خفض المصنعون الصينيون الأسعار هذا العام في ظل الضعف الذي يعتري الاقتصاد المحلي، ما يمكن أن يعني بعض الارتياح للمتسوقين الغربيين الساعين لشراء هدايا عيد الميلاد هذا العام. وضغط بطء النشاط الاقتصادي وتراجع قطاع العقارات في البلاد المثقل بالديون، على أسعار السلع وقلل تكاليف المدخلات.

واستعاد المنتجون الصينيون قدراً من مزايا التكلفة التي فقدوها لصالح أماكن أرخص في العقد المنصرم، وهو ما يعود إلى انخفاض قيمة اليوان الذي سجل أدنى مستوياته منذ 16 عاماً أمام الدولار الأمريكي في سبتمبر.

وقالت إيفن باي، المحللة لدى «تريفيوم تشاينا»: «بالنسبة للمتسوقين لعيد الميلاد في أوروبا وأمريكا الشمالية، أود القول إن وضع العرض الأوسع في الصين هذا العام أفضل كثيراً عما كان عليه في الأعوام القليلة الماضية». وذكرت أن انخفاض تكاليف الشحن وانتهاء سياسة «صفر - كوفيد» والقدرة الفائضة في قطاع المعادن والمواد الخام المحلية، عوامل تنبئ بقيود أقل على الإمدادات الصينية من السلع المصنعة. وصرح فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين المختصين بالشأن الآسيوي لدى «إتش إس بي سي»: «نشهد ازدياداً للضغوط الانكماشية في سوق السلع، وهو أمر رائع للمستهلكين الغربيين الذين يأملون في الشراء».

ذكر نيومان أن تراجع تكاليف المدخلات يمتد من تراجع النشاط في قطاع العقارات الصيني الذي يجابه أزمة في السيولة وانخفاض أسعار المنازل، إلى قطاعات ذات صلة مثل الأجهزة المنزلية والأثاث. وتابع أن انحسار النشاط في قطاع التشييد دفع إلى خفض أسعار السلع، خصوصاً الصلب، ما أسفر عن تداعيات على المصنعين الذين يستهلكون كميات كبيرة من المعدن. ويميل المصنعون الصينيون إلى إنتاج الجزء الأكبر من طلبيات عيد الميلاد بين شهري مايو وأكتوبر، حتى يكون بالإمكان وضع البضائع على الرفوف في الوقت المناسب لذروة التسوق في ديسمبر.

وكان مؤشر أسعار المنتجين، الذي يقيس تغيرات أسعار البضائع التي يبيعها المصنعون، انخفض للشهر الـ 11 على التوالي في أغسطس. كما انكمشت تكاليف مدخلات المواد الخام، التي يقيسها المؤشر الرسمي لمديري المشتريات لقطاع التصنيع، لثلاثة أشهر متعاقبة من أبريل وحتى يونيو، قبل ارتفاعها مجدداً في كل من يوليو وأغسطس. وفي الوقت ذاته، تراجعت أسعار إنتاج المصانع بين مايو 2022 ويوليو من هذا العام ما عدا شهر واحد، وفق مؤشر مديري المشتريات الرسمي.

وألقت المخاوف بشأن ازدياد تكلفة المعيشة في الولايات المتحدة وأوروبا بظلالها على الطلب على البضائع الصينية، ما أدى إلى خفض بعض المصانع للأسعار أو بحثها عن أسواق جديدة في آسيا. و«ترغب المصانع في البقاء، لذا تخفض الأسعار مرة تلو الأخرى من أجل تلقي المزيد من الطلبيات من الخارج»، وفق ما أفادت به جيني تسي، وهي مديرة تسويق لدى «ويغا هونغ كونغ»، التي تصنع سماعات رأس وأجهزة للألعاب لعلامات تجارية أجنبية تشمل «سينهايزر» في مصنع مملوك بالكامل في مقاطعة شينزين إلى جانب مصانع متعاقد عليها. أضافت تسي أن «ويغا» خفضت أسعار بعض السلع بأكثر من 20 % مقارنة بالعام الماضي.

وقال جيسون وونغ، مساعد مدير للتجارة الإلكترونية لدى شركة اللوجستيات «جانكو»، وتتولى أعمال مناولة البضائع المصدرة عن طريق هونغ كونغ، إن تقديراته تشير إلى خفض المنتجين الصينيين الأسعار بما يتراوح بين 5 % و7 % هذا العام، مرجعاً ذلك جزئياً إلى السعي لإغراء علامات تجارية تحت ضغط «تقليل مخاطر سلاسل التوريد»، من خلال الحصول على المنتجات من دول أخرى. أوضح وونغ «إنهم يفضلون الحصول على هامش أقل وبيع المزيد على الإبقاء على هوامشهم والحصول على طلبيات أقل».

ولفتت آني شيونغ، كبيرة المدراء لدى «واه لونغ تويز» التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها وتصنع بضائع لصالح «ديزني» وعلامات أخرى في ثلاثة مصانع بالصين، إلى أن انخفاض تكاليف العمالة والمواد الخام مكن الشركة من خفض أسعارها قرابة 2 % هذا العام. وأوضحت أن الضغوط الغربية على الشركات لـ «تقليل مخاطر سلاسل التوريد» إلى جنوب شرق آسيا قد زادت من خطر فقدان العملاء.

وقد فقدت الصادرات الصينية، التي كانت بمثابة شريان حياة اقتصادي في فترة طفرة الإلكترونيات الاستهلاكية إبان الجائحة، فقدت زخمها هذا العام، فانكمشت بنسبة 14.5 % في يوليو، وهي أكبر نسبة خسارة منذ بداية الجائحة، وتراجعت 8.8 % إضافية في أغسطس.

وترنح الاقتصاد الأوسع بدوره، فحقق نمواً لا يزيد على 0.8 % في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو، مع تراجع أداء المصانع وتلاشي الانتعاش المتوقع في قطاع الخدمات. وأشار مايكل لو، رئيس شركة «براذرز بوكس» المنتجة لصناديق الهدايا، إلى أن «الاقتصادين العالمي والمحلي كانا متباطئين هذا العام، لذا فإن أعمالنا شهدت تراجعاً هي الأخرى». وتوظف الشركة 240 عاملاً في مصنع بمدينة دونغوان وتقوم بعمليات توريد لعلامات مثل «نستله» و«ماركس آند سبنسر». وأضاف لو أن إيرادات الطلبيات في فترة ما قبل عيد الميلاد انخفضت بحوالي 20 % مقارنة بالعام الماضي.