تنظيم الفضاء يتطلب تعاوناً حكومياً دولياً

ستة عقود من عمليات إطلاق الأقمار الصناعية أدت إلى إحاطة الأرض بهالة من النفايات الفضائية | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«نحتاج إلى جريتا للفضاء». كان هذا تعليقاً بحسن نية من جانب مسؤولة بريطانية خلال قمة بنيويورك حول الاستدامة في الفضاء خلال صيف 2023. وكانت المسؤولة تشير هنا إلى جريتا ثونبريغ الناشطة التي ألهمت احتجاجات تغير المناخ في شتى أنحاء العالم. وقد جاء هذا التصريح ليسلط الضوء على حاجة الإنسانية للانتباه والإدراك فيما تواصل التوسع في آخر حدودها. وأضافت المسؤولة قائلة: «إذا أراد أي شخص أن يكون جريتا الفضاء، فليقف الآن. رجاء».

إن هذه المناشدة من ريبيكا إيفرندن، مديرة قسم الفضاء بوزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا بالمملكة المتحدة تأتي لتؤكد مدى سوء إدارة الحكومات للأصول الفضائية التي يعتمد عليها الكثير من جوانب حياتنا المعاصرة، مثل الاتصالات العالمية.

فلقد أدت ستة عقود من عمليات الإطلاق إلى إحاطة الأرض بهالة لكنها من النفايات الفضائية، التي تهدد الأقمار الاصطناعية شديدة الأهمية، وتؤدي إلى تدهور البيئة خارج كوكب الأرض.

وخلال الأسبوع الجاري، قامت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، وللمرة الأولى، بمعاقبة شركة «دش نتوركس» وفرضت عليها غرامة قدرها 150 ألف دولار؛ لفشلها في التخلص بشكل مسؤول من قمر اصطناعي للبث خرج من الخدمة، لكن هذه الغرامة تبدو مثيرة للشفقة إذا ما قورنت بإيرادات شركة دش التي تبلغ نحو 16.7 مليار دولار سنوياً.

وباستثناء الحظر المفروض على اختبارات الأسلحة النووية في الفضاء، فإن التزامات الشركات والحكومات فيما يخص ما وراء مدار الأرض تبقى غامضة وغير ملزمة طبقاً لاتفاقيات الفضاء الخارجي.

إن هذا الغموض يبدو الآن تهاوناً في ظل الاهتمام الجنوني والمتجدد بالفضاء من جانب والدول على حد سواء. وأي مسعى لحماية الكون، سواء من الاكتظاظ بالأقمار الاصطناعية أم التعدين على القمر على أساس الفائز على كل شيء، يتطلب عملية جدية للتفاوض الدبلوماسي والقانوني، وليس مجرد صوت احتجاجي وحيد يتردد في الفراغ.

إن قمة الأمم المتحدة للمستقبل التي ستعقد في إندونيسيا العام المقبل والتي من المقرر أن تناقش قضية حوكمة الفضاء يجب أن تكون محوراً من محاور عملية لإعادة الأمور إلى نصابها.

فمع انخفاض أسعار الأقمار الاصطناعية فقد زادت أعدادها بصورة كبيرة، بسبب انخفاض أسعارها، بما في ذلك المجموعات الكبيرة المترابطة من هذه الأقمار. وفي نهاية عمرها التشغيلي يسقط الكثير منها تلقائياً في الغلاف الجوي للأرض حيث تحترق، فيما يتم إسقاط عدد قليل للغاية من الأقمار الاصطناعية المتبقية أو تحويلها إلى «مدارات المقابر».

ومنذ إطلاق روسيا قمر سبوتنيك عام 1957 والعام 2012، تم وضع نحو 150 قمراً اصطناعياً في الفضاء سنوياً، ثم ارتفع الرقم إلى 600 في عام 2019 وإلى 1200 في العام التالي، وما يقرب من 2500 في عام 2022.

وقالت وكالة ناسا إنه من بين حوالي 11 ألف قمر صناعي تم إطلاقها في المدار، تبقى منها نحو 60 %، ولا يعمل منها سوى 35 % فقط. وربما تسقط قطع من هذه الأقمار، ما يؤدي إلى تناثر حطام يتحرك بسرعة تتراوح بين 10 و15 كيلومتراً في الثانية تقريباً، وكل جزء متساقط يمكن أن يؤدي إلى تحفيز سلاسل تعاقبية، مما يجبر الأقمار الاصطناعية النشطة على القيام بمناورات لتجنب الاصطدام بها. وكان على محطة الفضاء الدولية تفادي هذا الحطام أكثر من 30 مرة. كما قامت بعض الدول بتفجير أقمارها الاصطناعية كطريقة لتحذير منافسيها.

ولا توجد آلية متفق عليها لتنظيم حركة الأقمار الاصطناعية أو إزالة الحطام، حتى بعد إطلاق دول مثل: مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية برامجها الفضائية الخاصة.

وقد صرحت الوكالة الفضائية الأوروبية: «يبدو أن سلوكنا غير مستدام على المدى الطويل.

وفي حين أن ازدحام المدارات والحطام الفضائي يشكلان إحدى المشكلات الماثلة أمام عملية الحوكمة، فإن المشكلات تتفاقم بسبب تزايد الرغبة في النهب ورحلات الاستكشاف المأهولة للفضاء السحيق. وتعد ناسا والصين والهند وروسيا وغيرها ممن يأملون في استخراج المعادن الثمينة من القمر مثل المعادن الأرضية النادرة أو الهيليوم 3، والذي يعتبر نظيراً يمكنه تشغيل المفاعلات النووية دون إنتاج نفايات. ولكن حتى الآن لا توجد قواعد متفق عليها بشأن استخراج المعادن من القمر».

أما بالنسبة للاستكشاف المستقبلي المأهول، فإن الاستعمار خارج كوكب الأرض أصبح حديثاً روتينياً للمليارديرات الذين تخدم شركاتهم الفضائية الخاصة الوكالات الوطنية.

ويحلم إيلون ماسك، الذي تعد شركته «سبيس إكس» متعاقدة مع وكالة ناسا، بمستعمرة مريخية يقطنها مليون ساكن. ولجعلها صالحة للعيش اقترح تدمير الصفائح الجليدية الموجودة به. كذلك وضع جيف بيزوس الذي يملك شركة «بلو أوريجن» المنافسة، تصورات لمستعمرات بشرية داخل أسطوانات معدنية عملاقة تدور وتطفو عبر الفضاء.

وقد تعرضت هذه الأجندة التكنولوجية الطوباوية التي تطلق عادة نقاشات عامة حول استكشاف خارج كوكب الأرض تعرضت للانتقاد في العام الماضي في كتاب «استروتوبيا».. العقيدة الخطيرة لسباق الشركات للفضاء للشركات، والذي قامت بتأليفه ماري جين روبنشتاين، أستاذة العقيدة والعلوم في جامعة ويسليان في ولاية كونيتيكت.

ويشير إلى الحماس شبه الديني الذي يتمتع به «المنقذ الفضائي» ماسك وأتباعه: وفيه يصرخ أغنى رجل في العالم: بأن كوكب الأرض محكوم عليه بالفناء، واعداً المؤمنين بالخلاص في مكان آخر. وليس هو الصوت الوحيد الذي يهم هنا، إذن ماذا عن شعب النافاجو الذي يعتبر العوالم الأخرى مقدسة؟ ولذلك لا ينبغي لنا الانتظار للتضحية بجريتا الفضاء، وانتظار جدل متصيدي وسائل التواصل الاجتماعي حول إجراء القرعة، بل ما نحتاجه هو حكومات تتمتع بالقدر الكافي من الشجاعة لوضع قواعد جديدة للفضاء تحترم الجميع وتعود عليهم كلهم بالفائدة.

* كاتبة ومعلقة علمية

كلمات دالة:
  • FT
Email