مسكين المقاول في كل يوم يتلقى «صفعة».. مرة من رسوم «العمل» ومرة من مصانع الاسمنت، وأخرى من تجار الحديد والخشب، وأسبوعيا من موزعي البترول، حتى أحمرت «وجنتاه» من كثرة وشدة الصفعات، وبات يترنح في خطاه لا يدري من أين ستأتيه الصفعة غدا.
ومنعا لسوء الفهم فأنا لا أترافع مدافعا عن المقاولين المنزعجين من سمعتهم «الطيبة» في الذاكرة الجمعية للمجتمع، لكني ألفت الانتباه إلى «اليتم» الذي يعانيه القطاع فلا مرجعية اتحادية تحميه ولا قوانين واضحة تنظمه، في حين تتعدد الجهات المانحة لتراخيصه! .
وحتى عندما تصدت السلطات المختصة لهذا الخلل قبل سنوات وأصدرت قراراً رفيع المستوى يؤسس لمجلس أعلى للبناء والتشييد ليملأ الفراغ التشريعي فينظم القطاع ويحميه، بقي القرار حبيس «الإجراءات» التي لا يدري أحد إلى أين وصلت.
فأصبح العزاء الوحيد لا يتعدى عزيمة الدكتور أحمد سيف بالحصا رئيس جمعية المقاولين الذي لا يكل ولا يمل من المطالبة بولادة ذلك المجلس شعورا منه بخطورة ترك هذه الصناعة بدون مرجعية تؤمن له مناخا صحيا لينجز مهامه الجسيمة بدون أن يخطئ من دون محاسبة، أو أن يخطئ أحد بحقه من دون ردعه.
لقد تحولت مشاكل القطاع المتوالدة بطريقة مثيرة إلى مادة دسمة لوسائل الإعلام المحلية إلى درجة أن صدور صحيفة ما بدون الحديث عن أزمة في الإنشاءات يعد خللا كبيرا..! بل إن البعض إذا ما شعر بالحرج لعدم امتلاكه فكرة ليكتب عنها فإنه سيجد ضالته في «فبركة» خبر عن أزمة في «الإنشاءات».
وعندها ينتهي كل شيء. وربما في أحيان كثيرة تقف «المصالح» لتحدد نوع الأزمة المطلوب خلقها حتى وان لم تكن موجودة أصلا كما يحصل الآن مع الحديد. فهذه الصناعة يتيمة لا وزارة لها لترد على الشائعات وليست مهيبة لتجعل البعض يخشى من عواقب تلفيق الإشاعات والأقاويل حولها.