لماذا وصلت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي؟ يوم الجمعة الماضي، أغلقت أسعار الذهب عند أعلى مستوياتها القياسية، وهو أمر يبدو غريباً بعض الشيء، فعلى مر التاريخ، كانت أسعار الفائدة الحقيقية هي أهم مُتغَير لأسعار الذهب. وتتفاوت القياسات الدقيقة، لكن بغض النظر عن كيفية تقسيمها، نحن الآن نقترب من أعلى مستوى لأسعار الفائدة الحقيقة على الأقل منذ الأزمة المالية. فلماذا ترتفع أسعار الذهب؟
جزء من الإجابة يكمُن في الفروق بين المستويات ومُعدلات التغيُر. إن أسعار الفائدة الحقيقية، باستخدام العائدات على سندات الخزانة المحمية من التضخم لأجل 10 سنوات كمقياس، عالية بكل تأكيد رغم أنها انخفضت بنحو 50 نقطة أساسية منذ ذروتها في أكتوبر. ويبدو أن هذا قد مهَد الطريق لارتفاع أسعار الذهب.
كذلك، فإن التحرُكات الأخيرة في سندات الخزانة المحمية من التضخم عصية على أي تفسير سهل حيث كانت مرونة الاقتصاد سبباً يُشار إليه على نطاق واسع لارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية في سبتمبر وأكتوبر، لذا قد يكون ظهور علامات التباطؤ قد أدى إلى هذا الانعكاس في الأوضاع. وقد تكون أخبار التضخم الجيدة كبحت المخاوف من المزيد من تقلبات التضخم المُستقبلية، وهو سببٌ آخر وراء ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. ومهما يكّن السبب فهذه أخبار جيدة لأسعار الذهب.
ويأتي الدعم الثاني من ضعف الدولار الأمريكي. حيث يُسَعّر الذهب إلى حدٍ كبير بالدولار، مما يعني أن ضعف الدولار الأمريكي يمنح مُشتري الذهب غير الأمريكيين قوة شرائية أكبر. وفي نوفمبر، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 3.5 في المئة، كرد فعل على التوقعات المُتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، ما مثل بشارة لارتفاع أسعار الذهب.
ومع ذلك، لا يبدو هذين التفسيرين، انخفاض الدولار وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، مُرضيّين بشكلٍ كامل. فقد كانت هذه التفسيرات صحيحة في مراحل مُختلفة في وقتٍ سابق هذا العام، بما في ذلك العودة إلى بر الأمان بعد انهيار بنك سيليكون فالي، ولم يتبع ذلك أي ارتفاع كبير في أسعار الذهب. لذا، يبدو أن هناك شيئاً آخر يحدث.
إن الذهب يمثل وسيلة تحوط ضد المخاطر الجيوسياسية، ما يجعل العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تخميناً معقولاً وراء الارتفاع. ففي الأسبوع الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر، قفزت أسعار الذهب بنسبة 6 في المئة. لكن هذا أيضاً لا يعد سبباً حاسماً. ففي الآونة الأخيرة، كان من الواضح تضاؤل حدوث مخاطر إضافية للصراع، ونعني بها نشوب حرب إقليمية أوسع قد تهز الأسواق العالمية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد سعت إيران، كطرف فاعل رئيسي، إلى منع التصعيد.
هناك تفسير أخير، وهو يتعلق بالتغيير الهيكلي في طلب البنك المركزي للذهب. فقد شجعت العقوبات المُتعلقة بأوكرانيا مُديري الاحتياطيات في الأسواق الناشئة على تحويل محافظهم الاستثمارية من أصول بالدولار الأمريكي (والتي تتكون بشكل كبير من سندات الخزانة) نحو الذهب.
وتُشكك (أنهيدجد) لأبحاث السوق في أن هذا يؤشر لنهاية هيمنة الدولار، ولا حتى التغييرات التدريجية بمكانة الدولار بين البنوك المركزية يُمكنها أن تؤثر على سعر الذهب. وكما تظهر بيانات شركة أسليوت ستراتيجي ريسيرش، فإن احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية في تكتل البريكس كانت تزداد بالفعل قبل حرب أوكرانيا.
ووصلت مشتريات البنوك المركزية للذهب إلى مستويات قياسية في عام 2022، وهي في طريقها لتحقيق رقم قياسي جديد هذا العام. كذلك، فإن نشاط تعدين الذهب في طريقه لتحقيق أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2022، استجابةً للطلب المُتزايد.
مجتمعةً، تسير هذه العوامل الأربعة إلى نفس الاتجاه وتشير إلى قصة أكثر اكتمالاً. ومع ذلك، في الوقت نفسه، ما زلنا نجد صعوبة في رؤية نتائج الارتفاع الهائل في أسعار الذهب. وعلى مدار ثلاث سنوات حاول المعدن الأصفر وفشل في تجاوز سقفه البالغ حوالي 2050 دولاراً.
وقد لا تكون القوى التي تدعمه الآن كافية لمواصلة رفع الأسعار. نعم، ارتفاع الطلب من جانب البنوك المركزية واضح بشكلٍ جيد، وقد تضاءلت المخاطر الجيوسياسية، لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يُمكن أن تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية.