بورصة إسلامية شرعية. . الحلم الذي كان ومازال يراود رجال الاقتصاد في العالم الإسلامي، نظراً لأن تحقيق مثل هذا الأمر من شأنه إنشاء مستوى أفضل للمعاملات الاقتصادية وتوظيف الأموال بطرق شرعية وتحقيق الربح المرجو، ولم شمل الدول العربية والإسلامية، وذلك لما يجري في البورصة العالمية الآن من مغامرات وربا واحتكار وغرر وما إلى ذلك من أمور حرمها الشرع ونهى عنها.
يعرف د. أشرف محمد دوابة أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة الشارقة البورصة أو (سوق المال) بأنه المكان أو المؤسسات، التي يلتقي عندها البائعون والمشترون غير أن وحدة المكان ليست شرطاً أساسياً لقيام السوق. وعلى ذلك اختلف مفهوم السوق بالمعنى الاقتصادي عن المعنى التجاري، فكلمة سوق بالمعنى التجاري تعني المكان الذي تتجمع فيه السلع، ويتم فيه نقل الملكية بعد تمام البيع أو الشراء،
أما السوق بالمعنى الاقتصادي فلا يقصد به مكانا معينا، وإنما أسلوب إتمام عملية تجارية سواء كانت على نطاق محلي أو دولي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم تاجرا يرتاد الأسواق، يضارب بمال السيدة خديجة - رضي الله عنها - حتى استنكر المشركون عليه ذلك في قوله تعالى :«وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا»،
ورد الله تعالى عليهم بقوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا)، وقد عرف سوق المال لأول مرة من خلال الإيطاليين، الذين قاموا بتأسيس أول سوق مالي أطلق عليه البورصة. ويرى أن هناك نوعين من الأسواق سوق التداول أو السوق الثانوية ويتم التعامل فيها على أوراق مالية سبق إصدارها، ومن خلالها يستطيع المستثمرون والمدخرون التحول بسهولة من الأصول النقدية إلى الأصول الحقيقية والعكس،
إلى جانب سوق الإصدار أو السوق الأولية التي تسوق من خلالها الأوراق المالية لأول مرة، وتهدف هذه السوق إلى الجمع بين المدخرين والمستثمرين حتى يتم التبادل بين قطاع المال وقطاع المدخرين. ويضيف: تتمثل أهم مؤسسات سوق رأس المال في مجموعتين هما: المجموعة المصرفية وتشمل البنوك المتخصصة وبنوك الاستثمار وصناديق الاستثمار وأمناء الاكتتاب، ومجموعة غير مصرفية وتتمثل في سوق الأوراق المالية.
قوى العرض والطلب ويوضح د. محمد أن الإسلام اهتم اهتماما بالغا بالأسواق وبما يجرى فيها من تعاملات، فعندما أقام النبي -صلى الله عليه وسلم -دولته بالمدينة وجد سوق المدينة في بني قينقاع وكان اليهود وأصحاب السيطرة والنفوذ لما عرف عنهم من الأثرة والظلم، وأكل المال بالباطل، وتعاطي الربا، والاحتكار وغير ذلك، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم -إلا أن اختار موضعا آخر يناسب عمليات البيع والشراء وإجراء المبادلات والمعاملات بين الناس، وجعله فسيحا منظما، وقال «هذا سوقكم فلا ينتقصن ولايضربن عليه خراج»،
وبذلك وضع الإسلام للأسواق المالية من الموازين القسط ما يحقق لها الاستقرار والنماء من خلال ضوابط شرعية تتمثل في أن تكون هناك حرية للمنافسة، وذلك يظهر من خلال التقاء قوى العرض والطلب، لتحديد أسعار الأوراق المالية المتداولة بها،
كما حرص الإسلام حرصا بالغا على الإفصاح بين المتعاملين في الأسواق، فقد روي البخاري عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البيعان بالخيار مالم يتفرقا وفي رواية حتى يتفرقا - فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) وحرم أيضا القمار «الميسر»،
الذي يحدث عندما يتحول النشاط الرئيسي لسوق الأوراق إلى عمليات صورية يؤجل فيها كلا طرفي المعاوضة، وهي الثمن والسلعة سعيا وراء انتهاز الفرص الناشئة عن تغييرات الأسعار، فإن صحت توقعاتهم ربحوا وإن لم تصح انتكسوا.
وكذلك الربا وهو يظهر عن طريق الشراء بالاقتراض من المصارف وعادة ما يكون القرض نسبة من قيمة الأوراق المالية وهو ما يسمى بالشراء الهامشي أو الحدي، والنجش وهو مواطأة البائع ممن يزايد على السلعة غير قاصد الشراء، لدفع الغير لشرائها بثمن مرتفع، ويدخل فيه من يجد إنه اشترى السلعة بأكثر مما اشتراه ليضر غيره.
وقد حرم الإسلام أيضا الاحتكار، وهو يظهر في أسواق الأوراق المالية بما يسمى بعمليات الإحراج، والتي يسعى من خلالها المضاربون لجمع وحبس الصكوك ذات النوع الواحد في يد واحدة، ثم التحكم في السوق، والفرد وهو يطلق على البيوع التي تحتوي على جهالة وخداع، والتي لايوثق بتسليمها وتؤدي للغبن.
ويؤكد د. أشرف على حرص مجمع الفقه الإسلامي على بيان الحكم الشرعي في معاملات سوق الأوراق المالية من خلال فتواه، التي جاء فيها ما يلي بعد إطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة)، وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية
ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة لتقرر أن غاية السوق المالية البورصة هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعا وشراء، وأن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع، التي يجري فيها القبض، بينما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعا، هي عقود جائزة. .
العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، وأن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة بمختلف أنواعها غير جائزة شرعاً، لأنها معاملات تجرى بالربا المحرم وأن العقود الآجلة بأنواعها التي تجرى على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجرى في البورصة غير جائزة، ليست العقود الآجلة في البورصة من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية.
مؤشرات السوق وتقول د. نجاح عبدالعليم بجامعة الأزهر: إن للبورصة وظائف مهمة تلعب دورا بارزا في خدمة المتعاملين والوسطاء بهذه الأسواق، وكذلك في خدمة الاقتصاد القومي، فهي تقوم كمرشد للبائع أو المشتري بتمكينهم من الوقوف على حقيقة المراكز المالية للشركات،
وذلك من خلال مؤشرات السوق، كذلك تتيح فرصا استثمارية قصيرة الأجل، كما تشجع على الاستثمار متوسط وطويل الأجل نتيجة إمكانية التسييل دون خسائر رأسمالية، وكذلك تخدم الاقتصاد القومي من تعبئة المخدرات والتوزيع الكفء للأموال وتجنب الآثار التضخمية وإعطاء المؤشرات وتيسير عمل السياستين النقدية والمالية للدولة وتوسيع نطاق ملكية الأموال وجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلي الاستثمار المحلي.
ولجعل البورصة ذات كفاءة عالية ترى د. نجاح أنه لابد من كفاءة التسعير ووجود نظام معلوماتي يتيح المعلومات وتوفير وتطوير منتجات محكمة التصميم ووجود مؤسسات داعمة لتحقيق ضبط الأسواق. . وتيسير عملها ووجود الشفافية في المعاملات وحماية مصالح جميع المتعاملين. وأضافت: من أهم هذه المؤسسات المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية،
وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والمركز الدولي للتحكيم التجاري الإسلامي، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، والوكالة الدولية الإسلامية للتصنيف ومركز إدارة السيولة، والاتحاد العالمي للتكافل، وعن التحديات التي تواجه البورصة الإسلامية. وأوضحت ان هناك تحديات مهمة هي الحاجة إلى مزيد من التعاون بين المؤسسات المالية الإسلامية، والحاجة إلى إطلاق برنامج ونظم إدارة الجودة للمؤسسات،
والافتقاد إلى تشكيل كيان مصرفي قادر على المنافسة وتقليل تكلفة الخدمات، الحاجة إلى مزيد من المنتجات الإسلامية المبتكرة والمجازة شرعا وضرورة التركيز على جوانب ما بعد إصدار وتسويق المنتجات الإسلامية للتأكيد على استمراريتها، وضعف الروابط القانونية والفنية والتكنولوجية بين أسواق المال المحلية والأسواق العالمية، وضرورة زيادة السيولة وتصميم منتجات مالية جديدة، وإزالة العقبات التي تؤثر سلبيا على البنوك الإسلامية العالمية.
منتج فاعل وتؤكد د. حنان إبراهيم النجار، أستاذ التمويل بجامعة عمان العربية : أن مؤشرات سوق الأسهم الإسلامي هو منتج فاعل في الأسواق المالية العالمية يتزايد عليه طلب فئات متنوعة من المستثمرين الأفراد والمؤسسات، حيث إن عائلة مؤشرات داوجونز للسوق الإسلامي تعتبر هي الأولى من حيث المباداة والأكبر
من حيث العدد والتنوع والأوسع انتشارا في كل الأسواق المالية العالمية وتضيف أنه يتم بناء هذه المؤشرات من إطار مجتمع الأسهم، الذي تحقق فيه متطلبات الاستثمار وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، ويقوم بوضع معايير اختيار الأسهم المكونة لمؤشرات داوجونز لسوق الأسهم الإسلامي مجلس الإشراف التشريعي، الذي يتكون من أبرز علماء الشريعة من خمس دول إسلامية ومن الولايات المتحدة.
وتستطرد : إنه لايوجد اختلاف في بناء المؤشرات لسوق الأسهم الإسلامي من حيث القواعد الأساسية لبناء المؤشرات من حيث تمثيل العينة لمجتمع الأسهم واختيار أوزان تعبر عن مكونات الأسهم في العينة ويظهر الاختلاف في خصائص هذا السوق بما يتطلب تصميم أسلوب للاختيار غير العشوائي لتكوين عينة المؤشر الممثلة لهذه الخصائص،
ويحتمل أن يكون لآلية بناء مؤشرات سوق الأسهم الإسلامي أثر إيجابي من حيث تحقيق عائد أعلى للمستثمرين في هذه المؤشرات، كما يحتمل أن يكون للمعايير والحدود التي يضعها مجلس الإشراف التشريعي لاختيار الأسهم تأثير مضارب على المستثمرين تبعا لمدى اقتناعهم بسلامة هذه المعايير والحدود في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية.
القاهرة ـ «البيان»