رافق عاصي الرحباني في أيامه الأخيرة.. وواكب انطلاقة الرومي وتوفيق وعلامة نحو الشهرة

رحيل المايسترو اللبناني رفيق حبيقة مبدع الألحان الشعبية الخالدة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غيّب الموت أول من أمس في بيروت الفنان رفيق حبيقة، وبرحيله يفتقد لبنان أحد مبدعيه وأعلامه البارزين في حقل الفن والأغنية واللحن، وموسيقاراً ومؤلفاً على آلته الكمان. وأثناء تشييعه قلد الراحل باسم رئيس الجمهورية «وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذا السعف» تقديراً لعطاءاته الكبيرة.

قاد رفيق حبيقة فرقاً موسيقية كثيرة وتتلمذ على يديه موسيقيون كثر وكانت له مع الهواة عبر شاشة التلفزيون مسيرة طويلة قادتهم إلى مراتب النجاح، وظلت ملاحظاته لهم وتوجهاته محفورة في عقولهم لأنها عبدت لهم الطريق. كثيرون غنوا له، وكثيرون اغتنوا من فنه وعطائه وصاروا نجوماً في عالم الأغنية اللبنانية والعربية، وتخرجوا من بين أوتار كمانه المذهب في ذلك العصر الذي كان عصراً ذهبياً للأغنية اللبنانية.

لم يقد الرجل فرقة موسيقية كبيرة يذكرها الجيل السابق، إلا بثقافة موسيقية كبيرة، جديرة وعليمة بأسرار الآلات، وذاكرتها، ودائماً بإشراف سيمون أسمر الذي نقل «استديو الفن» في ما بعد من »تلفزيون لبنان« إلى »أل. بي. سي«. حيث قدم لنا رفيق حبيقة أصواتا لوليد توفيق وأحمد دوغان وراغب علامة وماجدة الرومي وكثيرين تخرجوا من تحت قوس كمانه الأرهف والأكثر حساسية.

لقد ابى رفيق حبيقة أن ينجرف إلى الموجات الفنية المنحدرة لأنه صاحب مدرسة أصالة ورقي، وإذا غاب عن الشاشات، تفرغ للرسم ليبدع مرة أخرى بعيداً عن الأضواء والأصوات فأودع نتاج رسمه محطة «تيلي ليميير» في متحف شاهد على فنه الرفيع وحسه المرهف، كما أعطى للمحطة نفسها ترانيم وألحانا عكست إيمانه العميق ووطنيته الأصيلة.

رفيق حبيقة الذي رافق عاصي الرحباني في آخر سنوات عمره، ودوّن «النوتات» التي ابتكرها وهو على فراش المرض يقول في إحدى مقابلاته الصحافية: عاصي هو الإبداع... أما ملهمته فهي السيدة فيروز، وأعتقد أنه من دونها لم يكن عاصي ليبدع كما فعل، لقد جمع عاصي الرحباني كل الصفات التي تخص الملحن العبقري، كان يملك المعرفة والخبرة والدقة في التنفيذ وبعد النظر، لقد كان يعرف مكامن الجمال الحقيقي ولا يستعمل غيره، وهو ظل في حالة بحث دائم عن الأفضل والأجمل ليبدع.

ويضيف حبيقة: لقد عايشت عاصي بعمق لمدة تراوحت بين 4-6 سنوات، وتعرفت على شخصيته الفريدة بعد إصابته في رأسه، حيث فقد النطق. إختارني عاصي، لأكتب مؤلفاته الموسيقية الأخيرة، وكان يطلب مني عزف المقطوعات التي دونتها، حسب فهمي لها، كنت أعيد العزف مرة واثنين وثلاثاً، ليقتنع أخيراً أنها هي الأجمل التي يريدها. وهنا تكمن عظمة عاصي، لأن حبه للعطاء دفعه للاستمرار والمثابرة في الإبداع الموسيقي واختيار الأفضل.

لقد تحدى الألم واستمر في الإبداع رغم فقدانه النطق والحركة والإحساس وكان يقول دائماً: الذي يقصد لا يموت. ميزته الأساسية العمل لفترات طويلة، حتى خلال فترات الراحة. لم تكن يده تتوقف عن تلمس النوتات الموسيقية (بأسلوب العزف على آلة الأوكارديون أو البيانو). وكان منصور الرحباني يسألني دائماً هل أنت من كتب هذه الألحان أم أنها من تأليف أخي عاصي؟.

ويتابع حبيقة قائلاً: اعتمد عاصي أسلوب السهل الممتنع باللغة الموسيقية من الألف إلى الياء، ولم تكن تتوه عنه فاصلة أو نقطة، فقد كان من الموسيقيين الذين قربوا الموسيقى الشرقية إلى الغرب كما قرب الموسيقى الغربية إلى الشرق. لقد عشق صوت فيروز، وأسس المدرسة الرحبانية بإحساسه المرهف وبملهمته التي أضفت بصوتها جمالات مميزة وجواً رقيقاً حالماً. لقد أبدع عاصي أجمل الألحان خلال مرضه.

Email