لا بد أن إدارة مطار سخيبول طارت فرحاً بعد خروج أنباء عن تعليق الحكومة الهولندية خطة لخفض كبير في أعداد رحلات الطيران اعتباراً من الصيف المقبل؛ لاعتبارات بيئية.

وكانت الخطة واحدة من أكثر التخفيضات حدة للنمو المستقبلي يمكن أن تواجه أي مطار في الأوقات العادية. فقد اقترحت الحكومة خفضاً نسبته 8 % للسعة في ثالث أكثر مطارات العالم ازدحاماً، حتى يتماشى والقوانين الوطنية المتعلقة بحدود الضوضاء والتلوث.

وبدلاً من احتفاله مع شركات الطيران، التي أمضت العام الماضي منهمكة في الطعن على الخطة أمام المحكمة، أعرب رود سونداغ، الرئيس التنفيذي المؤقت لمطار سخيبول، عن قلقه من أن الانتصار لن يستمر سوى لفترة وجيزة. وحذّر سونداغ من أن بعض الأحزاب في هولندا تدرس تخفيضات أكثر قسوة من الخطة السابقة.

ومع «ازدياد غضب السكان المحليين، يمكن أن تؤول الأمور إلى وضع أكثر سوءاً بالنسبة لمطار سخيبول، وقد ينتهي بنا الحال إلى استقبال عدد أقل كثيراً من رحلات الطيران».

ويحق لسونداغ الشعور بالقلق، ليس بسبب غضب السكان المحليين فحسب، بل أيضاً بسبب الجهود الهولندية للمضي قدماً في خطة منذ العام الماضي في مواجهة الدعاوى القضائية التي أثارت نقاشات حول ما إذا كان يحق لصناعة الطيران العالمية مواصلة التمتع بنمو دون قيود رغم انحسار احتمالات تحقيقها هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050.

وقد يكون ذلك نذيراً بسلسلة من النزاعات التجارية، مع اصطدام اتفاقيات الطيران العالمية بالطموحات البيئية والقوانين الوطنية الأوروبية. إن الخطة الهولندية افتقرت للحكمة منذ البداية، إذ كانت تسعى لتسريع إرساء إجراءات للحد من الضوضاء عن طريق وضع «قانون تجريبي»، بجانب الإشراف المعتاد من الاتحاد الأوروبي.

وللإنصاف، كانت الحكومة تقع تحت ضغوط من الجهات التنظيمية، إذ انتهك مطار سخيبول، طيلة أعوام كثيرة، القواعد المتعلقة بمستويات الضوضاء والنيتروجين. لكن مع محاولة الحكومة تسريع الإجراءات، فتح الهولنديون مجالاً أمام ردود فعل انتقامية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية.

ولم تألُ واشنطن جهداً ولم تضيع وقتاً في التهديد بتقييد وصول شركة «كيه إل إم» للمطارات الأمريكية، بعد الكشف عن ضغوط على شركة «جيت بلو» الأمريكية للرحلات منخفضة التكلفة للخروج من مطار سخيبول اعتباراً من أبريل المقبل، بجانب 23 شركة طيران عالمية أخرى.

ومن المتصور إمكانية أن تمتد التدابير الأمريكية الانتقامية لشركات الطيران خارج هولندا، إذ قالت الولايات المتحدة إن الهولنديين انتهكوا اتفاقية الأجواء المفتوحة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، بتقليلهم السعة المتاحة، قبل النظر في كافة الخيارات الممكنة للحد من الضوضاء، وفق ما تتطلبه ممارسات الطيران الدولية.

ولم تكن واشنطن بمفردها صاحبة هذا الموقف، إذ تقدمت كندا وبلدان أخرى بشكاوى. ولا عجب من أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وبعد خروجهم من اجتماع ونظرائهم الأمريكيين منذ أيام، وجهوا تحذيرات للحكومة الهولندية، بالنظر في اتخاذ إجراءات ضدها بسبب ارتكاب مخالفات. لذلك، علقت الحكومة الهولندية، في غضون 24 ساعة، خططها لخفض السعة.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يسفر فيها تدخل أمريكي عن تغيير في التدابير البيئية بأوروبا. فمنذ أكثر من عقد، علّق الاتحاد الأوروبي خططاً تلزم كافة شركات الطيران القادمة والخارجة من دول التكتل باتباع خطة تجارة الانبعاثات الخاصة بها بعد منع واشنطن شركات الطيران الأمريكية من المشاركة.

ومن المستبعد أن تكون هذه الحوادث الأخيرة. ففي أوروبا، يبدو أن المزاج العام والسياسي تجاه صناعة الطيران يزداد تشدداً، مع اقتراب الموعد النهائي لتلبية تعهدات صافي الانبعاثات الصفري. ومن الواضح أن الصناعة لن تفي بوعودها، دون تقدم تكنولوجي جذري، أو زيادة متسارعة في إنتاج الوقود المُستدام للطيران، أو اتخاذ الحكومات قرارات قوية.

وفي ظل توقعات نمو أعداد المسافرين، يشير مشروع تتبع العمل المناخي، وهو مشروع علمي مستقل، إلى احتمالية تضاعف انبعاثات حركة الطيران الدولي بين عامي 2019 و2050 حال عدم اتخاذ خطوات وإجراءات جماعية متسقة.

ونتيجة لذلك، يزداد ميل بعض الساسة نحو عدم تشجيع حركة الطيران غير الضرورية. وضاعفت هولندا الضريبة على ركاب الرحلات الجوية ثلاث مرات اعتباراً من العام الحالي إلى قرابة 30 يورو للرحلة الواحدة. وتقترح الدنمارك فرض ضريبة خضراء على كافة الرحلات الجوية. أما فرنسا، حيث أفادت دراسة حديثة إلى تفضيل غالبية الأفراد في الشريحة العمرية بين 18 و24 عاماً، الحدّ من الرحلات الجوية إلى 4 مرات مدى الحياة، فكانت أكثر حزماً على وجه الخصوص. واقترح وزير النقل في وقت مبكر من هذا العام فرض ضريبة باهظة على رحلات الطيران الخاص.

كما اقترح مؤخراً فرض ضريبة جديدة لجمع الأموال اللازمة لتمويل التوسع بخدمات السكك الحديدية في البلاد. وتشير تقارير إلى دعم كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا لمُقترحات بفرض حد أدنى على رسوم الرحلات الجوية. لذلك، وحسبما يشير كيث غلاتز، نائب الرئيس الأول لمجموعة الضغط «إيرلانيز فور أمريكا»: «هنا تكمن الأهمية الكبيرة لهولندا، فهي تشكّل سابقة في ربوع أوروبا وعلى مستوى العالم».