ثمة ظاهرة جديدة حدثت دون ضجة كبيرة خلال العام الفائت، في صناعة النفط بنيجيريا، وهي نزوح شركات النفط العالمية من كل أو بعض أجزاء عملياتها في البلاد.

ونهاية الشهر الماضي، وبعد أشهر من التكهنات، أعلنت شركة النفط النرويجية إكوينور أنها قد باعت كيانها النيجيري إلى شركة محلية غير معروفة، تدعى تشابال إنيرجي، ما يمثل نهاية ارتباط دام 3 عقود مع أكبر منتج للنفط في أفريقيا.

لم يكن هذا الأمر حادثاً منفصلاً. فقد أعلنت شركة إيني الإيطالية في سبتمبر أنها ستبيع فرع عملياتها البرية لشركة أواندو المحلية. وقبل ذلك، باعت شركة أداكس الصينية في العام الماضي مناطقها النفطية الأربع لشركة النفط الحكومية النيجيرية «إن إن بي سي». وبالتوازي مع ذلك، هناك خطة لشركة إكسون موبيل الأمريكية العملاقة لبيع أربعة حقول نفط برية لشركة سيبلات، وهي شركة طاقة ذات إدراج مزدوج في لاجوس ولندن، مقابل حوالي 1.3 مليار دولار.

وبينما كان الرئيس السابق ووزير النفط محمد بخاري وافق في الأصل على الصفقة في أغسطس 2022، إلا أنه قد تراجع عن القرار بعد أيام قليلة. ولا تزال الصفقة غير مكتملة.

وتمر شركة شل البريطانية بوضع مماثل، فقد أعربت عن رغبتها في سحب استثماراتها من الحقول البرية، والتي يمكنها تحقيق حوالي 3 مليارات دولار، ولكنها تظل عالقة في قضايا قانونية أعاقت تقدمها. وفي معظم الحالات، تتراجع شركات النفط العالمية الكبرى عن أصولها البرية وفي مناطق المياه الضحلة، التي تعرضت لأعمال سرقة وتخريب هائلة طالت صناعة نيجيريا طوال معظم السنوات الخمس الماضية.

ولعقود من الزمن ألقت المخاوف البيئية حول التسرب، والتأثير الاقتصادي الناجم عنه، بظلالها على هذه الأصول. وقد خلصت شركات النفط الكبرى إلى أن هذه المتاعب لم تعد تستحق العناء. وعليه، توجهت هذه الشركات نحو الأصول البحرية الأكثر ربحاً والأقل خطورة.

وإزاء ما يحدث، يرى المحللون في الأمر فرصة للشركات المحلية في نيجيريا لزيادة حصتها في السوق من خلال استحواذها على هذه الأصول التي لم تعد تلقى قبولاً. وقالت نويل أوكويدي، محللة الطاقة في شركة ستيرز للأبحاث والتحليلات، ومقرها في لاجوس: «بالنسبة للشركات المحلية التي لا تمتلك رؤوس أموال بمليارات الدولارات للاستثمار في الأصول البحرية، فإن شراء هذه الأصول هي فرصة لها للتوسع. وأيضاً قد تكون للشركات المحلية فرصة أفضل في التفاوض مع المجتمعات المحلية للسكان الأصليين بسبب معرفتها المحلية».

لكن متى سيبدأ ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون بشأن مشروع مصفاة أليكو دانجوتي الضخم الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار، والذي طاله التأخير واتهامات بالمحسوبية. ويدعي عبدالصمد رابيو، مؤسس ورئيس مجموعة بي يو إيه المنافسة لشركة دانجوتي، أن أغنى شخص في أفريقيا قد حصل على تمويل بأسعار تفضيلية من البنك المركزي النيجيري، في عهد محافظه السابق الموقوف حالياً. وتنفي دانجوتي كل هذه المزاعم.

وعلى أية حال، ما هو واضح أن دانجوتي تواجه ضغوطاً من كل الاتجاهات تقريباً. ولدى المصفاة إمكانية لتحويل أكبر منتج للنفط في أفريقيا من استيراد المنتجات البترولية المكررة إلى مصدر صافٍ للتصدير.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلنت مجموعة دانجوتي أنها قد حصلت على أول شحنة من النفط الخام من ذراع تجارة النفط لشركة شل. ولكن حقيقة أن الشحنة الأولى جاءت من شركة شل، وليس من مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية التي تمتلكها الدولة، تزيد التكهنات أن دانجوتي، وهي أكبر شركة صناعية في نيجيريا، لم تتوصل بعد إلى اتفاق مع شركة النفط الحكومية. وتمتلك مؤسسة النفط الحكومية الوطنية النيجيرية 20 في المئة من المصفاة بعد استحواذ بقيمة 2.76 مليار دولار في عام 2021.

وتتردد التكهنات بأن مؤسسة النفط الحكومية الوطنية النيجيرية تلعب لعبة صعبة مع شركة دانجوتي حول الإمدادات. وبحسب الرواية فما يحدث في نيجيريا، وفقاً للمصرفيين والمحللين، هو أن مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية ترغب في الحصول على حصة أكبر في المصفاة وأنه للمرة الأولى منذ عودة البلاد إلى الديمقراطية في عام 1999، لا يحظى أليكو دانجوتي، البالغ 66 عاماً، بعلاقة جيدة مع الحكومة الحالية.

وقد نفى دانجوتي تلك التكهنات قائلاً: «لا أعتقد أن مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية بحاجة إلى شراء المزيد من الأسهم. وأعتقد أنهم راضون بما قدمناه لهم»، ومن الواضح الآن في أي اتجاه تهب الريح.

وتقول الشركة إنه من المتوقع وصول شحنة النفط الخام من مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية في غضون «أسبوعين أو ثلاثة أسابيع»، مع شحنة أخرى من إكسون موبيل في وقت لاحق.

ويبقى العالم مترقباً لرؤية كيف ستكون مصفاة دانجوتي. فإما أن تكون ضربة عبقرية من رجل الصناعة لإحداث تحول كبير في بلاده، أو فكرة طائشة من مجموعة شركات تجازف بكل شيء لتتوسع نحو أفق يفوق قدراتها.