لم تمض الأيام العاصفة والماطرة مؤخراً على مدن الإمارات من دون أن يتساءل الكثيرون حول الكيفية التي مكنت برج خليفة بارتفاعه الشاهق من مقاومة تلك الرياح والأمطار في اول اختبار عملي له.
كانت تلك الأسئلة تخرج من البعض وهم يمرون على بعض الشوارع التي أرهقها تساقط ألواح بعض المباني والعلامات الخاصة بمواقع البناء. «البيان» استقصت تلك الأجوبة من الذين شاركوا في تشييد البرج الأعلى في العالم، ومن خبراء في علوم البناء والتشييد وتناولت أمثلة لمباني وناطحات سحاب عالمية أخرى للوقوف على تمييز برج خليفة وتفوقه عليها جميعاً في موواجهة تحديات الطبيعة... واليكم التفاصيل: يمنح الهيكل الفولاذي للبرج الذي تولت اعماله شركة ايفرساندي الماليزية، مرونة عالية للبرج في مواجهة الرياح على ارتفاع 828 متراً فأعلى. وقد تدفع الرياح في أعلى سرعاتها بالبرج إلى أن يميل ب4 درجات. لكن تقنيات البناء التي استخدمتها سامسونغ كانت متطورة وتمنح الهيكل الفولاذي للبرج مرونة أعلى وتسمح له بالميلان لأكثر من 6 درجات (35 سنتمتراً) أفقياً وعمودياً.
وتقول سامسونغ بأن درجة الميلان تلك غير مؤثرة على الإطلاق ولن يشعر بها السكان لأنها إن حدثت فسوف تتم في الطبقات العليا المخصصة للخدمات، أي في الطوابق مابين 160 فأعلى وهي طوابق غير مأهولة بالسكان.
«البيان» استمعت لاراء 5 مختصين في ناطحات السحاب وكان أولهم المهندس روبرت بكيرنج المدير في شركة «هايدر» التي تولت اعمال الاستشارات الهندسية لمشروع برج خليفة.
والذي قال «بأن وزن برج خليفة الذي يصل إلى نصف مليون طن (من غير السكان) لن يكون عائقاً أمام تحمله هزات أرضية أو زلالزل ـ لا سمح الله ـ تصل قوتها إلى 7 درجات على مقياس ريختر، مع ان المنطقة لم تسجل في تاريخها درجة زلازلية بهذه الشدة.
وبحسب بكيرنج فإن البرج يتحمل أيضاً رياح عاتية تصل سرعتها إلى 200 كيلومتر بالساعة، ويعود الفضل في ذلك الى متانة هيكله الخرساني والفولاذي وقوتهما مقارنة بباقي ناطحات السحاب في العالم.
الريح
يروي بيل باكير وهو مهندس هياكل اس او ام التي صممت برج خليفة هذه القصة التي كانت حاضرة عند وضع تصميمات برج خليفة: في عام 1970 واجه المهندسون المعماريون الذين يعملون على بناء المقر الجديد لشركة سيرز في شيكاغوا، مشكلة ناطحة سحابهم، فبرج سيرز يتكون من 100 طابق.
وهذا ارتفاع سيعرض المبنى إلى قوة رياح عاتية .. بناء ناطحة السحاب هذه باستعمال هيكل العظمي الفولاذي التقليدي كان سيتسبب بمشاكل كبيرة. كلما زاد طول الهيكل الفولاذي كلما أصبح عرضة للانحناء أمام الرياح العاتية ..
الرياح التي تهب من بحيرة ميشيغان يمكن ان تضرب ناطحة السحاب برياح بسرعة 80 كم في الساعة وهذا يتسبب بتأرجح الطوابق العلوية وهو ما سيؤثر على العاملين داخل تلك الطوابق.
يقول ليسلي روبيرتسون ان فكرة المباني الطويلة هي ذات فكرة السفينة.. انها تسبب نوعا من دوار البحر.. بالتالي مع وجود مبان طويلة جدا من الضروري أن يقل عنصر التأرجح والميلان لكي لا يشعر الناس بالمرض.
المهندسون المعماريون في برج سيرز اخترعوا تقنية يمكن ان تتغلب على الرياح.. لقد حولوا الهيكل الفولاذي من داخل المبنى إلى خارجه وهذا يسمى بالهيكل الخارجي وهو ما يجعله صلبا في مواجهة الرياح ويصبح من الصعب أن يتأرجح هذا المبنى.
في برج سيرز، هناك 9 من هذه الهياكل والحلقات المغلقة على بعضها البعض تجعل من المبنى يقف صلبا جدا كصخرة قوية.
الهيكل الخارجي هو أفضل وسيلة اخترعت لمقاومة الرياح، حتى في سرعة رياح تبلغ 90 كم في الساعة، فان الطابق الأعلى في برج سيرز سيتحرك فقط لنحو 15 سم.
بالطبع فإن ارتفاع برج خليفة ضعف طول برج سيرز. وفي هذا الارتفاع الشاهق، فإن مقاومة الرياح بهيكل خارجي جامد ليس جيدا بما يكفي للحيلولة دون شعور المقيمين في الطوابق العلوية بدوار البحر هناك فان المهندسين المعماريين تحولوا إلى تقنيات الديناميكا الهوائية المتقدمة جدا.
يقول بيل باكير وهو مهندس هياكل اس او ام التي صممت البرج الأكثر أهمية في مبنى هو اسلوب تفاعله مع الرياح، لكن الذي فعلناه نحن بالدرجة الأساسية عندما صممنا المبنى كنا نقوم دوما باختباره في نفق هوائي. لان استعمال النفق الهوائي كان جزءا من عملية التصميم.
بسرعتها العالية يمكن للرياح أن تكون خطيرة جدا على ناطحة السحاب. الهواء يندفع حول المبنى ويشكل نماذج مصغرة من الأعاصير الدوامة .. وهذه مناطق ذات ضغط منخفض تمتص وتجذب المبنى إلى الجوانب وكلما كان المبنى أطول فان تلك الدوامات تصبح أخطر.
هذه القوى الكبيرة في الواقع هي بعكس زاوية اتجاه الريح، ولو قدر مثلا أن يسقط مبنى شاهق بسبب الرياح العاتية فعلى الأرجح أنه سيسقط بزاوية جانبية وليس بزاوية اتجاه الريح.
في برج خليفة وبدل مقاتلة رياح تصل سرعتها إلى 200 كلم/ساعة، فان بيل وفريق التصميم قرروا أن يخدعوا الرياح.لم يكن البرج مسطحا ومستطيلا لكنهم أعطوا لبرج خليفة تصميما غير متوقع. كل قسم في البرج مصمم ليحرف الرياح بصورة مختلفة، وهذا يضعف قوة الدوامات ويكسر قوة العاصفة الهوائية.
عندما صممنا المبنى، كنا في الحقيقة نصمم الريح وكيفية هبوب الرياح وحركتها حول المبنى وهذا أحدث اختلافا هائلا، ولم نكن لنصل إلى هذا الارتفاع لو لم نفعل هذا.
مع التغلب على عناصر التحرك والتنقل والجاذبية والحرارة والرياح، تواجه ناطحة السحاب التحدي الأبرز الجديد.
مقاومة الزلازل
في عام 1999 واجه المهندسون المعماريون الذين يبنون اطول ناطحة سحاب في العالم تايبيه 101 في تايوان واجهوا مشكلة. تايبيه تقع قرب حلقة النار في المحيط الهندي وهذه أكثر المناطق النشطة زلزاليا في العالم. وهناك زلزال يضرب المدينة مرتين في السنة تقريبا. السؤال ليس هل سيحصل زلزال؟ لكن السؤال متى سيضرب الزلزال ويهز تايبيه 101.
يقول الدكتور آدم كريو وهو مهندس بمعهد تشارترد الاداري الزلازل هي في الواقع قوية حقا
بالمقارنة مع الرياح، على سبيل المثال حمل الرياح القوي نادرا ما يكسر مبنى كبير. لكن لزلزال فان من السهولة تحطيم مبنى.
من أجل الصمود أمام الهزات السريعة والقوية، فإن برج تايبيه 101 احتاج لكثير من المرونة والحيوية.. بالتالي فقد جعل المهندسون المبنى صلبا وجامدا حيث ينبغي وجعلوه أيضا مرنا حيث يجب.
في قلب مشروع تايبيه 101، وضعوا ستة وثلاثين من كتل وتشكيلات الصلب القوية المعبأة بالخرسانة. فهذه تعطي المبنى القوى والصلابة اللازمة. بينما أن الأعمدة تقف ثابتة أثناء الزلزال فإن بقية أجزاء المبنى مرنة، ويمكنها أن تتحرك وتتأرجح مع الهزات.
في منتصف العملية الإنشائية، فإن الطبيعة الأم اختبرت هذا التصميم إلى الحد الأقصى. في يوم 31 مارس 2002 ضرب زلزال مبنى تايبيه 101.
هذه الهزة حطمت المباني الصغيرة لكن تايبيه 101 بقي قائما. مهندسو تايبيه 101 قالوا إنه خلال الهزة فإن مشروعهم كان الأكثر أمانا في المدينة.
يمكن لبرج خليفة أن يقاوم زلازل تصل قوتها لسبع درجات على مقياس ريختر لأن لديه هيكلا خرسانيا مقوى ومهولا. لكن المهندسين هنا يواجهون مشكلة مختلفة هنا، فتشييد مبنى عملاق بهذا الطول على رمال الصحراء يتطلب تدابير خاصة.
يقول توني كيفير مهندس جيو- تقني: في حالة برج خليفة .. الصخور ضحلة وضعيفة جدا كما أنها قابلة للكسر .. لذا لا يمكن أن تحمل الكثير من الوزن بالتالي ذهب المشروع 70 مترا عمقا في الصخور للوصول إلى صخور كافية لدعم هذا الهيكل.
الصخور تحت برج خليفة هشة ومشبعة بالمياه الجوفية، وأي فجوة كبيرة ستتغلغل في تلك الحفر مباشرة. لمنع حصول هذا، فان المهندسين عبأوا ثقوب الحفر بطين فسكوزي البوليمر التي تدفع المياه الجوفية وشظايا الصخور إلى حافة ثقب الحفر لإبقائها مفتوحة.
قبل نحو 130 عاما تمكنت ناطحات السحاب من الانتصار على كل قوى الطبيعة باستعمال قوة الإبداع البشري. لكن مع ارتفاع المباني أعلى وأعلى في السماء، أصبحت أكثر عرضة للخطر.
الآن قفزة تكنولوجية للأمام حققتها دبي لتبقي سكان أكبر ناطحة سحاب في العالم بأمان.
تحقيق ـ مشرق علي حيدر