من المتوقع استقرار الأعمال في عام 2024 بعد أربع سنوات من التقلبات. ينتظر مصرفيو وول ستريت بلهفة أن يؤدي انتعاش نشاط عقد الصفقات إلى رفع المكافآت والروح المعنوية بعد أكثر من عام من الركود، لكن يرون أن العودة إلى ذروة الصناعة في عام 2021 لا تزال بعيدة المنال.
فحتى بالنسبة لنشاط مثل الخدمات المصرفية الاستثمارية التي تتسم دائماً بالتقلب بين القمة والقاع، اعتبرت السنوات الأربع الأخيرة شديدة الوطأة، فقد ارتفعت الرسوم في شركات مثل جولدمان ساكس وجيه بي مورجان تشيس ومورجان ستانلي على إثر النشاط المتزايد بقوة لاندماج الشركات وزيادة الأسهم واكتتابات الديون في عام 2020 خلال جائحة فيروس كورونا لتصل بعد ذلك إلى مستويات قياسية في عام 2021، لكن نشاط الخدمات المصرفية الاستثمارية انخفض بشدة في عام 2022 عندما بدأت البنوك المركزية حملاتها القوية لرفع أسعار الفائدة.
وقال جلين شور، المحلل المصرفي في إيفركور: «يحاول الناس فهم الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه الرسوم المجمعة، فبعد أن دفعت وول ستريت مكافآت قياسية لنهاية العام في 2021، أظهرت بيانات مراقب ولاية نيويورك أن المدفوعات انخفضت العام الماضي بأكبر معدل منذ الأزمة المالية على خلفية انخفاض بنسبة 95 % في المبالغ التي تم جمعها في الاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة، وانخفاض بنسبة 40 % في قيمة الصفقات الأمريكية.
واستمر هذا الانخفاض حتى عام 2023، مع انخفاض رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد من الزمن. لكن هناك سلسلة من الصفقات الأخيرة غذت التفاؤل بأن عام 2024 سيكون نقطة تحول بالنسبة للصناعة، وذلك إثر عودة المصرفيين العاطلين إلى العمل مرة أخر.
وفي سبتمبر الماضي، وشهد إدراج شركة آرم والذي شهد إقبالاً كبيراً في بورصة ناسداك دفع نحو 105 ملايين دولار للشركات القائمة على اكتتاب شركة تصميم الرقائق، أن استحواذ شركة سيسكو على شركة صناعة البرمجيات سبلانك مقابل 28 مليار دولار يعني تحقيق أرباح جيدة للمستشارين.
ووفقاً للمسؤولين التنفيذيين، فإنه من الغير المرجح أن يبدو الوضع الطبيعي الجديد مماثلاً لدورات الانتعاش والكساد الشديدة التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية، ويشيرون إلى أنه بدلاً من ذلك إلى الفترة التي سبقت ظهور كوفيد 19 مباشرة كنقطة مرجعية لمستويات الميزانيات، ومكافآت الموظفين.
وقال دان ديس، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية العالمية والأسواق في بنك جولدمان ساكس: بالنسبة للمستقبل المنظور، ربما لا يكون عام 2021 هو العام النموذجي على المدى القريب. إن الوضع الطبيعي الجديد أعلى من مستوى 2018 و2019، إنه مرتبط بسوق الرسملة والناتج المحلي الإجمالي، وكلها عند مستويات أعلى.
وكانت المرة الأخيرة التي واجهت فيها الصناعة تراجعاً مماثلاً في النشاط خلال الفترة من 2007 إلى 2009، واستغرق الأمر أكثر من عقد من الزمن لعودة إيرادات الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى أعلى مستوى لها قبل الأزمة المالية.
وكما حدث عند إعادة تشكيل الصناعة في عام 2008 مع انهيار بير ستيرنز وليمان براذرز، فقد جلب هذا العام اضطرابات كبيرة في القطاع مع بيع بنك كريدي سويس لمنافسه يو بي إس والقيادة الجديدة في بنك باركليز، مما أدى إلى خروج عدد عملاء البنك البريطاني.
وتغتنم بعض البنوك ذلك كفرصة للحصول على حضور أكبر في الصناعة. وقالت شركة جيفريز ومقرها نيويورك، إنها تهدف إلى توسيع صفوف مديريها الإداريين من ما يزيد قليلاً على 200 في عام 2020 إلى أكثر من 360 بحلول عام 2024، وذلك على الرغم من انخفاض إيرادات الخدمات المصرفية الاستثمارية للأشهر الثلاثة حتى نهاية أغسطس بنسبة 2 % عن العام السابق. وقال بريان فريدمان، رئيس جيفريز: «إن هذا يمثل بصفة أساسية رهاناً على قدرتنا على زيادة حصتنا في السوق».
وسيصدر المنافسان الأكبر جولدمان ومورجان ستانلي وجيه بي مورجان بإعلان نتائج الربع الثالث في أكتوبر، وعندها سيراقب المحللون إذا ما كانت هناك علامات لانتعاش النشاط. ويتوقع المصرفيون النمط النموذجي للصناعة، حيث تزداد الرسوم - التي يتم حسابها عادة كنسبة مئوية من سعر الصفقة – تدريجياً بما يتماشى مع الاقتصاد وعمليات رسملة الشركات.
وقال فرناندو ريفاس، الذي تقاعد في سبتمبر من منصب رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في أمريكا الشمالية في بنك جيه بي مورجان بعد عمله ثلاث سنوات في هذا المنصب: «نتوقع أن تعود محفظة الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية إلى طبيعتها في نطاق 80 مليار دولار - 90 مليار دولار، أي أعلى بقليل من عام 2019».
ويمكن أن تؤدي الشركات التي تسعى إلى التوسع والأعمال التجارية الأحدث في مجال الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية والبرمجيات التي تحتاج إلى طرحها للاكتتاب العام إلى انتعاش الرسوم. وممكن أن يكون هناك حافز آخر يتمثل في انتعاش نشاط مجموعات الأسهم الخاصة الكبيرة، والتي تعتبر مصدراً كبيراً لرسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية منذ الأزمة المالية، والتي تأثرت تأثراً كبيراً في الأشهر الـ 12 الماضية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتوقعات الاقتصادية غير المؤكدة.
وقال ريفاس: «لقد كان الرعاة أكثر هدوءاً قليلاً في الآونة الأخيرة بسبب عدم اليقين في الاقتصاد الكلي لكنهم سيعودون». ومع ذلك، يخشى البعض من أن الإجراء الأخير الذي اتخذته البنوك المركزية لرفع تكلفة الاقتراض بدرجة كبيرة يهدد بإضعاف نشاط الاندماج ومنع العودة إلى طفرة الصفقات التي شهدتها الأعوام الخمسة عشر الماضية.
وقال كريستيان بولو، المحلل المصرفي في شركة اوتونومس للابحاث: «لقد شهدنا 10 أو 15 عاماً من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية». «يمكنك شراء أي شيء بدين منخفض وتجعله تراكمياً، ومن المنطقي أن نتوقع أثراً سلبياً بسبب ارتفاع معدلات الفائدة.
وتوفر الولايات المتحدة نحو 50 % من رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية، وذلك وفقاً لبيانات شركة ديلوجيك، لكن النهج القوي لمكافحة الاحتكار الذي تتبعه إدارة بايدن ولجنة التجارة الفيدرالية برئاسة لينا خان يشكل مصدراً لمزيد من القلق لصانعي الصفقات. وعلى الرغم من أن خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، خسرت العديد من قضايا مكافحة الاحتكار البارزة منذ توليها المنصب في عام 2021، إلا أن المصرفيين يخشون أن مقاومتها الكبيرة لعمليات الاندماج قد يكون لها تأثير مخيف.
والأسبوع الماضي، رفعت لجنة التجارة الفيدرالية أول دعوى قضائية لمكافحة الاحتكار في عهد خان، متحدية عمليات الاستحواذ المجمعة من قبل مجموعات الأسهم الخاصة. ورغم ذلك، يتوقع المصرفيون أنه سيكون هناك ما يكفي من الصفقات لجعل عام 2024 أكثر مدعاة للتفاؤل.
وقال فريدمان من «جيفريز»: ربما تكون مكافحة الاحتكار أكبر عامل مثبط لعمليات الاندماج والاستحواذ، ولكن هذا لا ينطبق إلا على عدد صغير من الفئات، والقوى الإيجابية ستطغى في النهاية».