الصين تواجه مخاطر حلقة مفرغة من الديون والانكماش

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبير اقتصاديي آسيا في بنك مورجان ستانلي

في عام 2002 ألقى بن برنانكي، والذي كان محافظاً للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك، خطاباً سلط فيه الضوء على أهمية إبقاء الانكماش الاقتصادي تحت السيطرة. حينها اختتم حديثه قائلاً: «يمكن للانكماش المستدام أن يكون ذا أثر تدميري على الاقتصاد الحديث، لذلك يجب مقاومته بشدة».

قد لا يبدو مثل هذا التحذير ملائماً في كثير من دول العالم، حيث لا تزال البنوك المركزية تخوض معركة ضد التضخم. ولكن يبدو أن هذا الطرح مناسب جداً بالنسبة للصين. فعلى عكس الاقتصادات الرئيسية الأخرى، تواجه الصين تحدي الانكماش؛ إذ يبلغ معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها، وهو المقياس الأوسع للأسعار، سالب 1.4 %، متراجعاً لربعين متتاليين. ونتيجة لذلك، كانت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الصين في الربع الثالث 3.5% فقط، وهو أقل بكثير من نسبة النمو في الولايات المتحدة والتي تبلغ 6.4 %.

وتشكل الخلفية الانكماشية الاقتصادية تحديات عدّة. أولاً، وبعد أخذ الانكماش في الاعتبار سترتفع أسعار الفائدة الحقيقية، مما يزيد عبء المدينين. ثانياً، حتى مع تباطؤ نمو الدين، من المرجح أن يظل أعلى من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وبالتالي سيستمر ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. والأهم من ذلك، يؤثر نمو مؤشر الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ سلبي على اتجاهات إيرادات الشركات وأرباحها. وإذا استمر الانكماش في التأثير على هذه العوامل، فسوف تخفض الشركات نمو الأجور، مما يخلق «حلقة» مفرغة من الطلب الكلي الضعيف والضغوط الانكماشية.

في السياق الصيني تشكل هذه القضايا تحديات خاصة، خاصةً مع مواجهتها لنسب ديون مرتفعة وضعف اتجاهاتها الديموغرافية. وإلى جانب الانكماش، تتلاقى هذه العوامل لتشكل للصين ما يمكن أن نطلق عليه «التحديات الثلاثة».

لقد نبعت الضغوط الانكماشية في الصين من تقليص مستويات الديون في الميزانيات العمومية لقطاع العقارات والحكومات المحلية. وعند الأخذ في الاعتبار أن مجموع الديون في هذه الميزانيات العمومية يمثل حوالي 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، فليس من الغريب أن تبقى ضغوط الطلب والأسعار ضعيفة كما كانت من قبل.

ولمواجهة تحدي الانكماش، يحتاج صنّاع السياسات إلى استخدام القوة الكاملة للسياسات النقدية والمالية لرفع الطلب الكلي. وهم بالفعل يخففون من السياسات النقدية والمالية، لكننا نعتقد أن الجهود المبذولة حتى الآن لن تؤدى إلا لتحسن تدريجي في معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي. أي أن هذه التدابير لن تكون كافية لرفع معامل الانكماش إلى نطاق 2 - 3% خلال العامين المقبلين، وهو النطاق الذي نعتقد أنه سيكون ملائماً للنمو الصحي في إيرادات وأرباح الشركات.

ونعتقد أن ثمّة سببين مترابطين وراء ذلك، أولاً، كانت استجابة السياسات المعنية حتى الآن مترددة وعبارة عن ردّ فعل، وهو ما يعكس جزئياً القلق الذي كان يشغل صنّاع السياسات إزاء تراكم الديون غير الإنتاجية، مما أدّى إلى بدء عملية لتقليص الديون.

وعلى سبيل المثال، حتى وإن كانت الريح المعاكسة النمو قد بدأت تتسارع منذ بداية الربع الثاني من هذا العام، إلا أن التدابير المنسقة لتخفيف السياسات لم يتم إطلاقها حتى شهر يوليو، وحتى هذه التدابير لم تكن كافية لوقف تأثيرات هذه الريح المعاكسة بشكل قاطع. ويتمثل التحدي في أنه عندما لا تسير عملية التخفيف بشكلٍ قوي بما فيه الكفاية، سيظل خطر حلقة الديون والانكماش المفرغة قائماً. وسوف تظل أسعار الفائدة الحقيقية مرتفعة وسوف تستمر في التأثير على الطلب الكلي.

ثانياً، يظل مزيج النمو غير متوازن. كما لا يزال الاستثمار في الصين مرتفعاً جداً، إذ يبلغ 42 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقد نبعت هذه النزعة للاستثمار، أو ربما الاستثمار المفرط على حساب تناقص العوائد، والقدرات الفائضة، والضغوط الانكماشية؛ لذا من المحتمل أن يكون استمرار إنعاش الاقتصاد من خلال الاستثمار، كما فعلت الصين في الماضي، مجرد تحفيز مؤقت، ويمكن أن يعقّد مسألة إدارة التضخم على المدى المتوسط. وبالفعل، يمكن القول إن الوضع الحالي هو نتيجة للجهود السابقة، حيث جرى تعزيز البنية التحتية والعقارات بطريقة معاكسة للدورة الاقتصادية كلما تراجعت الصادرات.

والنهج الأمثل للسياسات الآن هو تحفيز الاستهلاك. وبشكل خاص يمكن لصنّاع السياسات زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية في التعليم والرعاية الصحية والإسكان العام، وهو ما قد يساعد في إطلاق العنان لمدخرات الأسر المرتفعة في الدولة. وحتى الآن، لا نرى سوى علامات قليلة تشير إلى أن هذا التحوّل بدأ بالفعل. وكما هي الحال، ظلت نسب الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية إلى الناتج الإجمالي ثابتة في الأعوام الأخيرة.

وتبدو المخاطر المتعلقة برؤية التضخم مائلة بوضوح إلى الجانب السلبي، ويشير الضعف الحالي في بيانات النمو والتضخم إلى أن خطر الوقوع في دائرة الديون والانكماش لا يزال قائماً. ومن الواضح أن التحول المنسق لإعادة توازن الاقتصاد نحو الاستهلاك أو الارتفاع القوي في دورة التجارة العالمية، هما العاملان الرئيسيان اللذان يمكن أن يقودا الانتقال الأسرع نحو بيئة تضخمية أكثر صحية.

كلمات دالة:
  • FT
Email