الدولار في نادي العملات السلعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتغير العلاقات بين أسعار الأصول مع تطور الاقتصادات، وغالباً ما يتم ذلك بطريقة هادئة قد تفاجئ المستثمرين. وهذا هو ما حدث بالفعل لأسعار النفط والدولار، فالتغير في هذه العلاقة التاريخية يتردد صداه على نحو متزايد عبر الاقتصادات والأسواق العالمية، ما يضع مستوردي النفط بالأسواق الناشئة في موقف لا يحسدون عليه.

تعود العلاقة «الجديدة» بين الدولار والنفط إلى عقود من الزمن، وهي نتاج لسنوات من البحث والابتكار في مجال النفط الأمريكي. وقد ساعدت الأساليب الجديدة في الإنتاج، لا سيما التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي، الولايات المتحدة على التحول من مستورد كبير فحسب، إلى مُصدِّر أساسي للغاز الطبيعي اعتباراً من عام 2017، بل وأصبحت أيضاً مصدراً أساسياً للطاقة بشكل عام منذ عام 2019، كما أصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي. ولكونها مصدراً لهذه السلع الأساسية، فإن هذا يعني بطبيعة الحال انضمام الدولار إلى نادي «العملات السلعية».

واليوم، وبطريقة مشابهة للظروف التي شهدناها في حالة الدولار الكندي أو الكرونة النرويجية، تعمل أسعار النفط المرتفعة على تحسين شروط التبادل التجاري للبلاد، وتوفير قدرٍ من دعم العملة. ولكن خلافاً لأعضاء ناديه الآخرين، فإن الدور الكبير الذي يلعبه الدولار في أسواق العملات العالمية، يعني أن مثل هذه القوة غالباً ما تحدث أصداء عالمية كبيرة وغير مرحب بها.

وعلى وجه التحديد، فإن العلاقة بين النفط والدولار اليوم، تعني قدراً أكبر من الألم بالنسبة لمستوردي الطاقة، وخاصة في الاقتصادات الناشئة. فهي تواجه ارتفاع تكاليف الاستيراد، في حين يؤدي ارتفاع الدولار إلى تقويض عملاتها المحلية، ما يزيد من مخاطر التضخم والاستقرار المالي. وجاء الارتفاع الأخير في أسعار النفط الخام، مع ارتفاع خام برنت أكثر من 20 % منذ أواخر يونيو، على خلفية الطلب المرن، ولكن ربما الأهم من ذلك، هو الشعور المتزايد بأن العرض سيظل مقيداً في المستقبل المنظور. وفي هذا الصدد، قادت المملكة العربية السعودية الجهود الدولية، حيث مددت تخفيضات الإنتاج الاختيارية حتى نهاية هذا العام في محاولة لدعم الأسعار.

ووفقاً لما أعلنته بلومبرغ، فقد أعقب ارتفاع أسعار النفط ارتفاع قيمة الدولار كذلك. وفي الواقع، فقد ارتفع مؤشر «دي إكس واي» للدولار مقابل العملات الرئيسة بأكثر من 6 %، بين منتصف يوليو ومنتصف أكتوبر. وبطبيعة الحال، تتأثر العملات بعدد من العوامل، من بينها الاتجاهات التي تمثل عاملاً واحداً فقط في شروط التجارة. وفي حالة الدولار، عكست القوة الأخيرة دور أسعار النفط في إثارة المخاوف من انخفاض التضخم في الولايات المتحدة بشكل أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، وهو ما يزيد بدوره من الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي، لحمله على الإبقاء على أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.

وهذه الثلاثية: ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وقوة الدولار- هي آخر ما ترغب العديد من البلدان في حدوثه في الوقت الراهن. وينطبق هذا بشكل خاص على مستوردي الطاقة في آسيا، حيث يواجه النمو بالفعل تحديات مرجعها حالة التباطؤ الناجمة عن تعثر الصين، بينما تقدم كوريا الجنوبية، وهي واحدة من أكبر مستوردي النفط الأساسيين في العالم، نموذجاً جيداً للدراسة. فأسعار السلع الاستهلاكية لديها ارتفعت في سبتمبر بأعلى معدل لها في خمسة أشهر، مدفوعة بشكل رئيس بأسعار السلع الأساسية، في حين أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة ثابتة. وفيما يعاني قطاع التصنيع من الضعف بالفعل، يركز المسؤولون بشكل أكبر على خفض التضخم، مع توجيه اهتمام خاص إلى العملة، وقد اعتاد المركزي التدخل بانتظام لمنع «الوون» من الضعف، وبالتالي، رفع تكاليف الاستيراد. وفي الشهر الماضي فقط، خسر الوون نحو 2 % مقابل الدولار، على الرغم من استنفاد البنك المركزي للاحتياطيات بنحو 4 مليارات دولار (أي 1 % من إجمالي الاحتياطيات)، وذلك وفقاً لبيانات بلومبرغ.

وفي حين يجب على المستثمرين الأخذ في الاعتبار العلاقة الهيكلية المتطورة بين الدولار والنفط، عندما يدرسون ظروف الدولة، فمن المهم أيضاً تذكر أن الارتباط بين النفط والدولار سيظل متفاوتاً على مدى فترات زمنية أقصر، اعتماداً على العوامل التي تهيمن على كل أصل من الأصول المطروحة. وبينما يتركز الحديث اليوم على إمدادات النفط، خاصة في ضوء احتمال حدوث اضطراب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، فإن التركيز يمكن أن يتحول بسهولة غداً إلى انخفاض الطلب، حالة كان التأثير المتأخر لتشديد السياسة النقدية العالمية أكثر قسوة.

ومن المفارقة هنا، أن انخفاض أسعار النفط، رغم أنه قد يلحق الضرر بشروط التجارة الأمريكية، قد لا يكون كافياً لإضعاف الدولار بشكل مستدام وملموس. والأمر المهم تاريخياً أيضاً، هو ما إذا كان المستثمرون العالميون يرون أن مخاطر الركود الأكبر سبب لزيادة التداول على الأصول الأمريكية السائلة مثل سندات الخزانة. وكثيراً ما ساعدت مثل هذه المشتريات في دعم الدولار خلال فترات الركود الاقتصادي، ومع ذلك، فإن الخلل الوظيفي المستمر في حكومة الولايات المتحدة، والمخاوف المتزايدة بشأن القدرة على تحمل الديون، تعني أننا يجب أن ننتبه إلى احتمال حدوث تغيير هيكلي آخر في العلاقة، وهذه المرة بين الدورات الاقتصادية، والطلب على سندات الخزانة، وانعكاس نتيجة ذلك من خلال أداء الدولار.

كلمات دالة:
  • FT
Email