يردد المصريون مثلا شهيرا يقول: «الثالثة تابتة» فيما يعنى أن الثالث هو الختام لا مبررات لفشله أو ان التجربة الأولى تفتقد الوعى والثانية ينقصها التعقل أم الثالثة فيجب ان تكون مكتملة ناضجة وكذلك سارت حياة ليلى فوزي الزوجية. تزوجت عزيز عثمان (5 سنوات) واكتشفت عيوبه وكان الانفصال أمرا محتما ثم تزوجت أنور وجدي وغرقت معه في الحب ثمانية اشهر وجاءت النهاية مأساوية بوفاته أما الزيجة الثالثة فكانت مع اشهر مذيعي مصر والعالم العربى جلال معوض والتي استمرت (38 عاما) وتحتل ألبوما من الذكريات الجميلة في حياة ليلى فوزي. فى نهاية الخمسينيات بدأت علاقة ليلى فوزي بجلال معوض والذى كان اسمه وقتها يعنى الكثير فهو مذيع الثورة اللامع القريب من الزعيم جمال عبد الناصر وتقول ليلى فوزي عن بداية علاقتهما: كان جلال معوض يشرف وقتها على حفلات أضواء المدينة وهو البرنامج الذى كان يعده في الاذاعة. وكان يدفع بالفنانين وكبار النجوم في تقديم المطربين وكلمني هاتفيا وطلب مني أن اشترك في هذه الحفلات فاعتذرت له. وذلك لأنني لم اقف على خشبة المسرح في حياتى وكنت أخشى مواجهة الجمهور ثم عاد وألح عليّ اكثر من مرة فكان يواجهه اعتذارى الدائم. فطلب من عبد الحليم حافظ الذى كان صديقه المقرب وصديقي في الوقت نفسه بالتدخل ونجح عبد الحليم حافظ برقته وكلامه المعسول في اقناعي وقال لي: هذه حفلات مهمة للفنان ففيها كان يشارك في تقديم المطربين كبار النجوم أمثال يوسف وهبى ، ماجدة ، نادية لطفي ، سعاد حسنى. وفعلا شاركت بأول حفلة وقدمت المطرب الجديد وقتها محرم فؤاد وبعدها اشتركت في أكثر من حفلة منها حفلة سوريا وخلالها توطدت علاقتي بشكل جيد مع جلال معوض وبدأت تظهر مشاعر الاعجاب بيننا وتطورت علاقتنا لاكثر من الاعجاب حيث ازدادت لقاءاتنا في سهرات الفنانين.. وسرعان ما تحولت العلاقة لقصة حب متداولة في الوسط الفنى حتى قاربت الزواج وهنا تفجرت الزوابع والمشاكل التي وضعت الاثنين أمام اختيارين أما الانفصال ووأد هذه العلاقة الجميلة ، أو وضع الجميع أمام الأمر الواقع والتعجل بالزواج وتقول ليلى فوزي: كانت مرت على علاقتي الوطيدة بجلال معوض سنة خاصة بعد حفلة سورياوطلب يدي للزواج ولكن أهلي وخاصة والدي ووالدتي اعترضوا على هذه الفكرة من باب أنني تزوجت مرتين ولابد أن يكون التفكير في الثالثة بحسابات العقل لأنني لا يمكن أن انفصل بعدها وكان في رأيهم أيضا أن المستوى الاجتماعي لجلال معوض سيسبب لى الكثير من المشاكل ، ومن جهة أخرى كان جلال معوض مدير الاذاعة المصرية ورأى زملاؤه أن زواجه من فنانة قرار غير صائب ولا يليق به بسبب علاقته القوية بجمال عبد الناصر وعلى انه مذيع الثورة اضافة الى انه كان منفصلا وقتها عن زوجته نوال النحاس التي كانت تعمل مذيعة بالبرنامج الثاني والتي أنجب منها فتاة وكانوا يرون انه يمكن أن يعود اليها وخاصة أن نوال كانت تسعى لهذا بالفعل من خلال أصدقائه. وتضيف ليلى فوزي وكأنها تتذكر لحظات حاسمة في حياتها: كان الجميع يتحدث عنا وحول ما سنصل اليه من قرار وجلست أنا وجلال معوض وصارح كل منا الآخر بمشاعره وبما يردده الناس ومواقف المحيطين بنا. وأخذنا قرارا حاسما لا رجعة فيه بأن نتزوج الآن وبدون اخبار أحد أو الاستعانة بأحد في المشورة وفعلا ذهبنا للمأذون وأحضرنا اثنين من الشهود وتزوجنا بدون حتى أن اخبر والدي وبدون حتى أن يخبر هو زملاءه بالاذاعة الذين ضخموا الأمر وقالوا له: لابد أن تحصل على موافقة من الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا لاتمام هذا الزواج وبالطبع كان جلال معوض معتز بنفسه وكان يرى أن هذا القرار خاص به وليس من حق أحد أن يتدخل فيه وفى صباح اليوم الثاني استيقظ الجميع على خبر منشور بالصفحة الأولى عن زواجي وجلال معوض ومعها صورتنا وكانت هذه هى المرة الأولى والأخيرة التي يكتب خبر زواج فنى بالصفحة الأولى وذلك بسبب أهمية جلال معوض وشهرته فقد كان وقتها يعيش أزهى عصور مجده. وبالطبع الجميع اندهش وأسرتي غضبت جدا لأنني تزوجت بدون علمها. وكان نشر الخبر بهذا الشكل في صدر الصفحة الأولى من الأخبار يعنى مباركة السلطة لهذه الزيجة. وتؤكد ليلى فوزي أن قرار الزواج السريع هذا كان افضل قراراتها رغم التضحيات العديدة التي قدمتها مقابل هذا الزواج فيما بعد وتقول: أنا كنت مقتنعة جدا بجلال معوض وبمشاعره نحوي. وكنت أرى فيه نموذج الرجل الذى تحلم به أي انسانة. وتستطرد ليلى فوزي في الحديث عن جلال معوض وحياتها معه قائلة: بالطبع هذا الزواج شهد شائعات عديدة منها أننا تعرضنا لمشاكل من قبل جمال عبد الناصر وهذا بالطبع لم يحدث لأن «جمال» كان يحب جلال معوض لدرجة انه كان يقابله في أي وقت وأحيانا بالبيجاما واعتقد انه لو كان هناك اعتراض من جمال عبد الناصر أو الثورة على هذا الزواج كانوا رموني في السجن واستراحوا مني لكن هذا لم يحدث. واعتقد ان سر حب جمال عبد الناصر لجلال معوض هو أن جلال قبل الثورة كان ثورجي وشديد الوطنية وله مواقف عديدة لا تنسى فخلال الجامعة كان يترأس الطلبة الذين هاجموا سياسة الملك فاروق في الحكم ومواقفه من الاحتلال الانجليزي واتفاقات الاستقلال والقى صورة الملك فاروق وسط تجمع الطلبة على الأرض وداسها بأقدامه وكان نتيجة هذا أن تم حبسه وقتهاوعندما حبس جلال معوض وهو طالب كان معه في السجن أنور السادات ومن وقتها بدأت علاقتهما معا ثم جاءت بعدها علاقته بجمال عبد الناصر وبالثورة حتى صار مذيع الثورة. وتحاول ليلى فوزي التعمق في شخصية جلال معوض قائلة: هو كان انسانا مثقفا جدا ، وملما بكل شيء وأنا عرفت انه عندما كان طالبا بالثانوية العامة كما حكى لي أهله كان يشتري «الجرائد» ويقرؤها لهم بصوت عال كأنه يذيع لهم بيانا وهو كان لا يعرف وقتها ان هذه هى ستكون مهنته في المستقبل ومصدر نجاحه وشهرته. وعندما صار جلال معوض مذيعاً بالاذاعة كان مذيعا غير عادي لغته العربية سليمة وله نبرة صوت مؤثرة وكان من المذيعين الذين لا يكتبون ورقة قبل التسجيل أو البث كما كان أيضا لا يقرأ من ورقة أمامه وهو كان مذيعا غير عادى يعرف في كل شيء ودبلوماسيا وذكيا ولماحا فيأخذ الميكرفون ويتحدث كأنه جلس ليحفظ ما يقوله بالساعات ولكن كان هذا لا يحدث بالفعل فكنت أفاجأ به يستيقظ مبكرا ويتناول الافطار ويقرأ الجرائد ويستمع للموسيقى ثم يجري بعض اتصالات العمل ويخرج وبعدها بنصف ساعة أو ساعة استمع لصوته في الاذاعة وكنت ادهش جدا واسأله متى حفظت كل هذا الكلام ؟ ويقول: هذا لا يحتاج لحفظ يحتاج فقط لحضور وتركيز وهو كان يحب عمله ويقدسه لدرجة أنني كنت أغير عليه من عمله والى جانب هذا كان يتمتع بعلاقات عامة قوية جدا فكان كل شيء يحدث في الفن أو السياسة يعرفه بأدق التفاصيل وهذا كان يحقق لى انبهارا دائم به. وتضيف ليلى فوزي: لم يكن جلال معوض يحكي لي أبدا عن جمال عبد الناصر ولكنه كان يحبه جدا وكان مقتنعا بالثورة ومبادئها ومتحمسا ومتعصبا لها جدا ولا يتسع صدره لأي انسان ينتقد الثورة. وكان في رأيه أنها ثورة المصريين التي حققت لهم الاستقلال والعدالة وأعادت لهم الكرامة والعزة. وتصف ليلى فوزي جلال معوض بأنه كان زوجا غيورا وتقول: كان يغار عليّ من الهواء وبعد الزواج بفترة صارت غيرته شديدة عليّ فعندما كنت أعود من الاستديو متأخرة للمنزل أجده عصبيا ومتوترا ولم يكن يصرح لى بأسباب ذلك ولكني كامرأة كنت اشعر به واعرف انه يتضايق من عملي وهو يعرف أنني في التصوير اجلس مع الفنانين. والجميع يشير اليّ على أنني زوجته وبدأ يزداد توتره وعصبيته ووجدت نفسي بعد فترة أمام أحد قرارين اما الانفصال عنه لان هذه الغيرة قاتلة أو ترك عملى كممثلة وجلست طويلا مع نفسي وقلت لم يفعل ذلك ؟ وكان قراري انه لا يغير ولا يتعصب لأنني ناجحة ومشهورة كممثلة لأنه اكثر منى شهرة ونجاحا وانما هذا بسبب حبه الكبير لي. واستطعت أن أوفق حياتي بأن اخفف جدا من عملى وشعرت أن هذا حقه كزوج ورجل وكنت سعيدة جدا بهذا فمثلا بعد زواجي منه لم اظهر معه في حفلات «أضواء المدينة» لأنه كان يخاف على سمعته ولا يريد أن يتكلم أحد عن زوجته. ولا تزال جعبة ليلى فوزي مليئة بالحكايات والذكريات عن حياتها مع جلال معوض والتى وصلت لذروتها في عهد السادات والخلاف الشهير بين معوض وأنور السادات. حلقات يكتبها: محمد سليمان