في خريف عام 2008، اتصل الخبير الاقتصادي محمد العريان، الذي كان يعمل آنذاك في شركة إدارة الاستثمار بيمكو بالولايات المتحدة، بمنزله ليطلب من زوجته سحب الحد الأقصى اليومي من المبلغ النقدي من حسابهما. أصبح من الواضح له حينها، حسبما كتب، أن النظام المصرفي كان على وشك الانهيار- وهو خوف مشروع، كما تأكد لاحقاً.

والآن تبدو الأزمة المالية الكبرى التي شهدتها الفترة 2008 - 2009 وكأنها قد ولت منذ زمن بعيد؛ فالجائحة، وصدمات الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، والتضخم العنيد، كل ذلك جعلها ذكرى بعيدة.

رغم ذلك، وكما يوضح رسم بياني مذهل حول الأزمة الدائمة، فإن الأصول التي تحتفظ بها البنوك المنهارة في عام 2023 والتي تبلغ 532 مليار دولار، تتجاوز أصول البنوك التي انهارت في عام 2008 والتي بلغت ملياراً و562 دولاراً، مع حسابات تعديل التضخم.

إن النظام المالي العالمي لم يخرج بعد من دائرة المشكلات والصعوبات، فالأزمات العصيبة لا تزال تتوالى واحدة تلو الأخرى: هذه هي فكرة كتاب «الأزمة الدائمة. كوفيد19، الصراع، الجغرافيا السياسية». أضف إلى ذلك التأثير الناجم عن استمرار الظواهر الجوية القاسية (بينما أكتب هذا، نيويورك تغمرها الفيضانات وتعيش في حالة الطوارئ) كما أن الصراعات الجيوسياسية مشتعلة، وصناع السياسات بشكل دائم في وضع يشبه فرق مكافحة الحرائق. هذا كله يجعل التحسينات المنهجية في السياسة، والإدارة المدروسة للمخاطر، أقرب إلى المستحيل.

رغم ذلك، فإن لهجة هذا الكتاب متفائلة. إن مؤلفيه الثلاثة ــ وهم: رئيس وزراء ومستشار سابق للمملكة المتحدة، وخبير اقتصادي مالي بارز (وزميل لي في كامبريدج)، وخبير في الاقتصاد الجزئي حائز على جائزة نوبل ــ لديهم تشخيص وخطة من ثلاثة أجزاء.

المشكلة الأولى التي حددوها هي اختفاء النمو الاقتصادي منذ منتصف الـ 2000، مع وجود اختناقات بالعرض في قلب المشكلة. وكتبوا أن «نماذج النمو التي ركزت بشكل ضيق للغاية على الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية قد تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها».

ويؤدي هذا إلى المشكلة الثانية: السياسات غير المناسبة لإدارة اقتصاد يواجه مثل هذه التحديات المتعلقة بالعرض. ويقولون إن «الاستثمار العام المدعوم بتقاسم المخاطر المالية مع الحوافز المناسبة، وعند الضرورة، وضع تنظيم أكثر ذكاء، يشكل أهمية أكبر بكثير من أي نموذج نيوليبرالي تم الاعتراف به من قبل على الإطلاق». ويوضحون أيضاً أن التدخلات ضرورية لتعزيز التماسك الاجتماعي والاستدامة.

أما المشكلة الثالثة التي ربما توضحها صعوبة التوصل إلى اتفاق دولي بشأن المناخ والتنوع البيولوجي، فتتلخص في الحاجة إلى إدارة اقتصادية دولية جديدة في عصر قومية متجددة. ويأتي برنامجهم لتحسين الإدارة الاقتصادية أيضاً في ثلاثة أجزاء.

أولاً، يتعين على صناع السياسات أن يتحلوا بعقل متفتح. ومن الأمثلة الواضحة على الفشل في القيام بذلك هو تأخر بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة بسبب وجهة نظره الضيقة بأن صدمة التضخم كانت عابرة.

والخطوة الثانية هي تعزيز هيكل السياسات. والرواية التحذيرية التي يقدمونها هنا هي أداء ليز تراس الكارثي خلال توليها منصب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة، مع غياب التنسيق المالي والنقدي (رغم أن بنك إنجلترا قام بعمل فعال في إدارة الأزمات).

الخطوة الثالثة هي: «كن مستعداً لإظهار القيادة». ويخشى المرء أن يكون هذا أمراً صعباً على أرض الواقع في بلدان عديدة، على الأقل بالمعنى المستنير المقصود.

ويقول المؤلفون إن العامل الأخير في هذا الثلاثي هو الحاجة إلى نهج متجدد في التعامل مع الحوكمة والتنسيق الدولي، مع إجراء إصلاحات في منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، وإعادة رسملة البنك الدولي، وأن يمارس صندوق النقد الدولي المزيد من القيادة الاستراتيجية.

ويقترح المؤلفون أيضاً توسيع مجموعة العشرين لتشمل بشكل دائم دولاً مثل نيجيريا وسنغافورة وفيتنام، والحصول على قيادة أكثر منهجية - والابتعاد عن نظام يقوم فيه كل رئيس جديد بالمداورة بوضع أجندة مختلفة كل عام.

ويقترح المؤلفون أيضاً توسيع مجموعة العشرين لتشمل بشكل دائم دولاً مثل نيجيريا وسنغافورة وفيتنام، والحصول على قيادة أكثر منهجية - والابتعاد عن نظام يقوم فيه كل رئيس جديد بالمداورة بوضع أجندة مختلفة كل عام.

وباستعارة التشبيه بفن كينتسوجي الياباني، حيث يتم إصلاح الفخار المكسور بالذهب بحيث تظل الإصلاحات مرئية، فإنهم يقدمون مقترحاتهم بوصفها «عكس الراديكالية». ومع ذلك، وحسبما تشير الخلاصة، فإن عدم التعاون الدولي أصبح هو القاعدة الجديدة، فالأسعار لا تزال تواصل الارتفاع، ومن المرجح أن يجعل التقدم التكنولوجي البشر زائدين عن الحاجة بدلاً من أن يعزز قدراهم، كما أصبحت الكوارث البيئية حدثاً يومياً. ومع ذلك، فهم يؤكدون: «يمكن القيام بذلك».

وعلى النقيض من ذلك، فقد تركني الكتاب لأشعر بتشاؤم أكبر كثيراً. فمن بين الأشياء الممتنعة حالياً هو الحاجة إلى التأييد للسياسات المعقولة والتدريجية. إلا أنه من الصعب أن نتصور هذا في البيئة الحالية.

على سبيل المثال، أصبحت السياسات الخضراء محوراً للانقسام السياسي في بلدان عديدة، إلى الحد الذي يعتقد فيه رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك أن التدخل في القرارات المتعلقة بحدود السرعة على الطرق هو أمر يجعله يفوز بالأصوات.

والعلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، وبين الصين والاتحاد الأوروبي، وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كلها مشحونة بالتوتر. وهناك مناطق أخرى للصراع المحتمل. لذا كنت أود أن أقرأ المزيد عن الاقتصاد السياسي للبرنامج الذي يروج إليه كتاب الأزمة الدائمة. وما إذا كانت هناك «لجنة جديدة لإنقاذ العالم» - وكما أشارت مجلة تايم إلى لاري سمرز، وألان جرينسبان، وروبرت روبين بعد أزمة مالية أعمق، أزمة عام 1998 - فإن المؤلفين الثلاثة لهذا الكتاب سيكونون أفضل المرشحين بالنسبة لي.

ولكنهم على حق في الاعتراف بأن السياسة تهيمن الآن على التحليل الاقتصادي. وبالنظر إلى أن نموذج النمو القديم أدى بالفعل إلى حالة من الجمود، فإن الناس في أجزاء كثيرة من العالم يبحثون عن حلول أخرى.

وباستعارة التشبيه بفن كينتسوجي الياباني، حيث يتم إصلاح الفخار المكسور بالذهب بحيث تظل الإصلاحات مرئية، فإنهم يصفون مقترحاتهم بأنها عكس الراديكالية. ومع ذلك، فإن عدم التعاون الدولي أصبح هو القاعدة الجديدة، والأسعار لا تزال في ارتفاع، ويبدو أن التقدم التكنولوجي من المرجح أن يجعل البشر زائدين عن الحاجة، وأصبحت الكوارث البيئية حدثاً يومياً. ومع ذلك، يكتبون: «يمكن القيام بذلك».

رغم ذلك، تركني الكتاب أشعر بمزيد من التشاؤم. فمن بين الأشياء الصعبة حالياً الحاجة إلى حشد التأييد السياسي حتى للسياسات المعقولة والتدريجية. وهو أمر يصعب تصوره في ظل البيئة السائدة حالياً.

وحتى السياسات الخضراء، على سبيل المثال، أصبحت محوراً للانقسام السياسي في بلدان عديدة، ووصل الأمر إلى حد الذي يعتقد فيه رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك أن التدخل في القرارات المتعلقة بحدود السرعة على الطرق هو أمر يجعله يفوز بالأصوات.

كذلك، فإن العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، وبين الصين والاتحاد الأوروبي، وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باتت كلها مشحونة بالتوتر. وهناك مناطق أخرى للصراع المحتمل. لذا كنت أود أن أقرأ المزيد عن الاقتصاد السياسي للبرنامج الذي يروج إليه كتاب الأزمة الدائمة. وما إذا كانت هناك «لجنة جديدة لإنقاذ العالم» – ومثلما رشحت مجلة تايم لاري سمرز، وألان جرينسبان، وروبرت روبين بعد أزمة مالية أعمق.. أزمة العام 1998 - فإن المؤلفين الثلاثة لهذا الكتاب سيكونون أفضل المرشحين بالنسبة لي.

ولكنهم على حق في الاعتراف بأن السياسة تهيمن الآن على التحليل الاقتصادي. وبالنظر إلى أن نموذج النمو القديم أدى بالفعل إلى حالة الأزمة الدائمة، فإن الناس في أجزاء كثيرة من العالم يبحثون عن حلول أخرى.