تباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول مصير أسعار الفائدة الذي يقره البنك المركزي المصري في اجتماعه الخميس المقبل، فرأى البعض احتمالية إبقاء المركزي المصري على الفائدة كما هي، في حين رأى البعض الآخر حتمية رفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل.

وتوقعت 6 بنوك استثمارية من أصل 10 استطلعت "الشرق بلومبرغ" آراءها أن يتجه البنك المركزي المصري خلال اجتماعه الأول لعام 2024 الخميس المقبل، إلى رفع أسعار الفائدة بما يتراوح بين 200 و300 نقطة أساس لكبح جماح التضخم.

البنك المركزي كان رفع سعر الفائدة بمقدار 11 نقطة مئوية على مدى 6 مرات خلال آخر عامين، منها 8 نقاط مئوية على 4 مرات في 2022، قبل أن يرفعها 3 نقاط مئوية على مرتين في 2023، ليصل مستواها حالياً لدى "المركزي المصري" إلى 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض، وذلك بهدف مواجهة الضغوط التضخمية.

6 مقابل 4

ستة بنوك استثمارية توقعت في استطلاع "الشرق" أن يرفع "المركزي" أسعار الفائدة، فيما توقعت "إي إف جي القابضة"، و"إتش سي" و"الأهلي فاروس" و"العربي الأفريقي" الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.

بنوك الاستثمار التي شاركت في الاستطلاع هي: "إي إف جي القابضة"، و"إتش سي"، و"سي.آي كابيتال"، و"زيلا كابيتال"، و"نعيم المالية"، و"بلتون"، و"ثاندر"، و"الأهلي فاروس"، و"كايرو كابيتال"، و"العربي الأفريقي لتداول الأوراق المالية".

تبلغ أسعار الفائدة حالياً 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض، بينما يبلغ سعر الفائدة الحقيقي في مصر -أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم- سالب 14.45% وفق أحدث البيانات المصرفية.

زيادة الأسعار

أحمد حافظ رئيس قطاع البحوث لدى شركة "بلتون المالية القابضة"، توقع أن تقرّ لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي زيادة أسعار الفائدة بنحو 200 نقطة أساس لمواجهة الضغوط التضخمية، بعد زيادة أسعار بعض السلع والخدمات مؤخراً، مثل الكهرباء والنقل وخدمات الهاتف المحمول والإنترنت.

بدأ المسؤولون المصريون السنة الجديدة بزيادة أسعار عدد من الخدمات الرئيسية فرضت ضغوطاً إضافية على المستهلكين، وذلك في إطار سعي الحكومة إلى زيادة إيراداتها وتعظيم فرصة رفع قيمة حزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي.

ارتفعت أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي بنسب تراوحت بين 16% و26%، وفقاً لشرائح الاستهلاك، بحسب جهاز تنظيم مرفق الكهرباء. وقد رُفعت أسعار الكهرباء أيضاً على القطاع الصناعي بنسبة 20% تقريباً.
أسعار تذاكر المترو والسكة الحديد سوف ترتفع هي الأخرى، فيما ترفع الشركة "المصرية للاتصالات" التي تديرها الدولة أسعار باقات الإنترنت بنسبة تتجاوز 30%.

وتأتي الزيادات بعد أقل من شهر على إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها عبد الفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، كاشفاً عن استعداد السلطات حالياً لتحمل بعض ردود الأفعال وهي تتقدم في تنفيذ إجراءات سوف تتسبب في المزيد من الضغوط المؤلمة على المستهلكين.

حافظ يرى أن "الأحداث المتسارعة في البحر الأحمر سيكون لها تأثير سلبي أيضاً على إيرادات قناة السويس، مما قد يزيد من الضغوط على الاقتصاد".

تعيش مصر أزمة اقتصادية صعبة، تفاقمها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح شديد في السيولة الدولارية لديها بسبب تراجع تحويلات العاملين في الخارج، وإيرادات السياحة، وقناة السويس، والصادرات. ويبلغ سعر الصرف الرسمي 30.9 جنيه للدولار في البنوك، بينما تجاوز السعر في السوق السوداء مستوى 60 جنيهاً.

لماذا التثبيت؟

"حتى الآن وفي ظل تراجع مستويات التضخم، يُرجّح الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيي في اجتماع المركزي المقبل. لكن في حالة توصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد يعني ذلك رفع أسعار الفائدة بين 200 و300 نقطة أساس"، على حد قول محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في "إي اف جي القابضة".

وسجل المعدل السنوي للتضخم رقماً قياسياً خلال العام الماضي قبل أن يتباطأ في شهر ديسمبر الماضي ليسجل 33.7% على مستوى المدن، ولكن لا يزال بعيداً عن مستهدفات البنك المركزي عند 7%، بزيادة 2% خلال الربع الأخير من 2024.

ويزور فريق من صندوق النقد الدولي مصر منذ أسبوعين لمناقشة المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج الإصلاحات الذي يدعمه الصندوق في مصر، من خلال "تسهيل الصندوق الممدد" البالغة قيمته 3 مليارات دولار.
فريق من "النقد الدولي" 

إسراء أحمد، محللة الاقتصاد الكلي في شركة "الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية"، ترى بدورها أن "أي رفع لسعر الفائدة بالبنك المركزي مستقبلاً، مرهون بتحريك سعر الصرف في المقام الأول، وقد يفضل المركزي التثبيت حتى إشعار آخر مرتبط بسعر الصرف".

لكن عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر لتداول الأوراق المالية|، توقع أن يلجأ البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس، بعدما قام أكبر بنكين في مصر برفع الفائدة على شهادات الادخار إلى 27%، وبعد زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات مطلع العام، إلى جانب الاضطرابات الجيوسياسية وأزمة البحر الأحمر، وتأثيرها الأكبر على زيادة التكاليف التأمينية للبضائع العابرة.

اتجاه للإبقاء

وعلى جانب آخر أظهر استطلاع للرأي أجرته CNBC عربية أن البنك المركزي المصري سيتجه للإبقاء على معدلات الفائدة الحالية دون تغيير في أول اجتماع له خلال العام الجاري وذلك على الرغم من استمرار الأزمات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية التي تواجه البلاد وفي مقدمتها الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف في السوقين الرسمية والموازية وسط استمرار أزمة نقص النقد الأجنبي.

وبحسب الاستطلاع الذي شمل آراء 10 من المحللين في شركات كبرى وبنوك استثمار تعمل في السوق المصرية، يرى 60% أن لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي ستواصل تثبيت معدلات الفائدة للمرة الرابعة على التوالي.

وكان البنك المركزي المصري رفع معدل الفائدة 300 نقطة أساس خلال 2023 ليستقر عند 19.25% للإيداع و 20.25% للإقراض.

وتستند توقعات تثبيت الفائدة إلى عدة عوامل على رأسها الأعباء التي تشكلها زيادة الفائدة على خدمة الدين العام في مصر وارتفاع عجز الموازنة، إذ يؤدي رفع الفائدة بواقع 1% إلى زيادة أعباء خدمة الدين بنحو 30 مليار جنيه، وفقاً للتصريحات الرسمية.

كما يرى المؤيدون لتثبيت الفائدة أن ذلك سيسهم في تحقيق قدر من الاستقرار لبيئة الأعمال و الاستثمار في مصر، إذ سيؤدي رفع الفائدة إلى انكماش أداء القطاع الخاص الذي لا يزال متأثراً بتداعيات زيادة معدلات الفائدة بنحو 11% منذ مارس 2022.

وبحسب الرئيس التنفيذي لاستثمارات الدخل الثابت في NI كابيتال محمد الشربيني فإن المركزي المصري سيتجه نحو تثبيت معدلات الفائدة حتى لا يثقل كاهل الشركات بمزيد من أعباء الاقتراض، مشيراً إلى أن طرح البنوك لشهادات ادخار بعوائد تصل إلى 27% أسهم في سحب قدر من السيولة التي قد تتسبب في زيادة معدل التضخم.

على الجانب الأخر يرى 40% ممن شملهم الاستطلاع أن البنك المركزي المصري سيتجه نحو رفع معدلات الفائدة بنسبة تتراوح بين 100 إلى 300 نقطة أساس خلال اجتماعه مطلع فبراير المقبل، في محاولة لتقليل الفجوة بين معدلات الفائدة الحقيقية ونسب التضخم التي لاتزال مرتفعة رغم تراجعها إلى 33.7% في ديسمبر كانون الأول الماضي من 34.6% في نوفمبر. 

ويقول كبير استراتيجي الأسواق في أوربكس عاصم منصور إن البنك المركزي سيرفع الفائدة نتيجة للزيادة المتوقعة في معدلات التضخم خلال الأشهر القادمة على وقع الزيادات السعرية التي أقرتها مصر على بعض الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء، مؤكداً أن ثبات معدل الفائدة سيؤدي إلى بقائها في النطاق السلبي مقارنة بالتضخم. 

وعن ذروة الرفع لمعدل الفائدة يتوقع 40%ممن شملهم الاستطلاع أن تصل معدلات الفائدة في السوق المصرية إلى ذروتها خلال النصف الأول من العام الحالي فيما يرى 60% أن النصف الثاني من العام سيشهد أعلى معدل للفائدة على الإطلاق. 

ويتوقع نصف المشاركين في الاستطلاع أن تتراوح قيمة الزيادة لمعدل الفائدة خلال 2024 بين 1% إلى 4%، بينما يرى 30% أن تصل القيمة الكلية لرفع الفائدة بين 4% إلى 7%، و توقع الباقون أن تسجل الفائدة زيادة كبيرة خلال العام الحالي تتجاوز 7%.

اقرأ أيضاً:

توقعات بإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير في مصر