تعهدت كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بتوسيع التحالف الدفاعي بينهما إلى مدار الأرض، وذلك في منتدى فضائي مشترك عقد منذ أيام قليلة. ويترافق هذا التعهد مع سعي البلدين إلى تعميق التعاون بينهما، رداً على التهديدات المتصاعدة من خصوم بينهم كوريا الشمالية والصين.
واتفقت سيئول وواشنطن على تعزيز شراكتهما في مجالات كالدفاع والتجارة، وكذلك الاستكشاف المدني للفضاء. ويأتي هذا وسط رفع كوريا الجنوبية لسقف طموحاتها الرامية تطوير قدرات مستقلة لإطلاق الصواريخ والمراقبة، مع احتدام سباق الفضاء الآسيوي.
صرح بارك جين، وزير الخارجية الكوري الجنوبي، على هامش المنتدى: «تتزايد النزعة لعسكرة وتسليح الفضاء، مما يحوله إلى لوحة شطرنج جيوسياسية عملاقة». وحققت سيئول تقدماً كبيراً في مجال الفضاء، إذ تفحص مركبة مدارية قمرية غير مأهولة سطح القمر بحثاً عن مواقع للهبوط مستقبلاً. وخلال العام الماضي، أطلقت البلاد قمراً اصطناعياً على متن صاروخ مُطور محلياً، وهو إنجاز لم تصل إليه سوى ست دول، هي روسيا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان والهند، التي أصبحت في أغسطس أول دولة تتمكن من إنزال مسبار على القطب الجنوبي للقمر.
وأكد يون سوك يول، الرئيس الكوري الجنوبي، الطموحات لإنزال مركبة فضائية على سطح القمر بحلول العام 2032، وأخرى على سطح المريخ بحلول 2045. وتهدف سيئول إلى امتلاك 130 قمراً اصطناعياً في الفضاء بحلول العام 2030، بزيادة ستة أضعاف عما لديها اليوم. كما أعلنت كوريا الجنوبية، الأسبوع الماضي، اعتزامها إطلاق قمر التجسس العسكري الأول من نوعه بنهاية الشهر. وبحسب سام ويلسون، كبير محللي السياسة لدى مؤسسة «إيروسبيس»: «بالنسبة لدولة ذات تاريخ متواضع في الفضاء، فإن كوريا الجنوبية بصدد تحقيق قفزة هائلة».
ورغم صلاتهما الأمنية الوثيقة، فلطالما عرقلت الولايات المتحدة الطموحات الفضائية لكوريا الجنوبية. ففي 1971، أصرت واشنطن على لوائح إرشادية تحدّ من قدرات سيئول على اختبار قذائف صاروخية وصواريخ، ووضعت قيوداً على تشارك تكنولوجيا الصواريخ مع كوريا الجنوبية؛ خشية مساعدتها على تطوير أسلحتها النووية. وأجبر ذلك سيئول على الاستعانة بموسكو، كشريكة أساسية، في الفضاء بالعقد الأول من الألفية الجديدة. وطورت روسيا وكوريا الجنوبية مركبة إطلاق تُدعى «نارو-1»، وصلت المدار المنخفض للأرض في العام 2013.
لكن واشنطن رفعت قيودها تدريجياً بين عامي 2017 و2021، مما مهد الطريق أمام سيئول لإطلاق قمر اصطناعي على متن صاروخها «نوري» في العام الماضي. وألغت كوريا الجنوبية بالتالي مجموعة من عقود إطلاق الأقمار الاصطناعية مع روسيا، خاصة بعد فرض عقوبات غربية على موسكو في أعقاب غزوها للأراضي الأوكرانية العام الماضي.
ويُعدّ التحالف الفضائي المتصاعد بين سيئول والولايات المتحدة جزءاً من جهود أوسع، تقودها الأخيرة في المنطقة لتوسيع وتعميق العلاقات الدفاعية للحد من النزعة المتزايدة للصين لتوسيع نفوذها. وأعلنت الولايات المتحدة واليابان هذا العام أن الاتفاقية الأمنية بينهما ستمتد إلى الفضاء، وستحمي واشنطن بموجبها الأقمار الاصطناعية اليابانية من الصواريخ وأسلحة الليزر الروسية والصينية.
وقال أنكيت باندا، خبير الأسلحة النووية لدى مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إن الولايات المتحدة تريد تسهيل طموحات كوريا الجنوبية في إنشاء شبكة من الأقمار الاصطناعية للاستطلاع. وأوضح: «من المُرجح أن واشنطن اعتبرت القدرات الصاروخية الكورية الجنوبية تحمل الكثير من الإمكانيات في مواجهة الصين مستقبلاً».
وسلّط العميد كيم هونغ-تشول، من جامعة القوات العسكرية المُشتركة لكوريا الجنوبية، الضوء على الإدراك المتزايد لسيئول بأهمية الاتصالات عن طريق الأقمار الاصطناعية، مشيراً في هذا السياق إلى النموذج الماثل الذي تقدمه الحرب في أوكرانيا. وقال هونغ-تشول: «تعتبر كوريا الجنوبية قدرات الإنذار والتتبع الصاروخي لأنظمة الدفاع الخاصة بها كأكثر الأصول الفضائية التي يجب على كوريا تأسيسها أهمية»، مضيفاً: «صار الفضاء عنصراً ضرورياً في مسرح العمليات العسكرية».
وأبدت بيونغ يانغ، التي فشلت خلال شهر أغسطس في إطلاق قمر تجسس إلى المدار للمرة الثانية، رد فعل غاضباً إزاء التعاون في مجال الفضاء بين واشنطن وسيئول. واتهمت وسائل الإعلام الحكومية في أكتوبر الولايات المتحدة باستخدام «عسكرة الفضاء» وسيلةً للهجوم على كوريا الشمالية وترسيخ «سيادة عالمية».
من جانبها، كشفت الحكومة الكورية الجنوبية عن تلقيها إشارات على حصول جارتها الشمالية على دعم فني من روسيا لإطلاق قمر تجسس عسكري، بعدما زار كيم جونغ أون، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في قاعدة مطار فوستوشني الفضائية في الشرق الأقصى الروسي خلال شهر سبتمبر.
وذكر يانغ يوك، خبير الأسلحة بمعهد «آسان» للدراسات السياسية، أن ازدياد تطور وتعقيد البرنامج الصاروخي لبيونغ يانغ يعني أنه يتحتم على كوريا الجنوبية ألا تعتمد على أنظمة التتبع والإنذار في الفضاء لكل من الولايات المتحدة واليابان. وأضاف: «يحلل حلفاؤنا أولاً المعلومات ثم يتخذون القرار بما إن كانوا سيشاركوننا إياها أم لا»، وأردف: «نحتاج لأن تكون لنا أعين في الجو ليتسنى لنا التعامل مع التهديد النووي الكوري الشمالي».
وقال سام ويلسون من «إيروسبيس»: إن الشبكة الكورية الجنوبية المُخطط لها، والتي تحمل اسم «كيه بي إس» وتعادل نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي «جي بي إس»، يمكن أن تكون مكملة لقدرات المراقبة الأمريكية.
ولفت إلى أنه: «من شأن التشغيل البيني لنظامي «كيه بي إس» و«جي بي إس»، وتلقي كوريا الجنوبية لحمولات البيانات العسكرية لـ«جي بي إس» على أقمار «كيه بي إس» الصناعية، توفير نظرة أكثر دقة على كوريا الشمالية ومساحات شاسعة من روسيا والصين».
كما ستتيح شبكة «كيه بي إس» للشركات الكورية الجنوبية استغلال الفرص المتاحة باقتصاد الفضاء، والتي تشير تقديرات «مورغان ستانلي» إلى أنها قد تنمو من 350 مليار دولار في 2022 إلى أكثر من تريليون دولار بحلول 2040.
وقال سيو دونغ-تشون، كبير المسؤولين الماليين لدى «كونتك»، وهي شركة كورية جنوبية تقدم خدمات محطات أرضية وصور أقمار اصطناعية: «إن صور الأقمار الاصطناعية، والتي تُستخدم غالباً في الوقت الراهن لأغراض عسكرية، تُطبق على نحو متزايد بقطاعات خاصة عديدة مثل إدارة المدن والموانئ والزراعة».
وثمّة نحو 300 شركة كورية جنوبية خاصة، بينها شركات ناشئة مطورة لمواد مركبة لمصنعي محركات الصواريخ مثل «هانهوا إيروسبيس» و«كوريا إيروسبيس»، تساهم في تطوير قدرات إطلاق صواريخ الفضاء للبلاد. وقد عقدت الحكومة مجموعة من الشراكات بين الشركات العامة والخاصة لنقل المعرفة والخبرات إلى القطاع الخاص.
وذكر دونغ-تشون: «بعدما بدأت الولايات المتحدة تمويل شركات خاصة مثل سبيس إكس وبلو أوريجين، صار من الواضح أن القطاع الخاص سيكون فاعلاً في بحوث وتطوير الفضاء»، مضيفاً: «علينا اللحاق بهذا الركب سريعاً».