أفريقيا.. أكبر مشكلة تواجه الاقتصاد العالمي

يقود انخفاض معدل المواليد عالمياً إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في جميع الاقتصادات الكبرى، بدءاً من الصين واليابان إلى ألمانيا والولايات المتحدة. لكنْ هناك جانب آخر مسكوت عنه في القصة، وهو أنه حتى الاقتصادات التي بإمكانها الاستفادة بشكلٍ كبير من النمو السكاني تفشل في تجنّب تباطؤ النمو.

وتمثل أفريقيا، القارة التي يسكنها حالياً 1.5 مليار نسمة، أكبر تحدٍ للنمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن يعيش بالقارة واحد من كل ثلاثة أفراد ينضمون إلى سوق العمل حتى ثلاثينيات القرن الحالي. ولكي يتسنى للاقتصاد العالمي ككل النمو بشكل أسرع، يتعين على أفريقيا إيجاد وسيلة لتوظيف هذه الأيادي العاملة بطريقة فعّالة وأكثر إنتاجية والاستفادة من ميزتها الديموغرافية. ومع ذلك، ليس هذا ما يحدث في معظم دول أفريقيا.

ويظهر بحث قمنا بإجرائه أن معدل نمو السكان في سن العمل بنسبة لا تقل عن 2 % هو شرط ضروري لنمو اقتصادي «إعجازي»، أي تحقيق وتيرة نمو مستدامة لا تقل نسبتها عن 6 %. واعتباراً من عام 2000، كان هناك 110 دول تشهد نمواً سكانياً في هذه المرحلة العمرية بهذه السرعة، وكان نصف هذا العدد تقريباً في أفريقيا. أما الآن، فقد تقلصت هذه الأعداد إلى 58 دولة فقط، بينها 41 دولة أو أكثر من الثلثين في أفريقيا.

ولو كانت أفريقيا تمكنت من الاستفادة من نموها السكاني بنفس القدر الذي استفادت به اقتصادات دول شرق آسيا التي حققت المعجزات، مثل: كوريا الجنوبية، وتايوان، لكانت حصتها في الاقتصاد العالمي أكبر بثلاث مرات مما هي عليه حالياَ (فقط 3 %). ولكان النمو الاقتصادي العالمي تجاوز فعلياً متوسطه الأخير البالغ 2.5 %.

وخلال السنوات الخمس الماضية، نمت 3 اقتصادات أفريقية من أصل 54 بمعدل سنوي يزيد على 6 %، وهي إثيوبيا وبنين ورواندا، انخفاضاً من 12 اقتصاداً في العقد الذي سبقه. ولم يشهد أي اقتصاد أفريقي تحقيق تحوّل إيجابي في متوسط نصيب الفرد من الدخل، بل شهد نصفه انخفاضاً، بما في ذلك ثلاث من أكبر خمس دول في القارة، وهي نيجيريا وجنوب أفريقيا والجزائر.

وتضيف أفريقيا أيادي عاملة ولكنها لا تزيد إنتاجية كل عامل. وكانت المعجزات الاقتصادية الآسيوية نجحت في زيادة إنتاجية كل عامل عن طريق نقل الفلاحين إلى قطاع الصناعة، لكن هذا القطاع انكمشت حصته في الاقتصاد العالمي، مما ترك مسارات أقل وضوحاً لزيادة الإنتاجية.

وقد انتقلت القوى الصناعية السابقة مثل تايوان إلى التكنولوجيا المتقدمة، ولكن لم تتحقق الآمال في تمكُن الدول الأفريقية من القيام بـ«قفزات نوعية» تتخطى بها مرحلة التصنيع لتصل مباشرةً إلى العصر الرقمي. ويحاول بعض مستثمري التكنولوجيا إحداث ضجة حول نفس الفرص الرقمية لأفريقيا التي كانوا يروجون لها قبل عقد من الزمن، بين مقدم خدمات للإنترنت هنا وخدمات مصرفية عبر الهواتف المحمولة هناك. وبالمثل، لم تتحقق الآمال في أن توَفر الصناعات الخدمية طريقاً بديلاً إلى الرخاء.

ويوماً ما، اعتُبِرت الصين وقوى اقتصادية أُخرى في آسيا «حالات ميؤوس منها» أيضاً، لكن صعودها الاقتصادي جعل التفسيرات الثقافية لفشل أي دولة في الازدهار غير منطقية. ومع ذلك، يبدو وكأن الظروف العالمية متزايدة الصعوبة والاضطرابات الداخلية تتواطأ معاً للعمل على عرقلة إمكانيات أفريقيا. وفي ستينيات القرن الماضي، كان العامل العادي في أفريقيا أكثر إنتاجية بنسبة تقارب 50 % مُقارنة بنظيره في شرق آسيا، لكن الآن أصبح الأخير أكثر إنتاجية بثلاث مرات.

أحد مسببات ذلك هو القيادة، حيث توجد في أفريقيا 14 من أصل الـ 20 حكومة الأكثر فساداً في العالم. أما في آسيا، قاد الحكام الأقوياء صعود منطقتهم إلى الازدهار بعد الحرب، في حين يميل الأقوياء في أفريقيا إلى ضمان استمرارية حكمهم فقط، دون توفير الشروط الأساسية لرفع الإنتاجية، مثل الطرق والسكك الحديدية والمدارس العامة اللائقة.

بوتسوانا، على سبيل المثال، كانت فيما مضى أكثر القصص الواعدة في القارة، لكنها لم تتمكن من إيجاد وسيلة لتنويع مواردها خارج قطاع الماس، فباتت تتحرك ببطء مع وتيرة نمو اقتصادي يقل عن 3 %. وفي نيجيريا، التي كان من الممكن أن تصبح مثل الإمارات في أوضح صورها، صاحبة الاقتصاد المزدهر الذي يعززه النفط، فقد تقلص متوسط الدخل فيها على مدى السنوات الخمس الماضية.

وعندما زرت كينيا مؤخراً، كان الدور الذي تلعبه الصين في بناء البنية التحتية الأساسية واضحاً في كل مكان، بدءاً من أنماط المعابد المُقوَّسة الممتدة على الطرق السريعة الجديدة، حتى خطوط السكك الحديدة المعلقة التي تمر عبر الحدائق الوطنية. ومع ذلك، فلا يزال نموها الاقتصادي مخيباً للآمال، وتكافح في سداد القروض التي قدمتها لها الصين لتمويل المشاريع الجديدة. ويشير انقطاع التيار الكهربائي المتكرر إلى أن كينيا، مثلها مثل العديد من الدول الأُخرى في القارة، لا تزال تعاني من قلة الاستثمار.

وخلال العقود الثلاثة المقبلة، سيزيد عدد السكان في سن العمل في العالم بمقدار 2 مليار نسمة، و80 % تقريباً من هؤلاء العمال سيكونون في أفريقيا. وهذا يعني أن القارة الضخمة هي فعلياً آخر فرصة كبيرة لحدوث معجزات اقتصادية. ولكن إذا كانت غير قادرة على تحقيق ذلك، فسيستمر انحدار النمو العالمي، متعثراً بالتراجع الديموغرافي في كل مكان آخر.

 

* الكاتب رئيس مؤسسة روكفلر الدولية

الأكثر مشاركة