الوكالات تتذرع بعقود طويلة الأمد مع الشركات المصنعة

ارتفاع الدولار يؤرق عملاء السيارات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، ارتفاعاً لافتاً في قيمة الدولار أمام سلة العملات الرئيسة الأخرى (اليورو والاسترليني والين)، الأمر الذي نتج عنه تغييرات في أسعار السلع عامة، وفي أسعار السيارات على وجه الخصوص، حيث لوحظ ارتفاع كبير في أسعار المركبات.

وهناك رأيان متباينان في أسباب وتداعيات هذا الأمر، الأول: يرى أصحابه أن ارتفاع قيمة الدولار أدى إلى ارتفاع تكلفة المواد التي تدخل في صناعة السيارات، التي كانت محصلتها النهائية ارتفاعاً بنسبة 7% في أسعار المركبات، فيما يرى أصحاب الرأي الآخر أن هذا الارتفاع في أسعار المواد التي تدخل في صناعة المركبات ليس بالمبرر الكافي لارتفاع أسعار المركبات، وأن هناك مسؤولية تقع على عاتق الوكلاء والموردين بسبب تذرعهم بوجود عقود طويلة الأمد مع الشركات المصنعة، وأن هناك فسحة من التحرك من قبل الوكلاء لوضع حد لهذا الارتفاع في الأسعار، مطالبين بأمرين: أولهما: وضع رقابة من قبل الهيئات الحكومية، والثاني: قيام الوكلاء أنفسهم بوضع هامش ربح أقل حفاظاً على مستوى الأسعار وللحفاظ على عملائهم.

وبين هذين الرأيين استطلعت «البيان» آراء خبراء ماليين، وكذلك خبراء ومديرين عاملين في قطاع السيارات، لاستشراف أفق القطاع في ظل أزمة ارتفاع قيمة الدولار، في الوقت الذي رفضت فيه وكالتان كبيرتان التعليق على الأمر؛ نظراً لاستحواذهما على نسبة تفوق 40 % من مبيعات السوق المحلي. وقبل الدخول في آراء الخبراء، يجب ملاحظة مسار العملة الأمريكية منذ بداية 2022، حيث سجل الين الياباني في أحدث تداول له 151.49 مقابل الدولار بعد بلوغ أدنى مستوى في 32 عاماً وتحديداً منذ أغسطس 1990 عندما بلغ 160. وتراجع الين بنحو 31.5 % منذ بداية العام الحالي.

أما اليورو فقد تراجع 14.3% منذ بداية العام الجاري إلى 0.97725 دولار. ومقتفياً أثر اليورو، تراجع الجنيه الاسترليني ‎أمام الدولار منذ بداية العام 17.8% إلى 1.1215 دولار. كل ذلك يبين أن التراجعات سوف تلقي بظلالها بشكل مباشر على الأسواق الرئيسة المصدرة في آسيا وأوروبا، وسوف تؤثر على حجم المبيعات وعلى الأسعار.

نقص المعروض

ذكر «مركز أبحاث السيارات» الألماني في دراسة، أنه يتعين على الراغبين في شراء سيارات جديدة حول العالم، إعداد أنفسهم لنقص المعروض وارتفاع الأسعار بشكل حاد. وأضاف إنه من المتوقع بيع 67.7 مليون سيارة جديدة فقط في جميع أنحاء العالم خلال 2022، وسيكون ذلك أقل بنحو مليون سيارة، مقارنة بعام «كورونا» الأول (2020) وأدنى قيمة منذ 2011، مرجعاً السبب الرئيس للركود إلى مشكلات كبيرة في الإنتاج نتيجة نقص المواد التي تدخل في صناعة السيارات والمشكلات في سلاسل التوريد.

وأوضحت الدراسة أن الشركات المصنعة ستحاول استرداد التكاليف الإضافية لمصانعها غير المستغلة من خلال زيادة الأسعار، موضحاً أنه مع نقص العرض أصبح للشركات مطلق الحرية في زيادة الأسعار.

ملاذ آمن

وقال الخبير الاقتصادي وضاح الطه، إن من بين الأسباب الرئيسة لارتفاع قيمة الدولار هو السمعة الجيدة التي يحظى بها كملاذ آمن في أوقات الأزمات، إذ أجبر ارتفاع نسبة التضخم في منطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، المصارف المركزية على وضع قيود على الإنفاق، بالإضافة إلى أن المخاوف من حدوث انكماش دفعت المستثمرين للجوء إلى الأمان النسبي الذي يوفره الدولار، العملة الأقل عرضة نسبياً للمخاطر العالمية التي قد تتعرض لها العملات الأخرى حالياً.

ويعد قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة أيضاً من الأسباب الرئيسية لارتفاع الدولار. وحول سبب قيام الوكالات برفع الأسعار بدلاً من خفضها، قال: «الوكالات تتذرع بحجج خاصة بعقود طويلة الأمد مع الشركات المصنعة للسيارات، وهو أمر يتناقض مع النتيجة الطبيعية لارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، مطالباً الهيئات المعنية بمراقبة الأسعار في الدولة بالتدخل لكبح جماح هذا الأمر».

ارتفاع كبير

وقال الخبير الاقتصادي رضا مسلم: إن الدولار شهد ارتفاعاً كبيراً وتأثيرات ذلك ارتفاع الأسعار في بلد مصدر للسيارات، مثل اليابان، ينتج نحو 12 مليون سيارة سنوياً، بشكل كبير جداً؛ لأنها دولة مستوردة لكل شيء، إذن تكلفة تصنيع السيارة داخل اليابان ارتفعت للغاية والمكونات ارتفعت كذلك، فضلاً عن أزمة الرقائق والشحن والتوريد بسبب العقوبات المفروضة على بعض الدول.

وتابع: «التعاقدات بين وكلاء السيارات والشركات المصنعة مثل «تويوتا» و«نيسان» وغيرها تتم مسبقاً وبفترة كبيرة، بمعنى أن السيارات التي تصل إلى السوق الآن تم التعاقد عليها منذ 3 أو 6 أشهر، وفي هذا الوقت كان سعر الدولار أقل من القيمة الحالية، لذلك من المفترض أن تكون الأسعار وقت التعاقد أقل من الوقت الحالي الذي تغيرت فيه قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، لكن هذا لا يحدث لأسباب أخرى مثل ارتفاع تكلفة الشحن واستمرار أزمة الرقائق، كما أن الشركات المصنعة تقوم بتغيير الأسعار إذا تغيرت الأوضاع الاقتصادية حتى لا تخسر، فيقوم الوكيل هو الآخر بتغيير الأسعار.

واستطرد: لكي لا يكون العبء أكبر على العملاء، يمكن لوكيل السيارات أن يقلل نسبياً من هامش الربح لديه حفاظاً على العملاء، خصوصاً وأن الظروف الاقتصادية الحالية مؤقتة ولن تستمر، ومن مصلحة الوكيل أن يحافظ على عملائه لفترة ما بعد الأزمة.

تأثير حقيقي

وقال سليمان الزبن، مدير عام «هيونداي الإمارات» بمؤسسة «جمعة الماجد»: «إذا حاولنا تقييم أثر ذلك على قطاع السيارات، يجب الأخذ في الحسبان العديد من العوامل منها تقييم أسعار وتكاليف المواد الخام التي تدخل في هذه الصناعة بسلة من العملات، لتفادي تأثير اختلال أسعار صرف العملات العالمية. ومع ذلك يشعر العملاء في الدول التي تأثرت عملاتها بأسعار صرف الدولار، لكن ذلك يترك تأثيرات طفيفة في الإمارات والعديد من دول مجلس التعاون.

وحول تحمل المستهلك بشكل أساسي تكاليف الأزمات الاقتصادية العالمية، قال: ربما يكون من الطبيعي أن تتأثر أسعار مختلف السلع بارتفاع المدخلات الأخرى المتعلقة بها، مثل أزمة الشحن والتوريد التي نجمت عن الأحداث الجيوسياسية في العديد من دول ومناطق العالم من حولنا، وعلاقة ذلك بالتأمين على الشحنات وعدم ثبات أسعار الوقود. أما الجانب المتعلق بأزمة أشباه الموصلات فهي قائمة منذ بضع سنوات، وتحاول كل شركة مصنعة إيجاد الحلول المثلى لمواكبة الطلب.

سعر إيجابي

وقال ممدوح خير الله، مدير عام «رولز - رويس موتور كارز»، المركز الميكانيكي للخليج العربي دبي والمناطق الشمالية: بالتأكيد هناك تأثير لارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى على أسعار السيارات، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الارتفاع سلبياً لأن المنتجات الأوروبية أو اليابانية انخفضت عملاتها أمام الدولار، وبالتالي أعطت سعراً إيجابياً للسيارة، كما أن العملات المرتبطة بالدولار لا تتأثر بارتفاع الدولار كالدرهم الذي يحافظ على مكانته. لكن العقود التي بين الوكلاء والمصنعين قد تمتد بين 3 إلى 6 شهور ويكون الطرفان خلالها ملتزمين بالأسعار التي تم التوقيع عليها، أما بعد ذلك يتم وضع أسعار جديدة حسب السعر العالمي للدولار أمام العملات الأخرى.

واعترف بأن المستهلك هو من يتحمل نتائج الأزمات الاقتصادية العالمية، كما أن ارتفاع معدلات التضخم العالمية له تأثيرات على الكل، حكومات وأفراداً، وكذلك على المصنع والمورد والمستهلك، فكلنا في المركب نفسها، وكلنا نعاني من أزمة التضخم، لكن التأثير يتفاوت، فكلما كانت السلع أغلى كان التأثير سلبياً، وكلما قل سعر السلعة كان التأثير أقل.

مواد خام

وقال محمد فوزي، المدير التنفيذي في الشرق الأوسط وأفريقيا لشركة «مكلارين أوتوموتيف»، إن تأثير ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى ليس بالتأثير الكبير، وقد تكون نسبة ارتفاع أسعار السيارات عالمياً بسبب ذلك تتراوح بين 5 % إلى 7 %.

وأضاف أن أسعار المواد الخام التي تدخل في تصنيع السيارات شهدت زيادة خلال الفترة الماضية بسبب أزمة أوكرانيا، وهو ما ألقى بظلاله على أسعار السيارات بشكل عام من حيث الارتفاع، ولكنه ليس بالارتفاع الكبير كما قلت.

زيادة التكاليف

وقال راكيش ناير، المدير الإداري للعلامات الأوروبية لدى «ستيلانتيس الشرق الأوسط»: مع استمرار المستثمرين العالميين بترقب استقرار الدولار، ومع استمرار قيمته في الارتفاع، يجب على المراكز المالية الدولية رفع أسعار الفائدة للتعامل مع هذا التغيير. وسوف يؤدي هذا عموماً إلى زيادة التكاليف على الصعيد العالمي فيما يخص السلع والخدمات، مما يعني أن المستهلكين سوف يعانون من التضخم وتأثيره على كل التكاليف. وبالتالي، فإن سعر الدولار القوي يؤثر بشكل مباشر على تكلفة السيارات عالمياً، حيث يتحمل جميع الموردين والمصنعين ومشغلي الخدمات اللوجستية تكاليف أكبر لعملياتهم.

Email