ينبغي أن يترك الأمر للمحاكم الجنائية لتقرر مستقبل سام بانكمان- فرايد، والذي ينفي التهم المختلفة الموجهة إليه. الآن، أنا أقل اهتماماً بما ارتكبه من أفعال محددة بقدر اهتمامي بنظرته للعالم، والتي تعد نوعاً من الشوفينية الرياضية.

إحدى الأفكار التي يطرحها مايكل لويس في كتابه الجديد عن بانكمان- فرايد هي عدم ثقة المرء بما لا يمكن قياسه كمياً. وعلى سبيل المثال، ريادة شكسبير المزعومة في الأدب، ما احتمالات أن يكون أعظم الكتاب قد ولد عام 1564؟ وذلك نقلاً عن بانكمان- فرايد الذي تساءل مستشهداً بوجود مليارات الأشخاص الذين ولدوا منذ ذلك الحين، والنسبة الأعلى منهم من المتعلمين. هذه هي «السوابق البايزية» (نسبة إلى العالم توماس بايز) وآمل ألا أواجه أبداً حالة أكثر استفزازاً من التفكير المجرد الذي يعيق الملاحظة العملية.

قبل عام، وبالتحديد في نهاية الأسبوع، سقطت ليز تراس، المتغطرسة ببراعتها في الرياضيات، والتي كانت تهاجم زملاءها بأسئلة الحساب الذهني، سقطت من منصبها كرئيسة وزراء المملكة المتحدة، وكادت أن تهوي بالاقتصاد معها في أثناء السقوط. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً النهاية القاتمة لسياسات الأغنياء المنحازين للكرملين، فنستطيع أن نقول إن هذه الأوقات هي الأكثر إحراجاً للشوفينيين المتعصبين للرياضيات منذ عهد روبرت ماكنمارا، وهو رجل حتى ملامحه كانت تبدو هندسية، وهو الذي أوغل بأمريكا في عمق حفرة فيتنام بسبب البيانات.

المشكلة ليست في الرياضيات نفسها، التي يتجنب جميع طلابها ومدرسيها تقريباً أن يصبحوا متغطرسين يتسمون بالفظاظة، بل إنني أحيي هذه المادة ذات الطابع العالمي التي لا تتطلب الكثير من اللغة أو آداب الاتيكيت. ولا يوجد مناظر في الكلاسيكيات أو تاريخ الفن لقيام أحد مُحاضري جامعة كامبريدج بدعوة موظف في مدينة مادراس الهندية بناءً على قوة أوراقه، مثلما فعل جي إتش هاردي مع عالم الرياضيات الهندي سرينيفاسا رامانوجان.

ورغم أنها ليست طريقة للتفاوض في مناحي الحياة، فإن نقاء الفكر الديكارتي له فوائده. إن فكرة بانكمان- فرايد بمنح دونالد ترامب رسوماً مقابل عدم الترشح للرئاسة (يذكر لويس في كتابه أنها 5 مليارات دولار) هي الفكرة الثاقبة الوحيدة الذي قرأتها في مجال السياسة مؤخراً. وقد تأخر حقاً التحول في الاتجاه نحو الرياضيات، والتخلص من وصم البارعين فيها بافتقاد الفطنة، مع شعور بأنها قد أصبحت الآن مادة الأبطال.

أتذكر عندما كانت أفضل مكانة يمكن أن يصل إليها من يعملون بالرياضيات هي التعامل مع العملاء في الخدمات المصرفية الاستثمارية، والتي لم يكن معظم نجومها علماء رياضيات على الإطلاق. لكن المشكلة هي أن المجتمعات تبالغ في تصحيح الأفكار، وهو ما يتضح جيداً فيما يتعلق بالرياضيات. كانت أهم الشركات في العالم هي تلك المتخصصة في استخراج النفط (مثل شل، إكسون موبيل) أو التصنيع (فورد، ميتسوبيشي)، بينما الآن أصبح المجال الأهم هو الاستثمارات المالية (بلاك روك، جي بي مورغان) أو التكنولوجيا الرقمية (جوجل، فيسبوك).

لقد أفسحت الشركات التي كانت تقدر الرياضيات الطريق للشركات التي تسيطر الرياضيات على كل شيء بها، حيث تكون هي جوهر منتجها، ومن ثم أصبحت تعين كوادرها بناء على تفوقهم في الرياضيات، الأمر الذي يحفز الجيل التالي على اختيار مسارهم التعليمي وفقاً لذلك. والنتيجة هي طبقة عليا رائعة وإن كانت صغيرة، تسمح لمهارتها الفائقة في تخصص أكاديمي واحد بتشكيل نظرتها الأوسع للعالم.

إن عالمية الرياضيات تشجع هؤلاء على التوسع بثقة خطيرة خارج حدودهم. ولاحظوا أنني قلت: «الثقة». ولكن لا يحتاج المرء إلى قوى روحانية عظيمة ليشعر بأن العكس هو الأقرب للحدوث، إذ تكمن جذور شوفينية المتفوقين الرياضيات في شغف طفولي نحو اليقين، أو على الأقل الاحتمالات المرجحة، في أثناء مرورهم بتجارب البالغين.

إنه الرعب من فوضى الحياة. وغالباً ما تكون الغطرسة أقرب إلى الخوف من غيره، وعلى الرغم من التباهي الفكري لبانكمان- فرايد وعدم شعور تراس بالخجل، فإن ما يذهلني بشأنهما هو عدم قدرتهما على خوض غمار الحياة دون التحصن وراء الإيمان المطلق.

من حيث البنية والنظام والنمط، فإن ما يثير السخرية، أو المأساة، هو أن بانكمان- فرايد كان يستطيع الحصول على بعض من هذا من الأدب، الذي تتمثل «رسالته» النهائية في أن الطبيعة البشرية هي التي تغلب عبر الزمان والمكان، وأن هناك شكلاً ما للفوضى في البقاء على قيد الحياة. إنه لم يشعر بأي شيء - خجل أو حب أو طموح- لم يذكره شكسبير بلغته الخالدة.

وربما يكون الشعور بخلود الأشياء قد حرر بانكمان- فرايد من وهم أن التنكر في ملابس طفل عملاق، أو التعالي على الناس لأن قيمتهم المفترضة لم تكن عالية بما فيه الكفاية، هي حيل ذكية لم يفكر بها أحد من قبل بطريقة أو بأخرى. والدرس النهائي هنا موجه للمستثمرين، حيث إن احتمالات أن يكون لدى شخص ولد في عام 1992 رؤى استعصت على أكثر من 100 مليار إنسان عاشوا منذ بدء الخليقة إلى الآن، إن لم تكن صفراً، فهي ضئيلة، مثل سوابق توماس بايز.