سيطرت تقنية «روبوتات التداول»، خلال العامين الماضيين على استثمارات الأسهم بأسواق العالم، بل على مشهد تجارة البيع والشراء، بما في ذلك السندات والعملات والسلع عامة، حتى أصبح الأفراد والشركات التي تتعامل مع أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي هي المتصدرة لقائمة الأكثر ربحية على مستوى العالم.
ولا يمكن التغاضي عن أن قيمة استثمارات الشركات العالمية بالذكاء الاصطناعي تخطت التريليون دولار، ويُتوقع أن يضيف هذا القطاع حوالي 15.7 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول 2030، ستكون مساهمة القطاع بالشرق الأوسط بها 320 مليار دولار، وفقاً لـ«بي دبليو سي PwC».
ويستخدم 90 % من الشركات عالمياً الذكاء الاصطناعي، وفقاً لأحدث تقارير «كلاوديرا». وخصصت شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى «ألفابت، وأمازون، وآبل، وميتا، ومايكروسوفت» نحو 400 مليار دولار للنفقات الرأسمالية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والبحث والتطوير هذا العام.
و«روبوتات التداول»، والمعروفة أيضاً باسم التداول الخوارزمي أو التداول الآلي، هي شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي المصمم لإجراء التداولات في الأسواق المالية، وتم تطوير هذه البرامج لتحليل كميات كبيرة من البيانات، مثل اتجاهات السوق وحركات الأسعار التاريخية، وإجراء الصفقات بناءً على قواعد محددة مسبقاً.
وتعمل «روبوتات التداول» بأقل قدر من التدخل البشري، وبات استخدامها شائعاً بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، حيث يمكنها توفير قرارات تداول أسرع وأكثر دقة، فضلاً عن القدرة على تنفيذ الصفقات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروبوتات التداول مسح أسواق متعددة وتحديد الفرص التي قد يفوتها المتداول، مما قد يؤدي إلى عوائد أفضل على الاستثمار.
صدارة إماراتية
وتصدرت الإمارات الدول العربية من حيث مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع أن يسهم القطاع بنسبة 14 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030، بحسب دراسة أصدرتها «جامعة هيريوت وات دبي»، كما يتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الدولة بنحو 96 مليار دولار بحلول عام 2030 وذلك وفق تقرير صادر عن مجموعة «برايس ووترهاوس كوبرز».
وبدأت دبي في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي بتأسيس دبي الرقمية عام 1999، والتي أحدثت نقلة نوعية في دبي، من الرؤية الشاملة إلى الإلكترونية إلى الرقمية إلى الذكاء الاصطناعي.
ورسخت الإمارة توجهاتها في التوأمة الرقمية من خلال المبادرات والاستراتيجيات والخطط الساعية إلى ضمان مكانتها العالمية في القطاع الرقمي، ومن ضمنها استحداث منصب رئيس تنفيذي للذكاء الاصطناعي في كل جهة حكومية في دبي ضمن الحزمة الأولى من خطة دبي السنوية، وإطلاق حاضنة دبي لشركات الذكاء الاصطناعي، و«ويب 3»، التي ستمثل أكبر تجمع لشركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لاستقطاب المبتكرين حول العالم والشركات الناشئة وقادة القطاع.
وفي يونيو 2023، أطلقت دبي مركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، بهدف دعم الجهات الحكومية بإمارة دبي في توظيف تكنولوجيا المستقبل بشكل عملي وفعّال استعداداً للتحولات الجذرية القادمة في مختلف القطاعات الحيوية.
ويهدف «مركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي» إلى تدريب 1000 موظف حكومي من أكثر من 30 جهة حكومية على استخدامات الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في رفع إنتاجية الموظفين الحكوميين بفضل هذه التطبيقات، إضافة إلى إطلاق مشاريع تجريبية وتحسين الخدمات الحكومية التي يمكنها الاستفادة من هذه التطبيقات، فضلاً عن دعم أكثر من 20 شركة ناشئة في هذا المجال التكنولوجي المتقدم من دولة الإمارات والعالم.
ويأتي إطلاق هذا المركز تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بضرورة الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة وتأثيراته المستقبلية على القطاعات الحكومية والإعلامية وغيرهما، وكيفية التعامل الإيجابي والآمن مع هذه التقنيات في ظل التوقعات العالمية بنمو قيمة قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي من 10 مليارات دولار في عام 2022، إلى 110.8 مليارات دولار بحلول عام 2030، وبمعدل نمو سنوي يبلغ 34.3 %.
وسيسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative Artificial Intelligence) بنحو 10 % من حجم البيانات المنتجة عالمياً بحلول 2025، ومن المتوقع أيضاً أن يتم اكتشاف أكثر من 30 % من الأدوية والمواد الجديدة بشكل منهجي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال العامين المقبلين.
وأطلقت دبي، في سبتمبر 2022، برنامج دبي للروبوتات والأتمتة، وذلك بهدف دعم تطوير واختبار وتبني تقنيات الروبوتات والأتمتة، وتسريع تبني هذه التطبيقات التكنولوجية المتقدمة في مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما يسهم في تعزيز ريادة دبي إقليمياً وعالمياً لتكون واحدة من أفضل مدن المستقبل وأكثرها استعداداً لتوظيف وتطوير تكنولوجيا المستقبل، بالإضافة إلى زيادة مساهمة هذا القطاع إلى 9 % من الناتج المحلي خلال 10 سنوات.
ويرصد «البيان الاقتصادي» في هذا التحقيق الصحفي، مستقبل تطور «روبوتات التداول»، والاستثمار في الأسهم باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ومدى جدوى ذلك، وموقع دبي من هذه الاستثمارات، لا سيما استخدامها في أسواق المال والفرص المتاحة، لإقامة نموذج قوي من شأنه تغيير خريطة الاقتصاد بالإمارة، ومستقبل صناعة التكنولوجيا محلياً وعالمياً.
«الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولاً في الاقتصاد العالمي»، هذا هو المفهوم الذي روج له صندوق النقد الدولي في يناير من العام الجاري، وأن «الذكاء الاصطناعي» هو الثورة التكنولوجية الرقمية التي يعيشها العالم الآن، مدللاً على ذلك بأن الشركات العملاقة، من حيث قيمتها السوقية في عام 2024، هي الشركات الأكثر استثماراً في «الذكاء الاصطناعي»، مثل «ألفابت، وأمازون، وآبل، وميتا، ومايكروسوفت»، وهي الشركات التي تحقق معدلات نمو هائلة ومن دون توقف، ما جعلها الأكثر نمواً على مستوى العالم.
وتسببت عمليات الإغلاق الناتجة عن وباء «كورونا» في اتجاه الشركات إلى بناء مجتمعات افتراضية عبر الإنترنت، والتوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن ثم يمكن القول إن وباء «كوفيد19» كان له تأثيره الإيجابي في زيادة حجم صناعة «الذكاء الاصطناعي»، وتزداد شعبية تلك التكنولوجيا يوماً بعد يوم، خاصة في ظل تزايد الاستثمارات الرقمية، والبلوك تشين وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأخيراً «روبوتات التداول».
تجربة عملية
في البداية، قمنا بالبحث عن «الاستثمار باستخدام الذكاء الاصطناعي» في الإنترنت، وجدنا عروضاً لا نهاية لها، والتي تطلب منك استغلال الذكاء الاصطناعي في إدارة أموالك.
ومؤخراً، قمنا باستكشاف ما يمكن أن تفعله «روبوتات التداول» التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بالاستثمارات المالية، وباستخدام موقع «kucoin trading bot» في تجربة عملية لـ«البيان»، قمنا باختيار «trad bot»، ومنها اخترنا «spot grid»، وهو روبوت تداول سهل الاستخدام وكثير الانتشار للمبتدئين.
كيف يعمل؟
بدأت التجربة بإنشاء وتفعيل «البوت - الروبوت» داخل صفحة التداول، بعدها قام الروبوت بالشراء كمستثمر في السوق بديل عنا، وكلما نزل السعر يشتري الروبوت بقيمة مالية محددة وثابتة، وعندما يرتفع السعر يقوم الروبوت بعملية البيع ويكرر العملية في كل مرة عند النزول يشتري وعند الارتفاع يبيع..، وهكذا، وبالتالي نحقق أرباحاً مستمرة، حيث قمنا بالشراء بألفي دولار، كذلك قمنا بتحديد أقل سعر يشتري فيه وأعلى سعر يبيع فيه عند عملية الإنشاء لـ«روبوت التداول»، إذ انخفض السعر اشترى الروبوت بـ20 دولاراً في كل مرة، وعندما ترتفع القيمة للعملة يقوم بالبيع بالقيمة نفسها وهي 20 دولاراً.
ولاحظنا خلال عملية التجربة وجود «روبوتات للتداول» عديدة أخرى داخل الموقع، أبرزها «futures grid، وsmart rebalance»، والنتيجة كانت بعد أسبوعين من التجربة هي خسارة 20 دولاراً، ولكن الربح متاح مع الصعود خلال الفترات القادمة لأنها عملية مستمرة.
استثمارات الشركات العالمية
وبمطالعة حجم استثمارات الشركات العالمية في «الذكاء الاصطناعي» نجد أن شركات التكنولوجيا العملاقة في الصين قد ضاعفت إنفاقها الرأسمالي خلال العام الجاري مع إنفاقها بسخاء على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، على الرغم من العقوبات الأمريكية المصممة للحد من تقدم الصين في هذه التكنولوجيا الحيوية.
ووصل إجمالي الإنفاق الرأسمالي لشركات «علي بابا» و«تينسنت» و«بايدو» إلى 50 مليار يوان صيني (7 مليارات دولار) في النصف الأول، مقارنة بـ23 مليار يوان صيني في العام السابق، كما رفعت شركة بايت دانس، الشركة الأم لـ«تيك توك»، من إنفاقها المرتبط بالذكاء الاصطناعي، وبلغ إجمالي الإنفاق الرأسمالي لشركة «علي بابا» في النصف الأول نحو 23 مليار يوان صيني، بزيادة 123% عن العام السابق.
وقادت «علي بابا» جولة تمويلية بقيمة مليار دولار في «Moon shot AI»، التي تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الصين. وفي أكتوبر الماضي، أعلنت شركة «غوغل» عن استثمار ملياري دولار في شركة «أنثروبيك – Anthropic» منافس «ChatGPT» التابعة لـ«مايكروسوفت»، إضافة إلى 4 مليارات دولار التزمت بها «أمازون» للاستثمار في «Anthropic» على مدى السنوات المقبلة، وأطلقت «سيسكو للاستثمار»، صندوق استثمار للذكاء الاصطناعي بقيمة مليار دولار.
وكشفت دراسة حديثة أجرتها «مايكروسوفت» عن أن كل دولار تستثمره الشركات في تبني حلول الذكاء الاصطناعي، يحقق لها في المقابل 3.5 دولارات في المتوسط، ما يؤكد جدوى الاستثمار بهذه التكنولوجيا.
وتشير أبحاث حديثة أجرتها مؤسسة البيانات الدولية في عام 2023 إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي ليصل إلى أكثر من 500 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، جمعت شركة «موني هاش»، للتكنولوجيا المالية ومقرها مصر، 4.5 ملايين دولار من التمويل الأولي أو مرحلة «البذرة» بقيادة «كوتو فينتشرز» و«سُكنى فنتشرز»، كما استحوذت «كورفيجن»، وهى شركة استثمارية مقرها السعودية، على حصة استراتيجية في «VeFund»، وهي منصة لإدارة الاستثمار والصفقات ومقرها مصر تركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وشهدت الفترة الماضية تسابق العديد من الدول في الاستثمار بمجال الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة بهذا القطاع، إذ تسعى دولة الإمارات، متمثلة بشكل أساسي في مجموعة «جي42»، جاهدة لتصبح رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي وتستثمر بكثافة في هذا المجال، وأعلنت «مايكروسوفت» مؤخراً أنها ستستثمر 1.5 مليار دولار في «جي 42».
سوق دبي يتصدر عربياً
أكد حامد علي، الرئيس التنفيذي لسوق دبي المالي وناسداك دبي، أن الذكاء الاصطناعي سيكون له حضور كبير في سوق دبي خلال الفترة المقبلة، حيث شهدنا الكثير من منصات التداول الإلكترونية المربوطة بسوق دبي تستخدم «روبوتات التداول» على قاعدة السوق.
وقال، في تصريحات لـ«البيان»: «نعمل حالياً مع منصات عديدة تستخدم (روبوتات التداول)، بحيث يكون لها مدخل واضح بالسوق، ولا نمنع أي منصة أن تستخدم هذه الروبوتات، ومن أهم الإنجازات في هذا القطاع أننا كنا أول بورصة عربية تتعاون مع منصة (إيتورو)، بحيث تتيح لمستخدميها المسجلين البالغ عددهم 38 مليوناً الاستثمار في 10 شركات مدرجة في السوق).
وأوضح أن لهذه المبادرات أهمية كبيرة للغاية في ريادة التقنيات الحديثة مع الحفاظ على القاعدة القوية لسوق دبي المالي، خصوصاً أن السوق يشهد زخماً ونمواً مستمراً، مؤكداً دعم السوق بالمنصات التي تعمل بالتقنيات الحديثة، لا سيما أن هذه المنصات من الممكن أن توفر للمستثمرين أدوات جديدة تساعدهم في التداول، ونسعى لجذب هذه المنصات باستمرار». وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي بالفعل له دور مختلف على جميع المستويات سواء من ناحية التداول والرقابة على السوق أو الأعمال الإدارية.
جذبت مستثمرين جدداً
وأفاد حسام الحسيني، المحلل المالي والخبير بأسواق المال، بأنه يمكن لـ«روبوتات التداول» أن تأخذ قرارات أفضل من الطرق التقليدية، وأصبح نحو 80 % من القرارات في الأسواق العربية تتم عن طريق «السيستم الآلي» والـ20 % المتبقية تتعلق بطرق التنفيذ اليدوية. وقال: «الأسواق العالمية ليست بعيدة عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي منذ فترات طويلة بمسميات أخرى، وفي السابق كان التداول الآلي موجوداً بالأسواق، ومع بداية التداول الإلكتروني في أسواق ناسداك في أمريكا وجدنا هناك تسارعاً في استخدام الكمبيوتر في التداول، ومؤخراً أصبح يذكر الموضوع تحت بند الذكاء الاصطناعي».
وذكر أن عملية التداول تمر بأكثر من مرحلة كل مرحلة تتم فيها عملية التداول يمكن الاستعانة فيها بأدوات الذكاء الاصطناعي من جمع المعلومات وتحليلها، ولكن جمع المعلومات يكون بناء على طلب المحلل نفسه، فيجب أن يكون المحلل هو الذي يعرف نوع المعلومات التي يريدها والاستراتيجيات التي يريد تنفيذها من حيث تنويع المخاطر والأصول.
وأشار إلى أنه مع وجود تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثل «شات جي بي تي» وغيرها أصبحنا نجد متداولين مبتدئين جدداً موجودين بالأسواق المالية العالمية، فالتحليل وتوزيع المخاطر ودراسة القوائم المالية بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي سهلت وجود مستثمرين جدد بالأسواق، فاليوم أكثر من 90 % من العمليات التي تتم بالأسواق العالمية تتم بشكل آلي، وأصبح أكثر من 90 % من صفقات «ناسداك» تتم من دون تدخل بشري، ولكن في إطار خوارزميات وأسس ومعطيات قام أشخاص بوضعها.
تحول جذري
وأكد أرون ليزلي جون، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال» أن الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على جمع كميات هائلة من البيانات المالية وتحليلها، بما في ذلك الأخبار ومؤشرات السوق.
ومع ذلك، فإن مدى قدرة «روبوتات التداول» على اتخاذ قرارات تداول ناجحة تتفوق على الأساليب التقليدية متعلقة بعدة عوامل، أبرزها تقلبات السوق، إلى جانب سرعة وكفاءة الحوسبة الكمية، يزيد من تعقيد قدرة خوارزميات التداول على تحقيق عوائد أعلى من المتوسط باستمرار على المدى المتوسط إلى الطويل.
وتوقع أن يحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في الاقتصاد العالمي، مما يوفر فرصاً كبيرة للنمو، حيث يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار على مستوى العالم بحلول عام 2030، كما توقع أن تحقق منطقة الشرق الأوسط 320 مليار دولار من اعتماد الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في دول مثل الإمارات والسعودية.
وحول التحديات التي تمنع تقنيات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى المستوى المطلوب في تحقيق الأرباح، قال جون: «هناك الكثير من التحديات المعقدة التي تمنع تقنيات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى المستوى المطلوب في التداول وتحقيق الأرباح. ويكمن أحد التحديات الرئيسية في محدودية تداول الذكاء الاصطناعي نفسه.
فبينما تستطيع خوارزميات تعلم الآلة أتمتة قرارات التداول وتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة، إلا أن هناك مخاطر تنطوي على ذلك، مثل الخسائر الناجمة عن الأخطاء الفنية أو مجموعات البيانات المعيبة. يمكن أن تعالج مناهج تعلم الآلة الخاضعة للإشراف بعض هذه المخاطر من خلال وضع قيود على أنشطة أنظمة الذكاء الاصطناعي».
مستقبل واعد
وقال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق لشركة «بي دي سويس» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: إن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يجمع ويحلل البيانات المالية كالأخبار والمؤشرات في أسواق المال وغيرها، وأظهرت «روبوتات التداول» المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانات واعدة لتتفوق على الأساليب التقليدية في سيناريوهات محددة، وذلك بفضل سرعتها وكفاءتها وقدرتها على تحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، فهي تتفوق في التداول عالي التردد من خلال تنفيذ الصفقات بسرعات لا يمكن للإنسان بلوغها، وتحديد الأنماط المعقدة بسرعة فائقة، كما تتميز هذه الروبوتات بموضوعيتها، حيث تتجنب التحيزات العاطفية التي قد تؤثر على المتداولين من البشر.
وذكر أنه على الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي في التداول تبدو واعدة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة تعوق قدرتها على تحقيق ربحية متسقة، وتُعد الاعتمادية على البيانات عقبة رئيسية، حيث تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات عالية الجودة، إذ يؤدي نقص البيانات إلى تنبؤات خاطئة وقرارات تداول سيئة، علاوة على ذلك، غالباً ما تواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي صعوبة في التكيف مع الطبيعة الديناميكية للأسواق، وتفشل في التعامل مع التقلبات المفاجئة أو الأحداث غير المتوقعة التي يتفوق فيها الحدس البشري، كما تُوجد مخاوف تنظيمية وأخلاقية بشأن الشفافية والتحيز وإمكانية التلاعب بالسوق، ما يخلق حواجز كبيرة أمامها.
وحول توقعاته لمستقبل أسواق الأسهم في سوقي دبي وأبوظبي في ظل هذا التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، قال مازن سلهب: «يبدو مستقبل أسواق الأسهم في دبي وأبوظبي واعداً مع التقدم المُحرز في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي كبيراً، حيث من المتوقع أن يضخ الذكاء الاصطناعي حوالي 320 مليار دولار في اقتصاد الشرق الأوسط بحلول عام 2030، بقيادة الإمارات والسعودية، ومن المرجح أن تعزز هذه الدفعة من قوة وتنافسية الأسواق المالية في دبي وأبوظبي».
أكبر المستفيدين
ولفت إلى أنه يُتوقع أن يكون أكبر المستفيدين من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية بدبي وأبوظبي هم شركات التكنولوجيا المالية، والمؤسسات المالية الكبرى، والمستثمرون والمتداولون، والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الاقتصاد الإماراتي ككل، حيث ستستفيد هذه الجهات من تحسين الكفاءة وزيادة الابتكار والاستثمارات، مما يعزز مكانة الإمارات كمركز مالي وتكنولوجي رائد في المنطقة.
وذكر أن انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي يثير بالفعل مخاوف بشأن التلاعب المحتمل بالسوق ونشر معلومات مضللة في أسواق الأسهم، ويمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز قدرات التلاعب، مما يسهل «سباق تسلح في التعلم الآلي» بين المنظمين وأولئك الذين يسعون إلى استغلال هذه التقنيات، وهناك خطر من التواطؤ المدعوم بالذكاء الاصطناعي بين المتداولين، حتى من دون تنسيق صريح، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات تنافسية للغاية وإلحاق الضرر بسيولة السوق.

دبي تتصدر عالمياً
وأكد مسؤولو شركات دولية عاملة بدبي أن دبي باتت تتصدر التوجه العالمي لاستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في كافة قطاعات الأعمال، لا سيما القطاع المالي، بما في ذلك الواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين والروبوتات.
وقال المسؤولون في تصريحات لـ«البيان»: إن الاستخدام المتنامي لأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي بات يعد من العوامل التي أسهمت في تعزيز جاذبية الاستثمار في دبي للمستثمرين من خارج الدولة، خصوصاً الأثرياء الذين تصاعدت شهيتهم للاستثمارات في الإمارة.
وأشار المسؤولون إلى أن التطور التكنولوجي بات يغير ملامح هذه القطاعات الحيوية، حيث أصبحت التكنولوجيا أداة أساسية لإعادة تشكيل الطريقة التي نشتري ونبيع وندير بها الاستثمارات، ولا سيما في مدينة تعرف بطموحاتها العالية ورغبتها الدائمة في الابتكار، حيث تقود دبي اليوم حقبة جديدة تعتمد على التكنولوجيا لرفع معايير الاستثمار إلى مستويات غير مسبوقة، ما يشكل ركيزة جذب جديدة للمستثمرين والأثرياء.
بنية تحتية قوية
وقال حيدر نظام، رئيس شركة «زوهو» في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب الرئيس لقسم الحلول في الشركة، إن دبي برزت كلاعب بارز في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، وقد أسهمت مبادراتها الاستراتيجية، بالإضافة إلى بيئتها المواتية للأعمال التجارية، في تكريس مكانة المدينة كمركز للابتكار التكنولوجي، ولم يأت ذلك من قبيل المصادفة. فقد كانت حكومة دبي القوة الدافعة وراء هذا التحول.
ولفت إلى أنه في خطوة مهمة، أعلنت دبي مؤخراً عن تعيين رؤساء تنفيذيين للذكاء الاصطناعي لجميع الهيئات الحكومية.
حيث اعتمد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، تعيين 22 رئيساً تنفيذياً للذكاء الاصطناعي في حكومة دبي.. ضمن رؤية مستقبلية محورها تعزيز الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل الحكومي، ودعم تجربة حكومة دبي في هذا المجال ونقلها إلى آفاق جديدة ترسخ ريادتها عالمياً في ابتكار الحلول القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وأدوات المستقبل».
وسيلعب هؤلاء التنفيذيون المتخصصون دوراً حاسماً في قيادة مبادرات الذكاء الاصطناعي وتحسين الأداء الحكومي.
ويعكس هذا القرار تفويضاً مماثلاً أصدرته حكومة الولايات المتحدة، ويسلط الضوء على الاعتراف العالمي بإمكانات الذكاء الاصطناعي الهائلة والحاجة إلى الحوكمة المسؤولة. وعلاوة على ذلك، يؤكد طرح دبي رخصة تجارية للذكاء الاصطناعي التزامها بتعزيز بيئة مواتية للابتكار والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، مما يستقطب الروّاد في مجال الذكاء الاصطناعي.
ريادة عالمية
وأكد الدكتور مصطفى الجزيري، العضو المنتدب لمنطقة الخليج والمغرب العربي لشركة «هيتاشي إنرجي»، أن دبي ترسخ مكانتها في الصدارة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عربياً وعالمياً عبر اتخاذها خطوات رائدة للحفاظ على ريادتها من خلال تعزيز اللوائح الخاصة بمبادئ وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وضمان الامتثال لها، وإجراء عمليات تدقيق منتظمة، والاستثمار في أحدث تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ورفع مستوى الوعي بها من خلال التثقيف وتوعية الجمهور، وبناء شراكات فعالة وقوية من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الابتكار في الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في عمليات البحث والتطوير ودعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
مستثمرون بالأسهم
وأفاد ماهر حسين، مستثمر في إحدى الشركات العقارية في سوق دبي المالي، بأنه يبحث دائماً عن طرق جديدة للتداول كي يزيد من أرباحه في الأسهم، وحصل على دورات تدريبية عديدة في الاستثمار بالأسهم باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقال في تصريحات لـ«البيان»: «قررت مؤخراً استخدام روبوت التداول، حيث يمكنه العمل بشكل متواصل والقيام بالصفقات كبديل عني، حتى ما بعد إغلاق الأسواق».
وأضاف: «الروبوتات تتعامل مع كميات هائلة من البيانات وتقوم بتحليلها وتنفذ الصفقات أسرع من البشر، كما لا تتأثر الروبوتات بالمشاعر، وهي نقطة ضعف رئيسية في تعاملات التداول البشرية، وقد تؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة».
مخاوف كثيرة
وقال علي زين، مستثمر في سوق أبوظبي: «لقد تخوفت من استخدام روبوتات التداول، فهي صممت لاتباع قواعد محددة، وغير قابلة للتكيّف مع متغيرات السوق، كما أن تطوير وصيانة روبوت للتداول عملية مكلفة». وأضاف: «تفتقر الروبوتات إلى القدرة على استقراء معنويات السوق، بالإضافة إلى عوامل أخرى غير قابلة للقياس، والتي بدورها قد تؤثر على قرارات التداول».
