الشعر وحده هو الذي خلّد هذا الشاعر الفذ.. نبوغه الفكري وملكته الشعرية جعلته في صدارة شعراء المنطقة بل لا يذكر الشعر فصيحه وعاميته الا مقترنا «بالعقيلي». رحل عن الدنيا عام 1954 دون أن يترك زوجة أو ولداً لكنه ترك شعراً من درر ونفائس الشعر الفصيح والعامي في منطقة الخليج. وتخليدا للذكرى قررت دائرة السياحة بدبي اقامة الملتقى الثاني للشعر الشعبي بالشندغة خلال مهرجان دبي للتسوق. يشارك في الأمسيات شعراء من الامارات والسعودية وسلطنة عمان والكويت والبحرين. ولد الشاعر مبارك بن حمد آل مانع العقيلي عام 1876 ميلادية في الهفوف احدى قرى الاحساء في وقت كانت تعاني فيه منطقة الخليج الكثير من الحروب والويلات، فمطامع الانجليز ونفوذ الاتراك للاستحواذ على الموارد والاملاك جعلت أهالي المنطقة في خوف واضطراب دائمين.. وتزداد المعاناة قتامة بالأوبئة المتفشية وندرة التعليم. ومما زاد الامر سوءا على العقيلي وفاة والده ولم يزل في المهد وهو ما افقده الكثير من رعاية واهتمام الاب والاحساس بهما. نسبه ويرجع نسب العقيلي الى آل مانع وهي أسرة من بني عقيل ويعود أصلها الى بني خالد.. وعنها يقول علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر ان قبيلة بني خالد من اشهر قبائل الجزيرة العربية، عدنانية الاصل، وكانت كغيرها من القبائل العربية تمازجت مع قبائل اخرى بطريقة الحلف والاحتماء بقوتها وكانت «بني خالد» تسيطر في القرنين التاسع والعاشر الهجريين وحتى منتصف القرن الثاني عشر تسيطر على نجد واقامت لها حكومة في الاحساء امتد نفوذها الى نجد. وفي اشعاره قال العقيلي عن نسبه: أبي حمد ذو المجد من آل مانع كرام الورى أهل العلا في المراتب أبي حمد الحامي الذمار اذا انثنى أخو لوثة عند التقاء الكتائب لنا في عقيل هامة الفخر وغرس الى قيس عيلان فأعلى المراتب وبعد وفاة والده اعتنت به أمه خير اعتناء وتولى تعليمه الشيخ ابراهيم بن محمد آل مبارك. برزت علامات نبوغه وفصاحته منذ الصبا وكان شديد الذكاء حتى في حضور كبار السن حيث كان يبهرهم بحدة ذكائه. واكسبته تلك المجالس الكثير من المعارف وعلوم الكبار وحكمة الشيوخ. نبغ العقيلي في حسن الخط الذي كان مثار الاعجاب والاندهاش لكل من يراه وكان يتفنن في الخط بيده اليمنى واليسرى بنفس الجودة والبراعة. كما كانت لديه ملكة حفظ الشعر الفصيح والعامي مما جعله ذلك في سن البلوغ يرتجل الشعر ويذكر انه ارتجل عام 1903 ميلادية قصيدة طويلة امام فيصل بن تركي في احد زياراته لسلطنة عمان.. وبعد ان انتهى منها وقع على الأرض مغشيا عليه لشدة شحذه الذهني وتم انعاشه وافاقته.. وكان مطلع القصيدة: تصوير معناك لم تدركه أفكار وفي قياس علاك العقل يحتار في دبي وصل العقيلي الى دبي عام 1897 فأكرمه الشيخ مكتوم بن حشر ووجد الشاعر في دبي كل الحفاوة والترحيب مما جعله يأنس الاقامة فيها.. ثم تعددت رحلاته بين مسقط والاحساء والبحرين.. وبعد وفاة الشيخ مكتوم بن حشر سنة 1906 تأثر العقيلي كثيرا ودفعه ذلك الى السفر الى البحرين لشدة حبه للشيخ مكتوم. وظل على تواصل مع أهله وأصدقائه في الاحساء وعمان حتى عاد مرة اخرى واستقر في دبي تحت ظل الشيخ بطي بن سهيل وكانت دبي منزله ومستقره وقراره الاخير ومقره الآمن. ... ولكن ناء القدر عليه مرة اخرى بوفاة الشيخ بطي بن سهيل عام 1912م وتأثر الشاعر بموته بعد مؤاخاة له استمرت 15 عاما.. وتولى حكم دبي بعد ذلك الشيخ سعيد بن مكتوم. وفي عام 1954 توفي مبارك العقيلي دون ان يترك زوجة أو ولدا لكنه ترك تراثا شعريا كبيرا لازال أهم ملامح الحركة الشعرية في المنطقة. وقد اورد الشاعر الكبير حمد بوشهاب في كتابه تراثنا من الشعر الشعبي أشعارا لمبارك العقيلي. شاعر الجمال يقول خالد بن سليم مدير عام دائرة السياحة بمناسبة تخليد ذكرى العقيلي ان الشعراء كثيرا ما يفاجئونا بوقائع لم تكن تخطر على البال وحين نتعمق في مجريات حياتهم ندرك لماذا يولد من تحت أجنحة معاناتهم كل هذا الجمال وذاك الجوى واذا كان الشعر متنفسا للناس عامة فانه روح الشعراء خاصة ولهذا يغرينا الفضول في تتبع اخبارهم والوقوف على خصوصياتهم غير المعلنة وغير المعروفة لا حتوائها على أسرار ابداعاتهم وتفردهم بخصائص مميزة ومتفردة. ويضيف.. نحن نمر بمئات الرجال كل يوم لكن لا نواجه سوى عدد محدود جدا من الشعراء الذين ينطبق عليهم هذا الوصف فتشعر بأن الحياة تفرز اناسا لهم وقعهم وقدرتهم على احداث التغيير في حياتك حاضرا وغابرا. عند الحديث عن الشعر يستدرجنا لان نقف عند تخوم واحد من رموز الشعر النبطي في منطقة الخليج واحد الروافد المهمة لدراسة هذا اللون من الشعر في المنطقة وما اتسمت به قصائده من بعد تاريخي وثقافي معرفي يجعلك على تماس مباشر مع الأحداث التي مر بها الشاعر بعيدا عن العصبية وحب الذات.. انه مبارك بن حمد العقيلي.