أصدر مركز ذا كونفرنس بورد الخليج للبحوث الاقتصادية والتجارية، دراسة شاملة تتعلق بموضوع توطين الوظائف في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو موضوع استأثر، على مدى العقود الأربعة الأخيرة، باهتمام صناع القرار في دول المنطقة، وكذلك الباحثين الأكاديميين والمحللين، وكتاب الرأي، على المستويين الإقليمي والدولي. وكانت بعض سياسات التوطين التي تبنتها دول مجلس التعاون، قد حققت نتائج إيجابية واضحة، بينما تعثر بعضها الآخر.
وقد أصبحت معالجة قضية توطين الوظائف في دول المنطقة، أكثر أهمية، وأشد إلحاحاً، بسبب الضغوط والتداعيات التي تعرضت لها أسواق العمل عامة، والبلدان الخليجية خاصة، نتيجة لتفشي وباء كوفيد 19، وتراجع دخل دول مجلس التعاون، المعتمد في معظمه على صادرات النفط والغاز.
أعد الدراسة عباس المجرن، أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت، والدكتور عبد العزيز إيرومبان، زميل أول للأبحاث في مركز ذا كونفرنس بورد، المحاضر في جامعة غروننجين بهولندا، إضافة إلى عدد من الباحثين المساعدين.
وركزت الدراسة على كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من سياسات التوطين في الدول الخليجية، وتضمنت قياساً كمياً لأثر سياسات توطين الوظائف على الإنتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى تقدير مرونة الإحلال بين المهاجرين والمواطنين.
وبيّن الباحثان الرئيسان، أن تدفق الثروة النفطية في النصف الثاني من القرن الماضي، أدى إلى خلق فرص جديدة للعمل، تهافت عليها الملايين من العمالة الوافدة إلى دول الخليج.
ومع النمو الكبير في عدد السكان، والتقلبات الشديدة في عائدات النفط، تقلصت قدرة الحكومات الخليجية على خلق فرص عمل كافية لمواطنيها. وفي حين بدأت البحث عن حلول لهذه المشكلة، مثل سن سياسات تهدف إلى توطين الوظائف، لم يكن تنفيذ هذه السياسات سهلاً، بسبب عدم تطابق الوظائف التي يشغلها الوافدون مع مهارات وتطلعات المواطنين.
وسعت الحكومات الخليجية لبحث ومناقشة كافة المسائل المتعلقة بعملية توطين الوظائف في المنطقة بشكل مكثف، واتبعت أكثر من نهج مختلف في هذا الشأن، حقق بعضها نتائج إيجابية ملحوظة، بينما تعثر بعضها الآخر.
وتهدف هذه الدراسة إلى فهم ديناميكيات العلاقة بين التوظف والإنتاجية في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، ومراجعة سياسات وبرامج توطين الوظائف المختلفة في المنطقة، في محاولة لاستكشاف أثر هذه السياسات على مصادر النمو الاقتصادي، إلى جانب دراسة توجهات سوق العمل - مثل التوظيف، والتغيرات في التركيبة السكانية، وما إلى ذلك.
كما تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف ما إذا كانت سياسات توطين الوظائف، وما يترتب عليها من خلق فرص عمل، قد أدت إلى انخفاض في مصادر النمو المستدامة وطويلة الأجل، بما في ذلك الإنتاجية، وتحلل الاختلافات في الإنتاجية بين العمالة الوطنية والعمالة الوافدة، حيث إن فهم هذه الاختلافات سوف يلعب دوراً مهماً في تحديد أفضل سياسات التوطين قدرة على تعزيز وضمان فرص النمو الاقتصادي في المنطقة.
وتوصلت الدراسة إلى أدلة تجريبية، أكدت أن دول المنطقة تقايض فرص التوظف بالإنتاجية، بمعدل يزيد على المتوسط العالمي، كما يزيد على متوسط البلدان المتقدمة والناشئة.
وتشير الدراسة إلى الحاجة الماسة إلى خطط حقيقية لتطوير نظم التعليم والتدريب وبناء المهارات، وتنويع الأنشطة الاقتصادية في القطاعات التي تتميز بقدرتها على استيعاب العمالة الوطنية الأكثر مهارة، مقابل أجور أعلى نسبياً.
وأوصت الدراسة، التي تتكون من 3 فصول، صناع القرار في دول المنطقة، بدعم وتطوير قطاعات اقتصادية جاذبة للعمالة الوطنية، واستبدال أنظمة حصص العمالة الحالية، بحصص تأهيل وتدريب للمواطنين، وإعادة هيكلة التعليم، في ضوء متطلبات سوق العمل، وتعميق استخدام التكنولوجيا، بما يقلل من الحاجة إلى العمالة غير الماهرة، في مقابل زيادة الطلب على العمالة الماهرة والمتعلمة، وإشراك مجتمع الأعمال، والمؤسسات الأكاديمية، في رسم سياسات توطين الوظائف، ووقف تضخم القطاع العام، وإعادة التوازن للأجور بين القطاعين العام والخاص.