استطاع بروايته هذه ان يدفع المسار الروائي خطوات لا يستهان بها، وان يسهم باجتهادات شكلانية لا يمكن التغافل عنها). ويجد الباحث ان الروائي فرج الحوار قد عالج عدة قضايا تتعلق بعلاقة المثقف بقضايا عصره، واختار شخصيات الرواية من بين مجموعة من المثقفين لتستطيع ان تحقق طرح مضامين معينة تتعلق بمؤامرة طرح الحوار (وللتعبير عن هذه المضامين تعبيرا فنيا اختار فرج الحوار ان يأخذ من الرواية التقليدية نمطا معهودا من الكتابة اضاف اليه قسطا وافرا من مستحدث الفن الروائي فبرزت هذه الاضافة في مستوى التعدد والتشابك واحياء المصطلح الجنسي الذي عهدنا حضوره في الخطاب النثري القديم). المقاربة الرابعة: هذه المقاربة يخصصها الباحث الدكتور بشير الوسلاتي لقصة سامي الحمامي الموسومة «الطابق الخامس» ويبدأ في دراستها وتحليلها ابتداء من بحثه عن مقاطع القص، ثم منطق الافعال، والشخصيات، فالمكان واخيرا اللغة المتشظية، والتي يجد ان اللغة المستعملة بشكل عام في القص تتعاطف مع السارد. وكذلك مع المكان، سواء كان في علاقته بالمدينة العصرية او القديمة كما يقسمها في تحليله وهو يقول عن لغة القاص (جاءت لغته لغة بسيطة فصيحة حتى في الحوار غير مشبعة بالدلالات البعيدة، ولا يذهب معجمها الاداري المتداول عمقاً في الرموز. لقد تمثلت خاصيتها الأولى المميزة في انها تنأى عن الخطاب الايديولوجي المباشر، وتجلت خاصيتها الثانية الاساسية في اسلوبها البرقي الذي يكتفي فيه بالنواة الاسنادية لا غير وبالجمل القصيرة شديدة الاقتضاب الخالية أو تكاد من ادوات الربط). ـ أما المقاربة «الأخيرة» الخامسة: فهي عن قصة «صباح هادئ» للقاص أبوبكر العيادي، وتحت عنوان ثنائية الطنين والهدوء، ومن هنا يبحر الباحث في البحث عن الدلالات من عنوان القصة، ومن ثم ينتقل الى مقاطفها، وأحدابها والعلاقات وأبعادها بين الشخصيات ولغة القص التي يجدها قائمة على التقابل بين نوعين، الأول يبنى على الصمت، والآخر يؤكد صخب اللغة. ويعتبر هذان الضدان في اللغة تناغماً بين السرد وحركته واللغة، أي بين الشكل والمضمون. ويقول «بالرغم من تميز هذه اللغة بكثافة الايحاء والتصوير والمجاز والاطناب في استعمال قاموس وجداني عاطفي، فإنها كانت في الوقت ذاته لغة الحدث والتشويق تنقل الوقائع من طور إلى آخر، ومن ثمة نقدر ان هذه الاقصوصة لم تكتب لمجرد التفنن اللفظي واتباع اتجاه في القص ينحصر في الفن من أجل الفن، وانما جاءت حاملة موقفاً محدداً يروم الكاتب ابلاغه ومعربة عن رؤية مخصوصة تعالج قضية شائكة من قضايا الهجرة أساساً وما يحف من نوازع انسانية). ان هذا الكتاب يقرب لنا بوضوح الصوت النقدي الجديد الذي ينبثق من مغربنا العربي والذي نادراً ما يطلع عليه القارئ في المشرق مما كرس حالة من الانقطاع واللاتواصل ولعلنا بالتأكيد على نقل اصوات المغرب الى المشرق وبالعكس انما نؤكد على تلاحم فكري وابداعي بين طرفي جسد واحد وروح واحدة. هي روح وجسد هذه الأمة التي ننتمي إليها. عبدالإله عبدالقادر