محافظو البنوك المركزية الرئيسية.. رسائل احتفالية مختلفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

توصلت البنوك المركزية إلى القرارات نفسها فيما يتعلق بأسعار الفائدة لعامي 2022 و2023. وفي العام الفائت، في اجتماعاتها قبل عيد الميلاد، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أسعار الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس لمواجهة التضخم المتزايد.

أما في العام الحالي، ومع الانخفاض السريع في نمو الأسعار، قررت هذه البنوك المركزية جميعها الاحتفاظ بمعدلاتها، التي أصبحت الآن أعلى بكثير، دون تغيير. ومع ذلك، كانت رسائلها الاحتفالية المصاحبة هذه المرة تختلف بشكل كبير. ويختصر ذلك تحريف لقول ليو تولستوي: كل البنوك المركزية سعيدة بانخفاض التضخم، ولكن كلاً منها غير راضية بطريقتها لأنه لا ينخفض بالسرعة الكافية.

وترغب البنوك المركزية، بعد أن انتظرت فترة طويلة في البداية قبل تشديد السياسة النقدية، في ضمان هزيمة التضخم المتزايد بشكل كامل. وكانت الحجة الداعمة للإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة على حالها قوية جداً. ففي أمريكا، ورغم أن التضخم انخفض بشكل حاد إلى 3.1 %، إلا أن سوق العمل لا يزال مفعماً بالنشاط وإنفاق المستهلكين مرن. وفي بريطانيا، لا يزال التضخم الأساسي، الذي يستثني الطاقة والغذاء، يتجاوز بشكل كبير متوسطه طويل المدى عند 5.7 %. أما في منطقة اليورو، ففي حين أن التضخم يقترب بمقدار نصف نقطة مئوية في هدفه، يبدو أن نمو الأجور قوي، كما أن المزيد من تسويات الرواتب تستحق المزيد من اليقظة خلال العام المقبل.

ومع استمرار تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على الأسر والشركات، ارتفعت احتمالات عدم الوصول إلى المستهدف البالغ 2 % في كل مكان. ومع ذلك، فالمخاطر ليست متساوية على جانبي المحيط الأطلسي. قد تكون هذه المخاطر أعلى في منطقة اليورو، حيث تشير التدابير المتخذة في الوقت المناسب إلى أن نمو الأجور قد بدأ بالفعل في الانخفاض. وأظهرت المؤشرات المستقبلية للخدمات والنشاط التصنيعي أيضاً تباطؤاً اقتصادياً أكثر عمقاً فيما هو قادم.

وتشير المرونة الاقتصادية في أمريكا ونمو الأجور المتزايد في بريطانيا إلى أن التضخم الأساسي قد يكون أكثر خطورة في هاتين الدولتين. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يبدو أن إشارات الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، تحديداً، كانت غير دقيقة. لقد ظهر الاحتياطي الفيدرالي بموقف متساهل. وجاءت توقعاته الجديدة لأسعار الفائدة مفاجئة بالإشارة إلى ثلاثة تخفيضات بنسبة 25 نقطة أساس في عام 2024، أي أنها زادت عن اثنتين فقط. كما خففت توجيهاته المستقبلية من احتمالية حدوث زيادات أخرى. ومع ذلك، لم يبذل رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، جهداً كبيراً لإبعاد فكرة أن الاحتياطي الآن يتحول إلى التخفيضات.

مع ارتفاع الأسواق المالية بالفعل في فترة العطلات، كان على باول أن يكون حذراً بعد تقديمه توقعات متساهلة. وارتفعت أسواق الأسهم ارتفاعاً متوقعاً، ليقترب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من أعلى مستوياته منذ عامين. وانخفضت أيضاً عوائد السندات. وتشكل هذه الحركات تيسيراً ملحوظاً للأوضاع المالية، والتي يمكن أن تمثل مشكلة للاحتياطي الفيدرالي في حال استمرار صمود التضخم.

من جانبها، كانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، على العكس تماماً، حيث كان موقفها حازماً، مؤكدة على المسؤولين «أنهم لم يناقشوا تخفيضات أسعار الفائدة قط». ومع ذلك، فقد فتحت توقعات التضخم المنخفضة الأبواب أمام التحول، وأكدت وجود مخاطر أكبر لعدم تحقيق مستهدف منطقة اليورو. ويبدو البنك من مقره في فرانكفورت متماسكاً، لكنه قد يخطئ الآن إذا خفف أسعار الفائدة ببطء شديد.

على الأرجح، قد يكون بنك إنجلترا أكثر دقة في رسائله، رغم أن محافظه، أندرو بيلي، لم يواجه مؤتمراً صحفياً هذا الأسبوع على عكس البنكين الآخرين. وقد كان حازماً في قراراته، حيث صوّت ثلاثة من أصل تسعة أعضاء في اللجنة أيضاً لصالح زيادة رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وقد عززت بيانات ثقة المستهلكين البريطانيين والنشاط الاقتصادي المرتفعة لهجتهم.

ومع أخذ ردود أفعال الأسواق وتأخر السياسات بعين الاعتبار، لن يكون من السهل تحقيق تحول ناجح في أسعار الفائدة في كل مكان. أضف إلى ذلك أن الظروف الاقتصادية المتباينة تعني أن البنوك المركزية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لن تكون على وفاق دائماً. ولكن بناءً على أدائها في نهاية العام، فمن الواضح أن لا أحد يمكنه الجزم إلى أي مدى أو متى سيتعين عليها تقديم التخفيضات. وفي كل الأحوال، فإننا نأمل أن تتمكن من بدء عام 2024 بمزيد من الوضوح.

كلمات دالة:
  • FT
Email