أوروبا تظل نقطة ضعف التكتل الغربي

من دون الاستعانة بمصادر للبحث عن الإجابة، هل بإمكان قراء الصحيفة تحديد اسم كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي؟ أو «الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للتكتل»؟ هل بإمكان حتى واحد من بين 10 قراء الإجابة؟ إن كان الرد بلا، فليس هذا خطأ جوزيب بوريل نفسه، فهو شخص عنيد بما يكفي، وأعطى كل ما لديه للوظيفة في فترة مضطربة.

المشكلة فقط أن مبعوثاً لـ 27 دولة، ولا يجمع معاً سياساتها الخارجية، ليس حقاً إذا ما تحدثنا عن التجارة، ليس بمبعوث على الإطلاق.

ويُعد التجزّؤ سبباً وراء الضعف الغريب للاتحاد الأوروبي، وهو تكتل يضم عدداً أكبر بكثير من السكان مقارنة بالولايات المتحدة، كما أن نصيبه من الناتج العالمي ينافس حصة الصين عند القياس بأسعار الصرف الحالية.

وقبل بيان الأسباب الأخرى، تجدر بنا معرفة مدى هذا الضعف. نعم، إن الاتحاد الأوروبي، بالدول المكونة له، وبريطانيا، يبذلون الغالي والنفيس لمساعدة أوكرانيا، وتُعد ألمانيا مانحة بارزة للمعدات، وليس التمويل فحسب.

لكن مستقبل هذه الدولة المعتدى عليها، التي تربطها حدود بالاتحاد الأوروبي، يتوقف إلى حد كبير على عشرات الآلاف من الأصوات الانتخابية المتأرجحة في منطقة حزام الصدأ الأمريكي «المنطقة المتداخلة العليا شمال شرقي الولايات المتحدة، والبحيرات الكبرى وولايات الغرب الأوسط، ومعها جورجيا (ليست الدولة التي تقع الكائنة جنوب بلاد القوقاز)، وأيضاً ولاية أريزونا.

وكنت حاولت عبر هذه الصفحات في سبتمبر، التنبؤ بالسياسات الخارجية لإدارة ثانية لدونالد ترامب، بينما في الواقع لا يزال مصير أوروبا، منذ خطة مارشال، يتحدد خارج حدودها.

وحتى إسرائيل، التي تبعد قرابة 200 ميل بحري عن قبرص، العضو بالاتحاد الأوروبي، تتطلع إلى واشنطن أكثر من عواصم القارة الأوروبية مجتمعة. وهكذا، فإن اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، في ما يتعلق بمنطقتها ذاتها وما حولها، صار مألوفاً للغاية في الوقت الراهن، إلى حد أنه أصبح جزءاً من خلفية السياسة العالمية، وفقدنا معه الشعور بمدى غرابته الكبيرة.

إن من شأن تبني سياسة خارجية أكثر تركزاً أن يكون داعماً. ولكن بافتراض حلول هذه «اللحظة الهاملتونية»، فماذا ستعني؟ هل تأتي بإدارة أفضل للموارد غير الكافية؟ وهي بالمناسبة المشكلة الثانية التي تواجه أوروبا.

إن الجيوش الأشد بأساً في أوروبا، هي البريطانية والفرنسية. تعاني واحدة منهما من خدمات عامة متهالكة، وأعباء ضريبية مرتفعة، وفق معاييرها الخاصة، فضلاً عن كم ضخم من الديون أسفر عن صراخ شديد بالسوق، عندما حاولت اقتراض المزيد.

أما الأخرى، فقد شهدت حكومتها أقوى الاحتجاجات منذ عام 1968، عندما رفعت سن التقاعد من 62 من 64 عاماً. وتعالوا بنا نضيف لكل ذلك، المأزق الألماني. فقد اعتمد النموذج الاقتصادي لألمانيا على الغاز الروسي، بصفته مُدخلاً رئيساً للإنتاج، وعلى الصين كسوق للعملاء والمستهلكين.

وبذلك، يعد من الخيال أن تتمكن أوروبا من تمويل موقف دفاعي قوي على نحو دائم. ينطوي هذا الوضع على نمو ضئيل للغاية على مدى فترة شديدة الطول، ويؤدي بدوره إلى إيرادات مالية قليلة لتغطية الكثير من النفقات. ومع أن الناتج المحلي الإجمالي ليس كل شيء، لكنه يمثل كل شيء تقريباً، بما في ذلك الموت والحياة.

ستلاحظون أن هاتين المشكلتين، التجزّؤ المؤسسي وضعف الإنفاق على الدفاع، هما مشكلتان عمليتان. وقد افترضت في ما سبق أن وجود قوة أوروبية عظمى، ستفعل أشياء جيدة، لكن فقط إذا أمكن إنجاز ترتيبات روتينية.

فهل يتحقق ذلك؟ إن واشنطن كثيراً ما تفترض أن أسوأ عادة ذهنية في أوروبا، هي السذاجة الداعية للسلمية. رغم أن ذلك، انتفى في أغلبه منذ فترة. لا يوجد بين صفوف ذوي الأهمية بالاتحاد الأوروبي من يعتقد في إمكانية استعادة العالم من خلال البراعة الدبلوماسية والدعم الاقتصادي، أو قوة القدوة (حتى أن السويد تسعى إلى الانضمام لحلف الناتو).

لا، المشكلة أكبر من ذلك، وهي تكمن في أقلية كبيرة من الساسة والناخبين الذين يفكرون بعبارات استراتيجية صعبة، لكن ميولهم سوداوية مظلمة.

لا يشبه العبء داخل أوروبا، المتمثل في أوكرانيا، ذلك الذي يشكّله مبدأ «أمريكا أولاً»، الآخذ في التنامي داخل الكونغرس. ولسبب واحد، حيث إنه غالباً ما يكون مُوجهاً ضد الولايات المتحدة. هناك تيار فكري داخل أوروبا، يميل إلى البحث عن تكيف مع شكل من الأشكال المقبولة لما يوازن القوة الـ «أنغلوساكسونية».

ويعود قدر من هذا إلى اعتقاد صادق في أن النظام متعدد الأقطاب أكثر عدلاً. ولكن على أي سابقة يستند ذلك؟ وهناك أشكال أكثر تفاهة من هذا.

تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست القوة الرئيسة في الحياة الفكرية الأوروبية، لكنها تمتد يميناً ويساراً، وتعود أصولها إلى حرب السنوات السبع (جرت بين عام 1756 م وعام 1763 م. وشاركت فيها بريطانيا وبروسيا وهانوفر ضد كل من فرنسا والنمسا وروسيا والسويد وسكسونيا)، وهي الحدث الأقل خضوعاً للنقاش في التاريخ الحديث، رغم أنه جعل البلدان الناطقة بالإنجليزية، هي التي تصوغ العالم وتشكله، على حساب الناطقة بالفرنسية.

وفي خريف العام الجاري، تمكّن حزب التجمع الوطني، الذي تقوده مارين لوبان، من سداد قرض روسي قديم . فقد كانت فكرة أوروبا الجيوسياسية ستتخذ شكلاً مختلفاً، إذا كان وقع السيناريو الذي لا يمكن استبعاده، وهو شغلها منصب رئاسة فرنسا. ولا يسعنا هنا إلا أن نتساءل، ما إن كان عدم أهمية أبرز منصب دبلوماسي في أوروبا محرجاً، أم باعثاً على الارتياح الكبير.

الأكثر مشاركة