استحوذت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (وهي اقتصادات أسواق ناشئة تشتهر باسم بريكس) على 19% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على أساس تعادل القوة الشرائية، في العام 2001.

في الوقت الراهن، تبلغ الحصة التي تشمل دولاً من المقرر أن تنضم إلى التكتل 36%، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 45% مع حلول 2040، أي أكثر من ضعف حصة اقتصادات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى المتقدمة.

يقود الصعود السريع لمجموعة دول «بريكس» إلى تغيير الاقتصاد العالمي. وتحظى الدول الأعضاء، بصفة عامة، بديمقراطية وحرية أقل مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، ويمكن أن يسفر الثقل الاقتصادي المتنامي عن تحول هائل في النفوذ. رغم ذلك، يفتقر التكتل للتجانس، وهو ما سيقف حجر عثرة في طريق الأهداف الطموحة لبعض دول المجموعة، مثل منافسة الدولار الأمريكي على دوره المهيمن عالمياً.

من حسابات النمو إلى مشروع سياسي
بدأ مسمى مجموعة دول «بريكس» عندما وضع جيم أونيل، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «غولدمان ساكس» آنذاك - معيارين للحصول على العضوية، أولهما أن يكون لدى البلدان اقتصاد كبير فعلياً، وأن تكون مستعدة للنمو بسرعة. برزت في الواجهة البرازيل وروسيا والهند والصين. وفي مكافأة إضافية شكلت الحروف الأولى من أسماء هذه الدول اختصاراً للتكتل جاذبيته.

برهنت الفكرة على نجاحها الهائل؛ فقد حققت مجموعة دول «بريكس» الأصلية نمواً رائعاً خلال العقد الأول من القرن الحالي. وفي مثال غير معتاد من الناحية الجيوسياسية اتحدوا لتشكيل تكتل انضمت إليه جنوب أفريقيا عام 2010، بناء على توصية وردت في مذكرة بحثية من أحد بنوك «وول ستريت».

خلال أغسطس من السنة الجارية دعت مجموعة دول «بريكس» 6 بلدان أخرى للانضمام إلى التكتل وهي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

لا يوجد اختصار جديد لاسم المجموعة الاقتصادية، لكن يحتمل تعديل الاسم إلى «بريكس+» (+BRICS). كما يوسع الملتحقون بالمجموعة معايير العضوية الأصلية التي وضعها «أونيل»، لكن يبقى هناك مرشحون آخرون مؤهلون أكثر خارج التكتل.

إندونيسيا، مثلاً، لم تنضم بعد إلى مجموعة «بريكس+»، لكن اقتصادها أكبر من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويرجح أن تتفوق في نموها على اثنتين من الدول الثلاث. تفوقت كل من نيجيريا وتايلند على إيران في معياري «أونيل». وتتقدم المكسيك وتركيا على الأرجنتين. ينطبق الأمر ذاته على بنغلاديش إذا ما قورنت مع إثيوبيا.

المعنى واضح. يرتبط توسع مجموعة دول «بريكس» بالاقتصاد بدرجة أقل وبالسياسة بدرجة أكبر. وبالنسبة لمحركات التوسع، يتصل الأمر بتحدي هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلص من الدولار بوصفه العملة الرئيسية على مستوى العالم، وإنشاء مؤسسات بديلة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث يقع مقراهما الرئيسيان في واشنطن.

الثقل الاقتصادي 
هل بإمكان مجموعة دول «بريكس» بلوغ هذا الهدف؟ تحظى المجموعة بمزايا عدة، وهي الحجم والتنوع والطموح.

أولاً، تعد «بريكس» الموسعة أكبر فعلاً من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. خلال 2022، مثل التكتل 36% من الاقتصاد العالمي، مقابل 30% لمجموعة الدول المتقدمة اقتصادياً. تشير توقعاتنا إلى أن توسع القوى العاملة والمجال الضخم المتاح للحاق بركب التطور التكنولوجي سيوسع حصة «بريكس+» إلى 45% مع حلول 2040، بالمقارنة مع 21% لاقتصادات مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. وعملياً، ستتبادل «بريكس+» ومجموعة السبع المواقع في الحجم النسبي حتى 2040. وسيعني التمتع بثقل اقتصادي التمتع أيضاً بنفوذ سياسي.

ثانياً، ستضم عضوية التكتل بعضاً من أكبر الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم (المملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة وإيران) وبعض من أكبر مستورديه (الصين والهند). وفي حال نجح اعتماد عملات غير الدولار لتسوية بعض صفقات النفط، فقد يؤثر ذلك بطريقة غير مباشرة على حصة العملة الأمريكية من التجارة الدولية واحتياطيات النقد الأجنبي عالمياً.

ثالثاً، بات واضحاً أن إضعاف هيمنة الدولار يعد أحد طموحات «بريكس+». فقد سعت الصين كثيراً إلى تدعيم دور اليوان في التجارة العالمية. ودعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا التكتل إلى إيجاد بديل للدولار الأمريكي، بينما ترى روسيا أن توجيه عملية إعادة التنظيم الاقتصادي نحو الصين والابتعاد عن أوروبا يشكل خياراً عقلانياً وحيداً فيما تستمر في حربها على أوكرانيا. وبسبب العقوبات تبيع موسكو النفط فعلياً للصين باليوان.

قطع غير متجانسة
رغم ذلك، بالنظر لما هو أعمق من السطح، تواجه مجموعة «بريكس+» أيضاً بعض التحديات المستقبلية.

تعد «بريكس+» كبيرة فعلاً وآخذة في النمو؛ لكن مشكلة الديون في الصين والحركة التصحيحية في سوق العقارات تعني أن أحد المحركات الرئيسية للمجموعة يتبدد. ويعزى بروز التكتل خلال القرن الحالي بطريقة هائلة إلى قصة نمو اقتصاد بكين المذهل بمتوسط 9% سنوياً خلال الفترة 2000-2019. ويرجح أن تهبط هذه الوتيرة إلى 4.5% خلال عشرينيات القرن الحالي، و3% في الثلاثينيات منه و2% بالعقد الرابع. كما أن الهند قد تعاني من ركود بقدر ما، لكن لا يرجح أن يوازي صعودها الاقتصادي ولا طموحها السياسي ما تحظى به الصين.

توسعة «بريكس» 

وتضم «بريكس» دولاً مصدرة للنفط ومستوردين له لعضويتها، لكن بعضها يجري صفقات النفط بالدولار الأمريكي. يربط البلدان المنتجان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عملتيهما بالدولار ويحتاجان لاحتياطيات بالعملة الأمريكية لدعم وضعيهما المالي. حتى من دون ربط، تفضل غالبية البلدان - ما لم تكن خاضعة لعقوبات على غرار إيران أو روسيا - المدفوعات بالدولار باعتباره وسيلة التداول الأكثر قبولاً في التجارة الدولية.

وهناك تردد في مجموعة دول «بريكس» عن الترويج لعملة بديلة. فروسيا لا ترغب في الحصول على الروبية من الهند مقابل نفطها، بسبب عدم رغبتها بتكديس مدخراتها في الهند. لكن ماذا لو سددت الهند المدفوعات لروسيا باليوان الصيني؟ هنا تبرز المنافسة الجيوسياسية بين نيودلهي وبكين؛ حيث إن الأولى لن ترغب في الترويج لاستخدام اليوان الصيني في التجارة العالمية.

أخيراً، يفتقر التكتل الموسع إلى توافق الآراء والتلاحم؛ فالهند تعاني من نزاع حدودي متجدد مع الصين. وقد تتفاقم التوترات مع نهوض الهند وتراجع الصين.

استأنفت السعودية وإيران العلاقات الدبلوماسية بينهما أخيراً؛ لكن انقساماً عميقاً تمخض عن حروب بالوكالة قد يتطلب مشقة لجسره. كما وقعت نيودلهي والرياض - مع الإمارات - مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لإنشاء ممر اقتصادي ينافس مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.

تعديل مركز الثقل
ماذا عن المؤسسات البديلة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ مرة أخرى، سيبقى هذا مجرد طموح أكثر منه حقيقة، غالباً. أنفق بنك التنمية الجديد - المؤسسة التابعة لـ«بريكس» المماثلة لعمل البنك الدولي - قدراً ضئيلاً من المال. تعد آلية «ترتيب الاحتياطي النقدي الطارئ» لمجموعة دول «بريكس» - والتي من المفترض أن تكون منافسة لصندوق النقد الدولي - صغيرة ومحدودة الاستخدام.

وتبدو فكرة العملة الموحدة لـ«بريكس»، مع سياسة نقدية موحدة، مستبعدة لا سيما في الوقت الراهن. فالبرازيل تخفض أسعار الفائدة بينما ترفعها روسيا بشدة؛ فيما تحاكي الإمارات والسعودية كل ما يقوم به الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وعندما نرى منطقة اليورو تواجه صعوبات في ظل عملة وسياسة نقدية موحدتين، فقد لا تتمكن مجموعة دول «بريكس» من العثور على عملة موحدة وفق قاعدة «مقاس واحد للجميع» من البداية.

عملة موحدة 

لا يعني هذا أن الصعود المثير للدهشة لمجموعة دول «بريكس» سيخلو من تداعيات ستقع على الاقتصاد العالمي؛ فمركز الثقل سيتحول جهة الشرق والجنوب، حيث تتمتع الحكومات بمستويات ديمقراطية منخفضة التمثيل الشعبي وتتدخل بطريقة أكبر في الأسواق بالمقارنة مع الغرب.

ضمن تجمع دول «بريكس+»، حصلت الأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا وحدها على تصنيف «حرة» من قبل منظمة «فريدوم هاوس» في العام الماضي. الهند حازت على وصف «حرة جزئياً»، بينما وصفت الصين ومصر وإثيوبيا وإيران وروسيا والسعودية والإمارات بـ«غير حرة». وعندما نقيس المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من الدول المصنفة «حرة جزئياً» أو «غير حرة» نجدها قد ارتفعت من 24% في عام 1990 إلى 49% في عام 2022. وتشير توقعاتنا إلى أن هذه النسبة ستزيد إلى 62% بحلول عام 2040.

الأمور تبدو قاتمة أكثر بالنسبة لمناصري الأسواق المتحررة. تصنف منظمة «هيريتيج فاونديشن»، وهي مؤسسة فكرية أمريكية محافظة، كل اقتصادات «بريكس+» تقريباً على أنها «غير حرة في معظمها» أو أسوأ. بينما صنفت اقتصادات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى على أنها «حرة في معظمها» أو «حرة نسبياً».

لكن المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من قبل الاقتصادات المصنفة من «هيريتيج فاونديشن» على أنها «غير حرة في معظمها» أو «مقموعة» قفزت فعلاً من 27% خلال 1995 إلى 44% خلال 2022، وبحلول 2040 تشير توقعاتنا إلى أنها ستصعد إلى 56%.

ستغير مجموعة دول «بريكس» العالم، ولكن ربما يعزى ذلك لحصتها المتنامية من الناتج المحلي الإجمالي والأنظمة السياسية والاقتصادية المتباينة أكثر من تحقيق الخطط الكبرى لصناع القرار.