نجوم الكوميديا ركبوا الموجة وخلطوا الجد بالهزل لكسب المزيد من الضحكات

«أفلام المخدرات» دخان أزرق على صدور جمهور السينما

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هل عادت موضة «أفلام المخدرات» للسينما؟.. تساؤل يطرحه المتابعون لنشاط صناعة السينما وعشاقها من الجمهور بعد عرض فيلمي «الجزيرة» لأحمد السقا والمخرج شريف عرفة و«خارج على القانون» لكريم عبدالعزيز والمخرج أحمد جلال واللذان يتعرضان في أحداثهما إلى عالم السموم السوداء والبيضاء من خلال بطليهما اللذين تربطهما علاقات وثيقة برجال الشرطة ويتعاونان معهم قبل أن ينقلب الطرفان وتبدأ بينهما مواجهة حاسمة.

وبينما تتشابه النهايات في معظم الأفلام المصرية بالقبض على تجار المخدرات وتقديمهم للمحاكمة إلا أن نوعية هذه الأعمال تركت بصمتها وأثارت الكثير من ردود الفعل لدى نقاد السينما وجماهيرها، وخصوصا عندما اقتحمت الكوميديا هذا المجال في محاولة لخلط الجد بالهزل لكسب المزيد من الضحكات، على حساب قيم المجتمع بل الأسوأ أنها ومن خلال نجومها أدخلت مصطلحات ومفردات جديدة، عكست مناخا عشش في عقول ووجدان جيل من الشباب لا تزال هذه اللغة تتداول بينهم ويتم تطويرها بين حين وآخر. ومن الملاحظ أن ثورة 1952 غيرت من تفصيلة مهمة في الأفلام المصرية لم ينتبه لها الكثيرون حتى الآن، فمع تغير طبيعة المجتمع المصري نفسه من مجتمع إقطاعي أرستقراطي إلى مجتمع اشتراكي مكافح تغيرت طبيعة البطل في الأفلام، فالبطل الذي تهجره حبيبته قبل الثورة يذهب إلى أي «بار» ليشرب حتى يسكر، وهو المشهد التقليدي المعاد في السينما المصرية، أصبح بعد الثورة يذهب إلى أي «غرزة» ليتعاطى المخدرات، ويعيش في دنيا «المساطيل». وفي ثمانينات القرن الماضي تقريباً بدأ هذا المشهد يغزو السينما المصرية بشكل مكثف. ومع انتشار موجة الكوميديا حديثاً أصبحت المخدرات ضيفاً مفروضاً على الأسرة العربية في معظم الأفلام.

أسلوب خاص ... ولأن المخدرات ارتبطت في المرحلة الأخيرة غالباً بالكوميديا، فنجد في مقدمة الممثلين الكوميديين الذين استفادوا منها النجم عادل إمام الذي عاصر أفلام السكر والمخدرات واستطاع تطوير الكوميديا العربية بأسلوبه الخاص. حيث أطلق صرخته الشهيرة في منتصف الثمانينات «أنا شربت حشيش يا سعاد» من فيلم «كراكون في الشارع»، وهو أيضاً من تكلم عنها في فيلمه الأخير «مرجان أحمد مرجان» محاولاً إدخال مصطلحات جديدة للمخدرات منتشرة بين الشباب ك«الأكسيد» وغيرها، ناهيك بمشاهد جلسات التحشيش في «السفارة في العمارة» وأفلام أخرى. أما أكثر من اشتهر بأداء دور «الشاب المسطول» فهو محمد سعد بلا منازع، بعد النجاح الغريب الذي حققته شخصية «اللمبي» في فيلم الراحل علاء ولي الدين «الناظر صلاح الدين»، اكتشف صناع السينما تشوق الشباب إلى مشاهد المخدرات في الأفلام بعد تجاوبهم مع الشخصية بإدمانها و«غيببتها» الدائمة بطريقة مذهلة، ما دفعهم إلى إنتاج فيلم منفصل تحت عنوان «اللمبي» مجسداً جنوح الشخصية وجنونها، ساعد في نجاح الفيلم حضور الممثلة القديرة عبلة كامل، لكن صناع السينما لم يكتفوا وقرروا استثمار الشخصية في أفلام أخرى مثل «اللي بالي بالك» و«عوكل» و«بوحة» و«كركر».

كذلك وجد أحمد عيد في المخدرات طريقة وصول إلى البطولة المطلقة في فيلمه الأول «ليلة سقوط بغداد». في هذا الفيلم يتحول بقدرة قادر من «ضرّيب بانجو» إلى أعظم مخترع في مصر، رغم أن الثابت علمياً أن البانجو يتلف خلايا المخ غير القابلة للتجدد. وبعد نجاح فيلمه الأول استمر على منوال دمج المخدرات نفسه مع الكوميديا في فيلمه الأخير «أنا مش معاهم».

أما أحمد حلمي فبعد نيله البطولة المطلقة تخلى عن دور السنيد واختار الكوميديا. لم يكن قادراً هو الآخر على تجاهل المخدرات في أفلامه، خاصة في فيلم «ظرف طارق» المليء بمشاهد التحشيش والمواقف الكوميدية مع تاجر المخدرات.

ويتقرّب حلمي من كلب نور الشرس عن طريق إطعامه قطعة من الحشيش المفترض طبياً أنها تسبب له «تلبكا معويا» لا أن يتبعها أحمد حلمي بعبارة «صحيح الكيف بيذلّ» مستندا علي جملة فريد شوقي في فيلمه «سلطان» الذي يدور أيضا حول عالم المخدرات والأفيون. وفي فيلمه «جعلتني مجرماً» ظهرت المخدرات في بدايته قبيل عملية الاختطاف عندما رد على غادة عادل «لا أصلي دلوقتي مسطول... قصدي مشغول» بعد جلسة من التحشيش مع صديقه إدوارد.

خرجت المخدرات أيضا من نطاق الأفلام الكوميدية لتظهر في العديد من الأفلام الجادة المهمة مثل «دم الغزال» بطولة نور الشريف ومنى زكي وفيلم «أوقات فراغ» الذي يعتبر تجربة سينمائية متميزة تدور كلها في سحابة من الدخان الأزرق وضاعف من جمال التجربة انها من بطولة مجموعة الشباب يمثلون لأول مرة.

فيش الهوامش

كذلك لا نستطيع أن ننسى فيلم «العار» والذي يدور أساساً داخل عالم تجار المخدرات ويتضمن العديد من العبارات والمصطلحات غير المفهومة مثل «فيّش الهوامش» المنتشرة بين الشباب رغم غرابتها.

ولأن عملية الحصر للمشاهد التي ظهرت فيها المخدرات في الأفلام هي عملية شبه صعبة تقريباً من كثرة هذه المشاهد، يتبقى لدينا فيلم وحيد يشكل علامة فارقة في عالم المخدرات على الشاشة الكبيرة.. حيث أثار النجاح المذهل للفيلم آنذاك العديد من التساؤلات في مجالات كثيرة..

والغريب أن الفيلم مازال ناجحا حتى الآن وتجد كثيرا من الشباب يقبلون علية عند عرضه في قنوات التليفزيون، هو فيلم «الكيف» إنتاج سنة 1985، بطولة محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني وإخراج علي عبدالخالق. ويدور الفيلم حول أخوين متضادين في كل الأشياء.

أحدهما عالم كيميائي والثاني ضابط إيقاع (طبال)، وحين ييأس الأخ العاقل من إقبال أخيه على المخدرات وإدمانه لحياة اللهو يبدأ محاولة إقناعه أن «الكيف» ما هو إلا وهم يتعاطاه المدمنون، ويشرع لتنفيذ خطة عملية لإقناعه عن طريق صنع خلطة كيميائية على شكل الحشيش دون أن يكون لها أي مفعول.

ولكن المفارقة تحدث عندما تعجب الخلطة أحد كبار تجار المخدرات ويبدأ في تزويدها بمخدر «الماكس فورت» وتوزعيها في الأسواق ليشرب منها صانعها نفسه «ويعمل دماغ»، والفيلم ككل هو معركة بديعة بين عالمين يتصارعان، أحدهما مثالي أكثر مما ينبغي.. والآخر منغمسٌ في واقع مظلم أكثر مما يجب، نسج صراعهما ببراعة ودقة السيناريست محمود أبو زيد.

والفيلم يمتلئ عن آخره تقريبا بالصدمات للمتلقي.. بداية من الأسماء الغريبة لأبطاله مثل «مزجانجي» واسم تاجر المخدرات «الكرف» وأسامي كتاب الأغاني فيه «ستاموني» و«ننس» الذي قال له محمود عبد العزيز عبارته الشهيرة «إديني في الهايف، وأنا أحبك يا ننس» و«بحبك ياساتاموني مهما الناس لاموني»، بالإضافة إلى امتلاء الفيلم بالعديد من المقولات التي رددها الناس فترة طويلة..

والمنطق العقلاني الصادم لمحمود عبد العزيز للدفاع عن أسلوب حياته.. مع استخدامه للغة غريبة غير مفهومة على امتداد الفيلم لخلق واقع مواز لنوعية من الحياة في مصر تبدأ في التوسع والانتشار، مع استخدام الأغاني الصادمة في الفيلم كمعادل موضوعي لثقافة هذه النوعية من الحياة، التي تعتمد على المخدرات في محاولة منها لمواجهة هموم الواقع المعاش أو نسيانها.

دبي ـ أسامة عسل

Email