النزاعات المالية الكبيرة تسلّط الضوء على مشاكل «تأجير» الاقتصاديين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح الاقتصاديون جزءاً مهماً على نحو متزايد من النظام القضائي الأمريكي، إذ يقدمون شهادات خبراء للتأثير على القضاة، وهيئات المحلفين في مداولاتهم.

وتسلّط قضية، جارية حالياً، قدراً من الضوء على تزايد أهمية هؤلاء التكنوقراطيين. ويتمثل الأمر في نزاع قانوني، شبيه بالخلافات الفوضوية حيال أجور كبار المسؤولين المصرفيين، والمحامين، والمتداولين في صناديق التحوط، والتي كانت شائعة طيلة عقود.

وتتعلق القضية محل الحديث، بجوناثان أورزاج، وهو متخصص في تحليلات مكافحة الاحتكار، وأدلى بشهادات، على نحو متكرر، في نزاعات قضائية بارزة، وتقارب أتعابه 2000 دولار في الساعة الواحدة. لكن «إف تي آي كونسلتنغ» طردته في نوفمبر، بعد سعيه لبسط نفوذ أكبر، والاستئثار بشريحة أكبر من الكعكة لصالح وحدته للاستشارات الاقتصادية، «كومباس ليكسكون»، التي كانت تتواجد داخل مقر الشركة.

وفي الوقت الحالي، رفعت «إف تي آي» دعوى قضائية ضد أورزاج، مدعية انتهاكه لعقد توظيفه، بسعيه لتأسيس شركة منافسة لـ «كومباس ليكسكون» واصطحاب مئات الزملاء معه. وكان أورزاج، حذر من جانبه في وقت مبكر، شركة «إف تي آي»، بشأن قيمة خدمات «كومباس ليكسكون»، فأكد على صعوبة استبداله هو وزملائه، باعتبارهم موظفين، في شركات للمحاماة أو للاستشارات الإدارية. وأفاد الخبير الاقتصادي، في رسالة بريد إلكتروني صريحة، مُوجهة إلى ستيف جونبي، الرئيس التنفيذي لـ «إف تي آي»: «يعيّن العملاء الخبير، لا الشركة، في السواد الأعظم من القضايا. ولهذا السبب يتحرك العملاء بصفة عامة مع خبراء الاقتصاد إذا ما غيروا محل عملهم».

وتأتي القضية مع تصاعد حالة عدم الارتياح بشأن إضفاء الطابع التجاري على الشهود من الخبراء، الذين يُفترض بهم تقديم تحليلات عادلة وموضوعية. والنظام القضائي الأمريكي «تنازعي»، حيث تتبارى فيه الأطراف لإقناع القاضي أو لجنة المحلفين. ويمكن للأطراف أن يدفعوا بخبرائهم، لإبداء آرائهم في مجالات مثل التقييمات أو تقديرات الأضرار أو أحجام السوق.

وصار هؤلاء الخبراء، من ذوي أوراق الاعتماد البارزة في الاقتصاد والمال، مطلوبين بشدة. حتى أن عضواً بارزاً بهيئات المحلفين، كان قد وجّه توبيخاً لأحد الخبراء أخيراً، قال لـ «فايننشال تايمز» بأن الخبراء غالباً ما يكونون مفيدين في القضايا.

وأسس الأكثر تمتعاً بالفكر الاستثماري من بين هؤلاء الخبراء، شركات متكاملة، يلجأ إليها المحامون عند حاجتهم لرأي تنويري من شأنه تعزيز قضاياهم أمام قاض أو هيئة محلفين. ويشمل الخبراء البارزون في المجال، جلين هابارد، وجوهان سوبرامانيان، ودانييل فيشل، وبراد كورنيل، وكارل شابيرو.

لكن الشراك أمام الشهود الخبراء واضحة حيث يمكن للعمل النهائي أن يبدو موجهاً نحو النتائج، فيتسع تباين تقديرات التقييمات أو الأضرار لدى كلا الجانبين. وفي بعض الحالات، يقوم بالعمل فريق من الموظفين، فيدققون في الأرقام ويراجعون المستندات، ويُجرون مهام أخرى دقيقة وجوهرية. ويقوم الخبير فقط بتوجيه العمل، ويضع اسمه على التقرير، ويظهر في المحكمة، وفق ما تقتضيه الضرورة.

ووصف القاضي الفيدرالي الأمريكي المخضرم جيد راكوف، خلال مؤتمر أكاديمي عُقِدَ أخيراً، المجموعة المُختارة من الخبراء الذين يظهرون في القضايا الكبيرة، بأنهم «أسلحة مأجورة».

كان أورزاج انضم إلى شركة «إف تي آي» في 2006، حينما استحوذت الأخيرة على شركته «كومبتيشن بوليسي أسوسيتس (كومباس)»، لقاء 72 مليون دولار نقداً وبأسهم في «إف تي آي» ذاتها. وكان أورزاج واحداً من المؤسسين الخمسة، الذين شملوا شقيقه، بيتر أورزاج، وهو الخبير الاقتصادي الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمصرف «لازارد» الاستثماري.

وفي نهاية المطاف، جمعت «إف تي آي»، «كومباس»، وشركة استشارات مماثلة تُدعى «ليكسكون»، كانت استحوذت عليها سابقاً بقيمة 130 مليون دولار، وأسسها باحثون معروفون في جامعة شيكاغو.

وواجه أورزاج ذاته انتقاداً من قاض فيدرالي، في قضية مثّلت فيها «كومباس ليكسكون» كلا جانبي النزاع في قضية احتكارية. وبحسب تحقيق أجرته «برو بابليكا»، وصف قاض فيدرالي تحليلاته بأنها «متخبطة»، كما أن أحد العملاء ذهب إلى مقاضاة الشركة، وقال إنهم لم يعلموا بأن «كومباس ليكسكون» تمثّل كلا من المدعي والمدعى عليه.

وشهد سعر أسهم شركة «إف تي آي»، التي تقدم استشارات متنوعة للشركات، سبع قفزات كبيرة منذ 2006، حينما تمكنت من إتمام عملية الاستحواذ على «كومباس»، وهي تتمتع بقيمة سوقية تتخطى 7 مليارات دولار في الوقت الراهن. وتفاخر أورزاج، وفق الشكوى المُقدمة من «إف تي آي»، بقدرته على تأسيس شركته الخاصة للاستشارات، وأن يتراوح تقديرها بين ملياري وثلاثة مليارات دولار. لكنه أنكر انتهاكه لأي من اتفاقاته، ويعتقد بأن العهود التقييدية التي استشهدت بها «إف تي آي»، إما غير قابلة للتطبيق أو الإنفاذ.

وأشار القاضي راكوف، خلال المؤتمر الذي عُقِدَ أخيراً، إلى نماذج قضائية في بلدان أخرى، يتعاون فيها الشهود الخبراء من كلا جانبي النزاع مع بعضهم بعضاً، عوضاً عن التصادم حول عرض مجموعة مشتركة من الحقائق بين أيدي المحكمة. لكن هذا النهج يتم تجنبه في الوقت الحالي بالولايات المتحدة. وتكمن المفارقة في أن أورزاج و«إف تي آي» سيبحثان في أنحاء السوق عن الخبراء الباهظين، إذا مضيا قدماً في المحاكمة.

كلمات دالة:
  • FT
Email