تعاني اليونان من تداعيات التأثيرات المدمرة للإعصار «دانيال» على واحدة من أكثر صادراتها شهرة، جبن «الفيتا» إذ تتم صناعة نحو 40 % من الجبن الطري في البلاد من حليب الأغنام والماعز الذي يتم إنتاجه في منطقة «ثيساليا» الوسطى، وهي المنطقة التي دمرتها الفيضانات التي اجتاحت العديد من دول البحر الأبيض المتوسط أخيراً.

لقد فقد المزارعون اليونانيون ما يقدر بنحو 80 ألف رأس من الماعز والأغنام في الكارثة، كما أنه بات من الصعب الحفاظ على الحيوانات الباقية على قيد الحياة وسط ارتفاع منسوب المياه وندرة الأعلاف. وفيما يعاني المزارعون من الدمار الذي طال سبل عيشهم، تؤثر التداعيات على الصناعة في المنطقة.

وقال كريستوس أبوستولوبولوس، رئيس اتحاد صناعات الألبان اليونانية: «تتمثل الضربة الأكبر في كون العديد من مربي الماشية في المنطقة يقولون إنهم لا يريدون العودة إلى ممارسة مهنتهم بعد الفيضان».

ويتوقع المزارعون خسائر بملايين اليورو جراء الإعصار «دانيال»، وهو الأسوأ التي يضرب البلاد منذ ما يقرب من قرن فقد سقط أكثر من 700 طن من الأمطار لكل فدان خلال 12 ساعة فقط في 7 سبتمبر، وهو ما يقرب من ضعف الكمية التي تهطل عادة على أثينا في عام كامل. وشهدت اليونان وفاة 16 شخصاً بسبب الفيضانات وغمرت المياه نحو ربع الأراضي المستخدمة للزراعة والإنتاج الصناعي في «ثيساليا» - وربما لن تكون الأرض خصبة للزراعة لسنوات طويلة مقبلة. كما تدمرت مئات المباني، إلى جانب العديد من الجسور وأجزاء من شبكات السكك الحديدية والطرق في البلاد.

ويحذر المحللون من التأثير طويل الأمد للإعصار على الاقتصاد. وقال يانيس كاراسترجيوس، المستشار الزراعي في المنطقة «الجميع يتحدثون عن كلفة الفيضانات. في غضون أشهر قليلة، ستكون هناك ردود فعل متسلسلة تؤدي إلى انهيار الشركات الصغيرة بشكل خاص».

وأضاف إنه بخلاف الماشية التي نفقت، لن يكن من الممكن إصلاح العديد من المخازن والمستودعات، حيث فقد المزارعون أطناناً من العلف.

وأضاف : «تم تدمير سنوات من العمل الشاق في يومين. وليس من السهل إعادة إنشاء المخازن والمستودعات وتكوين قطعان من الصفر». وتنتج اليونان نحو 140 ألف طن سنوياً من جبن الفيتا، وتصدر نحو 65 % من الإنتاج.

وحسبما يتوقع كريستوس أبوستولوبولوس: «سيواجه المنتجون معضلة كبيرة قريباً، حيث سيكون إنتاجهم من الحليب أقل كثيراً». وقال إن هؤلاء المنتجين سوف يركزون على أسواق التصدير، قائلاً «سيتعين عليهم اختيار المكان الذي يرسلون إليه منتجاتهم. وسيعني ذلك أن العجز سيكون أكثر وضوحاً في اليونان». وتتخذ أكبر شركة لتصنيع جبن «فيتا» في اليونان وهي «هيلينيك ديريز»، «تريكالا» في شمال غرب «ثيساليا» مقراً لها.

وكان على الشركة أن تتوقف عن الإنتاج لمدة أسبوعين بعد أن غمرت المياه والطين ماكينات الإنتاج، مع أضرار تقدر بنحو 25 مليون يورو. وقد أعيد افتتاح المصنع بعد ذلك. واعترف ستيليوس سارانتيس، المدير التجاري لشركة «هيلينيك ديريز»، بأن الشركات الكبيرة مثل شركته ستضطر إلى تحمل جزء من الخسائر. وقال: «في كل عام، نقوم بتوفير التمويل لمربي الحيوانات.. هذه المرة المبالغ التي سنقدمها ستكون أكبر.. ليس لدينا خيار آخر».

وكانت أسعار جبن «الفيتا» قد ارتفعت بالفعل بنحو 40 % في العامين الماضيين بسبب التضخم، وهو ما أفضى إلى انخفاض الطلب المحلي 10 %. وبالنسبة لسارانتيس، فإن هذا الانخفاض سيكون كافياً لمقابلة النقص في الإنتاج. وقال «سيكون هناك كمية أقل من الفيتا لكنني لا أعتقد أنه سيكون هناك أي نقص». وقال صانع آخر لجبن «الفيتا»، وهو نيكولاوس بيزيوس، من شركة «بيزيوس لصناعة الألبان»، إن أسعار الجبن قد ترتفع أكثر إذا زادت تكاليف العلف. وقال: «إنها معادلة صعبة تحتاج إلى حل، حيث غمرت المياه المحاصيل والمصانع والأعلاف».

وبينما تتضح أكثر ملامح الصورة بالنسبة للتكلفة الإجمالية للأضرار الناجمة عن الإعصار، قالت المفوضية الأوروبية إن أثينا يمكنها أن تستفيد من تمويل طارئ يصل إلى 2.25 مليار يورو، وقال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إن الاقتصاد القوي للبلاد سيساعدها على «تحمل تكاليف إعادة الإعمار». وقد خصصت اليونان مبلغاً إضافياً للميزانية قدره 600 مليون يورو لتلبية احتياجات التمويل الفورية لمواجهة الأضرار الناجمة عن الفيضانات.

وأضاف ميتسوتاكيس إنه ستتم مضاعفة حساب الاحتياطي الخاص بالكوارث الوطنية اعتباراً من العام المقبل إلى 600 مليون يورو، وسيتم تمويله من خلال زيادة ضريبة الإشغال على الفنادق الفاخرة.

لكن الوعد بالمساعدات لا يقدم سوى القليل من العزاء للشركات الزراعية التي أصبحت لا تثق بتعامل السلطات مع الكوارث الطبيعية. وكانت اليونان خصصت 200 مليون يورو لإعادة الإعمار الإقليمي والوقاية من الفيضانات في مناطق مثل ثيساليا عندما ضربتها عاصفة أقل قوة عام 2020.

وتساءل فاسيليس باتسياليس، وهو أحد كبار منتجي القمح والقطن في مدينة «كارديتسا» غرب «ثيساليا»: لابد أن يتحمل أحد ما المسؤولية. خطأ من كانت هذه الكارثة؟ وماذا حدث للأموال التي تم تقديمها قبل بضع سنوات والتي كان من المفترض أن تحمينا من العواصف المستقبلية؟ ويتردد صدى هذا الشعور بالعجز في جميع أنحاء المنطقة. وقال فوتيس باتونيس، رئيس رابطة مربي الماشية في «بالاماس»، القرية اليونانية الأكثر تضرراً من الإعصار«دانيال»: «هذه هي المرة الثانية التي نكون مطالبين فيها بإعادة بناء قطعاننا». «في الفيضان السابق، غرقت مواشينا وغمرت المياه أراضينا، لكننا تمكنا من النجاة». وبالإضافة إلى الماعز والأغنام المفقودة، يتعين على السكان المحليين الآن التعامل مع الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنازلهم علاوة على تدمير المعدات والآلات الزراعية.

وقال باتونيس: «أخبرني العديد من زملائي أنهم لا يملكون الدافع للبدء من جديد.. هذه المرة قد تكون الكارثة غير قابلة للإصلاح». وأضاف «العديد من المنتجين المحليين على استعداد لترك قراهم والانتقال إلى المدن. كل هذا يتوقف على مقدار المساعدة التي ستقدمها الحكومة لهم».