السعي للتعدين في آخر حدود الأرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

استكشاف قاع البحار لاستخراج المعادن الحيوية يتطلب دراسة متأنية في إنجاز هندسي استثنائي، تمكنت كبسولة تحمل عينات من أحد الكويكبات من الهبوط بسلام على الأرض يوم الأحد الماضي.

ورغم أن العينة التي تزن 250 جراماً ستخضع للتقييم بشكل أساسي بهدف تقديم رؤى حول مجرتنا، إلا أنها تجعل من فكرة تعدين النيازك من أجل المواد الخام أقل افتراضية إلى حدّ ما.

ولكن قبل أن تأخذنا حماستنا الزائدة للتوجه نحو التنقيب في الفضاء الخارجي، فإن الرواسب الأقرب إلى أرضنا أحرى بمزيد من الاهتمام — لا سيَّما تلك الموجودة تحت المحيطات. إنّ بناء المركبات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية يعني أن الطلب العالمي على المواد الخام الحيوية، بما في ذلك الليثيوم والنحاس والكوبالت والنيكل، سيتزايد أكثر من الضعف بحلول عام 2030.

وقد وجدت وكالة الطاقة الدولية أن خطط التعدين الحالية غير كافية لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري العالمي بحلول العام 2050. كما أنّ التوترات الجيوسياسية مع الصين — التي تهيمن على سلاسل توريد المعادن الحيوية — والتركز الجغرافي المرتفع لاحتياطيات الأراضي يعني الأهمية الشديدة لتنوع مصادر التوريد. وعلى سبيل المثال، تنتج إندونيسيا وحدها الآن نصف خام النيكل في العالم، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية.

إننا نحتاج بشدة إلى حلول مبتكرة في هذا العصر، وأحد الخيارات التي تشد انتباه العديدين هو إمكانية التعدين في قاع البحار. وبحسب تصريحات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يُعتقد أن «الحدود النهائية» للأرض تحتوي على كميات من النيكل والكوبالت والمعادن الأرضية النادرة تفوق مجتمعة جميع الاحتياطيات على سطح الأرض. كما أن «العقيدات متعددة المعادن»، التي يمكن العثور عليها في أعمق وأكثر الأجزاء سطحية من قاع المحيطات، تمثل فرصة واعدة هائلة. إذ تحتوي على مجموعة متنوعة من المواد بصورة أنقى بكثير مما يمكن العثور عليه على سطح الأرض.

وبفضل التقدم التكنولوجي، قد يكون بالإمكان قريباً التقاط هذه العقيدات الصغيرة بحجم ثمرة البطاطس، وضخها عبر أنابيب إلى سفينة على سطح البحر. أما بالنسبة لأنواع الرواسب الأخرى، فقد يكون استخراجها أمراً أكثر صعوبة وسيترتب عليه خلل بيئي أكبر.

إن أعمال الاستكشاف تتواصل، إلا أن رحلة التعدين في أعماق البحار لم تبدأ بعد على نطاق تجاري. وتسعى بعض الحكومات والشركات إلى البدء في هذا المجال في المستقبل القريب. ومن الناحية النظرية، يمكن أن يبدأ التعدين في المياه الواقعة تحت السيطرة الإقليمية للبلدان. أما بالنسبة للمياه الدولية، حيث تبدو الرواسب أكثر جاذبية وفائدة، فإن هيئة السلطة الدولية لقاع البحار، التي تتبع الأمم المتحدة، مسؤولة عن وضع التشريعات ومنح التراخيص. في يوليو، انتهت المهلة النهائية للاتفاق حول الكيفية التي يمكن أن يمضي بها التعدين في أعماق البحار قدماً، مما يعني أنه الآن يتعين على هيئة السلطة الدولية لقاع البحار النظر في الطلبات. وهي تعمل على تبني التشريعات التنظيمية بحلول عام 2025. في الوقت نفسه، أيدت دول عديدة التعليق المؤقت لأعمال التعدين، ودعا علماء بريطانيون المملكة المتحدة إلى اتخاذ نفس الإجراء في وقت سابق الشهر الماضي.

ونظراً لمعرفة القليل عن عالم أعماق المحيطات، فسيكون من غير المسؤول البدء بالقفز السريع نحو استغلال حصاد قاع البحار، لا سيّما في ظل غياب وجود قواعد تنظيمية. ويشعر العديد من العلماء بالقلق وتتسرب لنفوسهم المخاوف. فأعماق البحار تُعتبر واحدة من أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً على هذا الكوكب. كما أن ثمَّة مخاوف من تعرض موائل المخلوقات الفريدة والكائنات الحية الدقيقة لخطر التدمير. إذ يمكن أيضاً نشر المركبات السامة والرواسب، فضلاً على إمكانية طرد الكربون المُدمج.

إن موجة الاحتجاجات البيئية تتصاعد، لا سيّما تجاه عمليات التنقيب في منطقة المحيط الهادئ الغنية بالمعادن. وعلى أية حال، لا تزال الآلات اللازمة للتعدين في قاع البحار في طور النشوء والتكوين، ولا تزال جدواها التجارية موضع شك. ومع ذلك، فإن التكاليف البيئية والاقتصادية المترتبة على الفشل في تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية معروفة جيداً. وإذا كانت أعماق البحار قادرة أيضاً على دعم وتسريع التحول الأخضر، فإننا بحاجة إلى فهم أفضل للأضرار المحتملة لمثل هذا التعدين.

وفي نهاية المطاف، تنطوي المشاريع البرية على مخاطرها الخاصة، بدءاً من استغلال عمالة الأطفال وصولاً إلى الانبعاثات الضارة والأضرار البيئية. وسيتسبب استخراج المزيد من النيكل أيضاً إزالة مساحات شاسعة من الغابات المطيرة ذات التنوع البيولوجي في إندونيسيا. وفي الوقت نفسه، سيحتاج المعدنون المحتملون إلى إثبات أن تقنيتهم تعمل فعلياً وأنها اقتصادية، وقادرة على التخفيف من الأضرار البيئية، وتقدير المخاطر بشكل دقيق. وفي كلتا الحالتين، تحتاج الهيئة الدولية لقاع البحار إلى تسريع خارطتها للطريق لوضع المعايير واللوائح التنظيمية. كما يجب تجنب التعدين غير القانوني. يظل تمويل البحوث من أجل تقييم المخاطر البيئية والاختبار الدقيق للآلات والاستكشاف أموراً مهمة.

إن ثمَّة الكثير من الأسئلة حول استغلال أعماق بحارنا؛ ويتعين البحث عن إجابات عاجلة لهذه الأسئلة.

Email