عندما استضافت فرنسا معرضاً للطاقة النووية للمرة الأولى منذ عقد تقريباً، في أعقاب كارثة مفاعل «فوكوشيما»، لم يحظ باهتمام كبير. وتمثلت جل مخاوف المنظمين منذ عامين في تفادي المحتجين المناهضين للطاقة النووية وتعكيرهم صفو الحدث.

لكن الضجة التي حظي بها المحفل الواسع هذا الأسبوع، على أطراف باريس، كانت واضحة للعيان بلا أدنى شك. فقد حضرت ملكة جمال الولايات المتحدة لعام 2023، وهي طالبة هندسة نووية، للمساعدة في تسليط الضوء على الحدث، الذي شهد عرض قفازات واقية من الإشعاعات، بالإضافة لتصميمات لمفاعلات صغيرة مزودة بأحدث التقنيات.

كانت الرسالة واضحة: الطاقة النووية عادت من جديد. وتهدف فرنسا، وهي الأبرز في مجال الطاقة النووية الأوروبية بما لديها من 56 مفاعلاً، إلى أن تكون في قلب إعادة إحياء الطاقة النووية. وقالت سيلفي بيرمان، السفيرة الفرنسية السابقة لدى الصين وروسيا التي ترأس معرض باريس: «نخرج لتونا من حقبة من المحرمات فيما يتعلق بالطاقة النووية». وأضافت إن صناعة الطاقة النووية بما توفره من تكنولوجيا منخفضة الانبعاثات، تحظى باهتمام للمرة الأولى في قمة الأطراف (كوب 28) المنعقدة حالياً في دولة الإمارات في حدث مخصص لها.

لقد تغيرت الآراء بشأن الطاقة النووية، بعد أعوام من التراجع والركود؛ في ظل المخاوف المتصاعدة المتعلقة بتغير المناخ إلى جانب أزمة الطاقة التي شهدها العام الماضي، حينما انطلقت الحرب الروسية الأوكرانية، وقطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا. وحتى اليابان، موطن مفاعل «فوكوشيما» الذي انصهر في 2011، أعادت تشغيل مفاعلاتها المتوقفة عن العمل، فيما تنظر بلدان أخرى في إنشاء مفاعلات جديدة، ما يمنح الموردين أسباباً إضافية للتفاؤل.

لكن ما يظل غير واضح هو التحول من مرحلة التطلعات إلى عالم الواقع في قطاع يعد فيه بناء المفاعلات مكلفاً وبطيئاً، خصوصاً بعد نزيف العمالة الماهرة من القطاع بعد عقود من غياب المشروعات الجديدة.

وترمي الحملة الترويجية التي تقف وراءها فرنسا ودول أخرى مؤيدة للطاقة النووية، إلى إيجاد حلول لبعض من العقبات الكبيرة. وبحسب رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر المشكلات جسامة هو التمويل، بما في ذلك من الهيئات متعددة الأطراف.

وكانت باريس، المستفيدة للغاية من مكاسب الاتحاد الأوروبي بالحصول على بعض الدعم لمفاعلاتها الموجودة بالفعل، التي واجهت معارضة من قبل ألمانيا المناهضة للطاقة النووية، دعت على سبيل المثال مصرف الاستثمار الأوروبي إلى المساعدة في تمويل بناء مفاعلات جديدة.

وقال غروسي: «بنيت المفاعلات النووية بسرعة شديدة حينما كان التمويل موجوداً»، مستشهداً بالإمارات، التي انطلقت بسرعة الصاروخ، من الصفر إلى امتلاك أربعة مفاعلات ساعدتها كوريا على بنائها في قرابة ثماني سنوات، بتكلفة تزيد على 20 مليار دولار، وتعمل جميعها تقريباً في الوقت الراهن.

ثمة الكثير لإثباته أيضاً من الناحية الصناعية. وتهدف «إي دي إف»، مشغلة الطاقة النووية التي تديرها الدولة الفرنسية، بحسب لوك ريمون، رئيسها التنفيذي، إلى بناء مفاعل واحد سنوياً بقدرة 1.6 غيغاواط تقريباً، بمجرد شروعها في تنفيذ الطلبيات الجديدة لبناء 6 مفاعلات جديدة على الأقل في فرنسا بحلول منتصف العقد المقبل.

ويعد هذا هدفاً طموحاً للغاية، بالنظر إلى النموذج الأولي شمالي فرنسا، المسمى «فلامانفيل 3»، الذي ظل في طور البناء طيلة 16 عاماً. ويرد ريمون بأن المشروعات الموازية من شأنها المساعدة في تحسن أداء «إيه دي أف» وتسريعه، وذلك بعد أن قدمت المجموعة المملوكة للدولة عطاءات لمشروعات في كل من الهند وجمهورية التشيك.

هناك أيضاً تحديات أخرى، فقد ظلت دول كثير معتمدة على الوقود النووي الروسي لسنوات طويلة، بما في ذلك مجموعة المفاعلات الأمريكية، وقد يتطلب الأمر أعواماً عدة لإيجاد بدائل كافية.

وتبلغ حصة الطاقة النووية من مزيج توليد الكهرباء العالمي قرابة 10 % في وقتنا الراهن، لكن تتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقاءه عند هذا المستوى في غضون العشرين عاماً المقبلة، إن لم تقل طفيفاً، ما لم تكن هناك مشروعات أكثر طموحاً لبناء مفاعلات.

ومع ذلك، سلط مطورون الضوء على أن المعركة الحامية الوطيس ستكون في ميدان الحصول على دعم سياسي لمنحهم الرؤية التي يحتاجونها. وإذا ما كانت الرسائل الإيجابية الواردة من باريس بعامل مبشر، فهذا الجزء من المعادلة النووية المعقدة في طريقه إلى الحل.