تقليص تأثير التنمية على البيئة الطبيعية

استكمالًا لشروط ومعايير تطوير المجمعات الحضرية المستدامة التي نشرت «البيان» الحلقة الثانية منها الأسبوع الماضي، وتطرقنا فيها إلى ‬11 خطوة تدعم البيئة البشرية في مدن الغد، تواصل «البيان» نشر الحلقة الثالثة من دراسة (شروط تطوير المجمعات الحضرية المستدامة) بالتعرض إلى إشكالية قصر عملية الاستدامة في المشروعات على استخدام مبان وأجهزة ذكية دون الإلمام والاهتمام إلى متطلبات الاستدامة في المجتمع ككل وليس في المبنى بحد ذاته.

 

المبادئ الخضراء

إن المجتمعات المستدامة تشمل أكثر من مجرد تكنولوجيات ومواد بناء حساسة ايكولوجياً. فهي تشمل دمج المبادئ الخضراء في كل جانب من جوانب تخطيط، وتصميم، وإعمار، وصيانة المجتمع. إن اختيار موقع مستدام مهم كذلك،، إذ من الصعب أن يكون أخضر بشكل حقيقي إن كان المشروع مبنياً على أرض زراعية بكر، أو موقع تاريخي، أو موطن أنواع مهددة بالانقراض. والمواقع المثالية للمجتمعات المستدامة تشمل الأرض الخلاء، وقطع الأراضي الخالية، والمواقع الشاغرة.

 فإذا كان من غير الممكن تجنب موقع السهل الأخضر، فيجب على المجمعات المستدامة تقليل البنية التحتية في الموقع وتفعيل عملية التحكم بالرواسب والشوائب لأكبر قدر ممكن، والحد من تجميل الطبيعة وقصرها على استرداد الغطاء النباتي الأصلي أو تجديده، وتقديم وصول سهل للنقل العام.

إن مجتمع التطوير الحضري يأخذ هذه التحديات على محمل الجد. وبناء على البيانات التي تم جمعها في استطلاع مشترك عام ‬2003، تقرير سمارت ماركت حول المباني الخضراء السكنية، تنبأت الجمعية الوطنية لبنائي البيوت، وماكجروهيل للإنشاءات بازدهار في الجهود المسؤولة بيئياً:

«فبحلول عام ‬2010، وبحسب التقرير وصلت القيمة السوقية لقطاع المباني السكنية الخضراء خضراء السكنية من ‬7,4 مليارات دولار أميركي و‬2٪ من المساكن التي ابتدأت العام الماضي إلى ‬19 مليار دولار أميركي ليصل إلى ‬38 مليار دولار أميركي وترتفع مساهمته لتصل إلى ‬5-‬10٪ من نشاط الإعمار السكني.

هناك أسباب معقولة لهذا التوجه، فإن المباني تستهلك ‬37٪ من الطاقة على مستوى الولايات المتحدة، و‬68٪ من الكهرباء بحسب وزارة الطاقة الأميركية. كذلك تنتج المباني حوالي ‬30٪ من انبعاثات غاز الدفيئة في البلد. ومع ارتفاع درجة الحرارة العالمية والتأثيرات الضارة الأخرى على البيئة عند ارتفاعها، وطلب الجمهور الذكي على شراء بيوت صحية، وموفرة للطاقة، فإن مستقبل مجتمعات التطوير الحضري لا يمكن أن يكون إلا لون واحد وهو أخضر.

هناك العديد من «درجات الأخضر» والتي تتراوح من الأخضر ذي الطيف الكامل إلى استراتيجيات ذات بعد واحد مع قليل من الفوائد الايكولوجية أو الاجتماعية. «البناء الأخضر» الذي يحصل عندما يتم تلبيس مشروع تقليدي بطريقة تسويق منمقة وقريبة من الطبيعة، هو من أسوأ الأعمال. إذ يدرك هؤلاء المطورون والبناءون أن «الأخضر» أصبح موضة، وبالتالي يستخدمون ميزانياتهم التسويقية في محاولة لإيجاد موطئ قدم لمشروعاتهم.

والدرجة الأكثر صدقاً من الأخضر هي «احياء المحميات» أو ما يدعوه بعض الناس «الأحياء قليلة التراصّ». هذه المجتمعات تحافظ على قدر كبير من الأرض المفتوحة من خلال تجميع البيوت في أحياء يمكن المشي خلالها. وهي تقلل من المساحة السطحية المرصوفة بمواد صماء وتستخدم مجموعة متنوعة من التقنيات لتقليل انسياب مياه الأعاصير وحماية الحياة البرية، والسياقات الطبيعية.

في كتابه عام ‬1969 «التصميم والطبيعة»، دافع المعماري ومنسق الطبيعة ايان ماك هارغ عن تحليل دقيق للموقع لتعزيز أكبر إحساس بالانسجام بين النظم الطبيعية والبيئة المبنية. إن أفكاره، إلى جانب أفكار راندال آرندت.

وهو مخطط مشهور في استخدامات الأرض، أثرت على جيل من المجتمعات المخططة التي تتراوح من معبر براير وهو مجتمع محمية يقع خارج شيكاغو إلى وود لاندز وهو واحد من أكبر المجتمعات المخططة الرئيسة والأكثر نجاحاً في البلد.يدرك مطورو هذه المجتمعات أن الأحياء التي تضم العالم الطبيعي كانت مناسبة لكل من الإنسان والحرية البرية. وفي الحقيقة، فإن العديد من المطورين الذي يأخذون في اعتبارهم المحميات يتفاخرون بالمساعدة في استصلاح الأرض، وإزالة الأنواع المتطفلة، وتحسين نوعية المياه، وآثار البناء.

 

شعبية المحميات

بشكل مختلف عن الأحياء التقليدية، حيث في الغالب يتم استبدال السمات الطبيعية ببيئات ملائمة للسيارات، إزالة الأعشاب، وتكدس عشوائي للبيوت، فقد تنامت شعبية احياء المحميات بسبب أن مشتري البيوت يضعون قيمة للساحات المفتوحة الطبيعية، والنباتات الموطنية، والحياة البرية، والمناظر المحيطة الجميلة.

في حين أنها تظهر مداخل بارزة لتخطيط الأماكن ومراعية للنظم الطبيعية، فإن بعض التجليات الأولى لتطوير حماية البيئة يمكن تسميتها بــ «الخضرة العشبية»، بسبب أنها تناولت بشكل رئيسي قضايا تطوير الأرض الأفقية، بالرغم من تناولها بطريقة واعية.

إن المدخل الأكثر شمولاً يتناول ليس فقط تطوير الأرض، ولكن يتناول كمذلك مجموعة أوسع من القضايا التي تشمل التصميم، والمواد، وأساليب البناء للبيوت، والمكاتب، والمنشآت الجديدة. لقد رسخت صناعات بناء البيوت، والعقارات معايير لبيوت والمنشآت الأخرى التي تقوم على مبادئ بيئية سليمة.

إن مجلس الأميركي لبيوت الخضراء، وهو مؤسسة غير ربحية تأسست عام ‬1993، على سبيل المثال، أوجد نظام تصنيف القيادة في الطاقة والتصميم البيئي للمباني الخضراء (لييد) وهو معيار معترف به وطنياً لممارسات البناء المستدام وذات الأداء الرفيع. إن هذه المعايير تتناول كل شيء، من جودة الهواء الداخلي إلى كفاءة الطاقة، وإدارة مخلفات البناء.

كذلك طور ان أييه اج بي إرشادات المباني الخضراء للمنشآت السكنية، والوكالة الأميركية لحماية البيئة وأوجدت برنامج ستار للطاقة لمساعدة المؤسسات والأفراد على حماية البيئة من خلال كفاءة فائقة للطاقة. لقد قامت باعتماد حوالي ‬300,000 منزل والتي هي أكثر كفاءة للطاقة بحوالي ‬15٪ على الأقل من المعايير التي حددتها مدونة حفظ الطاقة الدولية لعام ‬2006.

 

أنماط التطوير

تصبح نتائج أنماط التطوير واستخدام الموارد واضحة في بعض الأحيان فعندما يفقد حي من الأحياء مساحات خضراء من أجل التطوير الحضري، يفقد الأطفال مكاناً للعب ويفقد آباؤهم مكاناً للتواصل الاجتماعي. إن خطوط النقل الطويلة، وهي إحدى نتائج التمدد العشوائي، تساهم في تلوث الهواء، ولكنها كذلك تساهم في نقصان عمر الأشجار. فكلما استخدمنا الكهرباء أكثر، كلما ارتفعت فواتير المنافع وكلما كان انبعاث الغازات الدفيئة إلى الجو أكثر.

ومع ذلك، العديد من نتائج خيارات التطوير الحضري أقل وضوحاً، وبشكل خاص في مجالات الصحة الذهنية والجسدية. إن كماً متنامياً من الأبحاث يبين أن الكيفية التي نصمم بها مجتمعاتنا ومبانينا لها تأثير عميق على صحة الإنسان. أحد الأمثلة هو العلاقة بين المجتمعات التي يمكن التمشي فيها والصحة في مرحلة الطفولة.

وبحسب دراسات النقل الفيدرالية، فإن ما يقرب من نصف جميع أطفال المدارس تمشوا أو ركبوا دراجة هوائية ذهاباً وإياباً إلى المدرسة عام ‬1969 لكن اليوم، أقل من ‬15 يمشون ذهاباً أو إياباً إلى المدرسة، وهو رقم يعبر عن أزمة الرعاية الصحية التي تواجه مواطنينا الشباب.

تطوير عشوائي

التأثير الآخر، التطوير الحضري العشوائي هو ما يدعوه المؤلف ريتشارد لوف «اضطراب عوز الطبيعة». ففي كتابه، «الطفل الأخير في الأحراش» يجادل لوف أن الأطفال بحاجة لأن يكون لديهم تواصل أقوى مع العالم الطبيعي، إن كانوا سينتعشون حقيقةً كمواطنين أصحاء على كوكبنا.

ويوضح أن مدارسنا قد تعلم الطلاب التهديدات للغابة المطرية في الأمازون، ولكن أنماط التطوير الحضري العشوائية لا تفعل إلا القليل لتشجيع العلاقة الشخصية للأطفال مع التضاريس الطبيعية خارج منازلهم.

العقود العديدة الأخيرة شهدت نشوء استراتيجيات وايديولوجيات التخطيط والتي تشدد على مداخل لاستخدام الأرض والتطوير المجتمعي المختلفة بعض الشيء. إن تطوير الأحياء التقليدي، والتطوير الحضري ذي التوجه العابر والمحميات الطبيعية ومبادرات النمو الذكي، والأحياء الخضراء جميعها لها أهداف متشابهة، ولكن تتباين في مداخلها.

 

 

 

 

بالتعاون مع مدينة دايموند المستدامة عمليات تنموية بيئية مربحة اقتصادياً ومستدامة اجتماعياً

قال المهندس فارس سعيد رئيس شركة دايوند ديفلوبرز بدبي ان من السهل تخيل مجتمعات كاملة مصممة ومبنية بشكل متناغم مع الطبيعة. ولا يوجد فيها تدهور في الموارد، ولا يوجد فيها تبديد للطاقة، ولا يوجد فيها مواد سامة، بل يوجد فيها الكثير من المساحات الخضراء. إن مثل هذه الأماكن قد تكون جميلة، ويمكن التنزه فيها، وصحية، وصممت لتدوم. لكن التحدي الأكبر ليس في تخيلها بل في تحقيقها وهي الآن قائمة في الوقت الحاضر.

وأضاف سعيد (لقد شهد العقدان الماضيان نشوء وتزايد الإمكانيات التسويقية لنوع جديد من التنمية. وسواء أشرنا إليه بـ (الأخضر) أو (الحساس بيئياً) فإن المجتمع المستدام يمكن أن ينتج مستوى أساسياً ثلاثياً للسكان، والمطورين، وكوكب الأرض: عمليات تنموية صديقة للبيئة، ومربحة اقتصادياً، ومستدامة اجتماعياً.

واشار إلى (ان قلة قليلة يمكن أن تجادل في تلك المزايا، والتحدي هو في تحقيقها. إن من السهل تسمية أي مجتمع أنه مستدام؛ وجعله كذلك يتطلب التزاماً بالتفكير بطريقة مختلفة بشأن ما تعنيه التنمية. إن المجتمع المستدام هو كينونة متكاملة. ومثل النظام البيئي، فإن التنمية المستدامة تتعلق بالعلاقات البينية المتداخلة. فمن التصور إلى التطوير إلى الإدامة، يوازن المجتمع المستدام بين الأولويات البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية.

وهو يعني أكثر من مبان كفؤة من حيث الطاقة، إنه يعني تقليص تأثير التنمية على البيئة الطبيعية، وخلق مزيج من الاستخدامات وأنواع المساكن. إنه يتعلق بنظم إدارة مياه الأعاصير والمساحات الخضراء، والنقل العام المترابطة إقليمياً والتي تقلل الانسيابات السطحية. إن المجتمع الذي يعزز علاقة صحية بين الإنسان والطبيعة هو مجتمع مستدام.

لافتاً إلى ان الاستدامة، مع ذلك، تعني أكثر من العزل الفعال، والشبابيك ذات الأداء الرفيع، أو نظم التسخين والتبريد الكفوءة. في كتابها ايكولوجيا المكان، تشير تيموثي بيتلي، وهي أحد الخبراء الرائدين في العام في هذا الموضوع، أن إنشاء مجتمعات مستدامة ليس أمراً بسيطاً كحفظ بضعة أراضٍ رطبة،.

وتوفير أفدنة قليلة كمساحات مفتوحة، أو وضع بضع ممارسات إدارية مثلى، إنها مسألة تتعلق مراعاة الحدود الإيكولوجية والتأثيرات البيئية خلال عملية التنمية بمجملها، من كفاءة المباني للطاقة إلى الاقتراب من نظام النقل الإقليمي. وهو يتعلق كذلك بالإنسان. إن المجتمعات المستدامة حقيقةً تتخذ مدخلاً كلياً والذي يفيد السكان، والبيئة الطبيعية، والمطور. إنها طيف متكامل من الخضرة.

وأكد سعيد بأن المجتمعات المستدامة ليست مجرد أنها أكثر خضرةً؛ إذ أنها يمكن أن تكون أكثر صحة وأمناً من الأحياء التقليدية. قال وينستون تشيرتشيل مرةً «نحن نشكل مبانينا، وفيما بعد مبانينا تشكلنا». كانت فكرته، بالطبع، أن الشخصية المادية لمجتمعاتنا تؤثر على مَنْ نحن وكيف نرتبط ببعضنا البعض وبما يحيط بنا.

 

كيف صمدت مدن السبعينيات؟

 

 

تقول الدراسة ان الاستجابة الأولى لانتشار التفتت الكبير في المجمعات السكنية في القرن العشرين ونظيرها من المشاريع التجارية كان بروز مجمعات سكنية كبيرة الحجم مثل مشروع وود لاندز بالقرب من هيوستون في تكساس ومشروع إيرفين رانش في أورانج كونتي بكاليفورنيا.

هذه المشروعات التي تحققت في سبعينيات القرن العشرين وغيرها المماثلة صمدت في وجه امتحان الزمن بسبب تركيزها على العناصر المادية من التصميم المجتمعي والتي تعزز القدرة على الحياة، وتسهل الارتباط الاجتماعي، وتشدد على المساحات المفتوحة، وتضم مزيجاً من الاستخدامات وأنواع السكن.

إن المجتمعات المستدامة تتشارك في العديد من نفس هذه الخصائص، ولكنها تشدد أكثر على الحساسية البيئية. إن مثل هذه المجتمعات ترقد بخفة على الأرض وتنطوي على العديد من النواتج والاستراتيجيات الصديقة بيئياً. إن ممارسات البناء الخضراء تشدد على توفير الطاقة، وحفظ المياه، وتجميل الطبيعة الأصلية، وتحسين جودة الهواء في الداخل بنباتات غير سامة، والسجاد والمواد الأخرى.

 

 

المحميات الطبيعية ضمانة للاستدامة

 

 

المعماري ومنسق الطبيعة ايان ماك هارغ في كتابه عام ‬1969 بعنوان (التصميم والطبيعة) يقدم تحليلا دقيقا لموقع الأرض لتعزيز أكبر إحساس بالانسجام بين النظم الطبيعية والبيئة المبنية. إن أفكاره، إلى جانب أفكار راندال آرندت، وهو مخطط مشهور في استخدامات الأرض، أثرت على جيل من المجتمعات المخططة التي تتراوح من معبر براير وهو مجتمع محمية يقع خارج شيكاغو إلى وود لاندز وهو واحد من أكبر المجتمعات المخططة الرئيسة والأكثر نجاحاً في البلد.

يدرك مطورو هذه المجتمعات أن الأحياء التي تضم العالم الطبيعي كانت مناسبة لكل من الإنسان والحرية البرية. وفي الحقيقة، فإن العديد من المطورين الذين يأخذون في اعتبارهم المحميات يتفاخرون بالمساعدة في استصلاح الأرض، وإزالة الأنواع المتطفلة، وتحسين نوعية المياه، وآثار البناء.

الأكثر مشاركة