اختتم جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، 2023، بلهجة متفائلة، فتبنى رسالة تيسيرية في 13 ديسمبر، بجانب توقعات أظهرت انتماء أغلب أعضاء اللجنة الفيدرالية إلى المعسكر الذي يؤمن بالهبوط السلس.
وتعتقد اللجنة، التي تحدد أسعار الفائدة، أن البطالة سترتفع طفيفاً أعلى المستويات الحالية، مع إظهار التضخم مزيداً من التقدم نحو الثبات قرب مُستهدف واضعي السياسة البالغ 2 %.
ويعني هذا التقدم، مع مضينا قدماً في العام الجديد، أن أغلب الأشخاص يرجحون حالياً إعلان الفيدرالي انتهاء دورة رفع الفائدة، التي شهدت زيادة رسمية بمقدار 525 نقطة أساس منذ مارس 2022، وهو أعلى مستوياتها منذ 22 عاماً، لكن السؤال الكبير هو إلى أي مدى سيتم خفض الفائدة.
مهد عام 2023، الذي شهد نمواً أفضل من المتوقع في الولايات المتحدة يفوق كل الاقتصادات المتقدمة الأخرى تقريباً وانخفاضاً حاداً في التضخم، الطريق أمام المسؤولين للتنبؤ بأنهم سيجرون 3 تخفيضات بمقدار ربع نقطة في أسعار الفائدة على مدار الأشهر الـ12 المقبلة.
على أية حال، يتوقع العديد من المستثمرين أكثر من ذلك، حيث تعقد صفقات التسعير الآجل وسط توقعات بانخفاض أسعار الفائدة 6 مرات 2023.
وفي الوقت الراهن، تقع رهانات خبراء الاقتصاد في منطقة وسط بين ما يتوقعه المسؤولون والأسواق. وأحد التفسيرات وراء هذا التباين، هو عدم وضوح الكيفية التي يفكر بها المصرف المركزي الأمريكي بشأن الأوضاع المالية.
في أوائل نوفمبر، أطلق باول صافرات الإنذار بشأن تشديد مفرط في الأوضاع المالية. وفي الأسابيع الستة المؤدية إلى الاجتماع الأخير في 2023، ارتفعت تكاليف التمويل لأجل 10 أعوام للحكومة الأمريكية نحو 50 نقطة أساس إلى 4.88 % وفي الوقت نفسه بلغت الفائدة على الرهن العقاري لأجل 30 عاماً 7.79 % في 26 أكتوبر.
وكان أعلى مستوى تسجله منذ 2000 وأسفر ذلك التشديد الفعلي للأوضاع المالية عن إضافة الفيدرالي لنص جريء في بيان السياسة: «من المرجح أن يؤثر التشدد في التمويل والائتمان بالنسبة للأسر والشركات على النشاط الاقتصادي والتوظيف والتضخم. ويظل مدى هذه التداعيات غير مؤكد».
هاتان الكلمتان قد لا تبدوان وأنهما تعنيان الكثير، لكن بالنسبة لمراقبي الفيدرالي، فقد اعتبروهما كافيتين للإشارة إلى شعور المسؤولين كما لو أن تسعير الأسواق للمخاطر كان ينوب عنهم في أداء بعض مهامهم، ما يعني حاجة أقل للنظر في رفع الفائدة. لكن الأوضاع المالية انحسرت في الأسابيع الستة المؤدية إلى تصويت ديسمبر، على نحو بالغ، فانخفضت عوائد السندات لأجل 10 أعوام إلى 4.2%.
وأسهمت الرهانات على تقليص الفائدة، في خفض معدلات الرهن العقاري لأجل 30 عاماً إلى ما يزيد طفيفاً على 7 % وأدى هذا بالبعض إلى التكهن، قبيل اجتماع ديسمبر، بأن الفيدرالي سيتخلى عن الإشارة إلى الأوضاع المالية «المتشددة».--
لكن الإشارة ظلت موجودة في الاجتماع، ما يعني التسامح مع مزيد من التيسير في تكاليف الاقتراض.
وفاجأ الكثيرين أيضاً السؤال المباشر الذي طرحه نيك تيميراوس، من «وول ستريت جورنال»، على باول، بشأن ماهية شعوره تجاه تيسير الأسواق للسياسة بالنيابة عنه، فبدا رئيس الفيدرالي متفائلاً وواثقاً، فأجاب، أنه رغم تحركات الأسواق «جيئة وإياباً»، إلا أنه وزملاءه من أعضاء اللجنة، كانوا «يركزون فقط على ماهية الأمر الصحيح الذي يجب عليهم فعله».
وقال باول أيضاً إنه من الضروري أن تتماشى الأوضاع المالية مع ما يحاول واضعو السياسة تحقيقه على المدى الطويل، وأن هذا ما سيحدث «في نهاية المطاف» لكن توجد صعوبة في رؤية كيفية الوصول إلى هذه المرحلة، في بيئة تتصف فيها استجابات الفيدرالي إزاء التقلبات في الأسواق المالية بالغموض.
إذن، ما مقدار تيسير الأوضاع المالية الذي سيكون مُبالغاً فيه؟ ومنذ انعقاد الاجتماع انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 أعوام إلى 3.88%، وسجلت فوائد الرهن العقاري لأجل 30 عاماً 6.61 %.
وتشي ردود فعل أعضاء من اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الآخرين بأن بعض واضعي سياسة أسعار الفائدة ليسوا حريصين على تسعير السوق، الذي يدفعهم فعلياً إلى خفض الفائدة في مارس القريب. بخلاف ذلك، يقول خبراء اقتصاد إن الأمر أقل وضوحاً.
وعلّق أندرو باترسون، الخبير الاقتصادي لدى «فانغارد»: «تحدث الفيدرالي، منذ وقت ليس بالبعيد، عن إنجاز السوق لبعض المهام بالنيابة عنه» وأردف: «في الوقت الراهن، ارتفعت الأسهم لسبعة أو ثمانية أسابيع على التوالي. ولم يعد المستثمرون يساعدون في خفض التضخم، في الواقع نعتقد بأن العكس هو ما يحدث الآن».
أما غافن ديفيز، رئيس مجلس إدارة «فولكروم أسيت مانجمنت»، فيرى أن: «عدم اتساق التوجيهات بشأن مدى أهمية مؤشر الأوضاع المالية، يعطيك انطباعاً بأنهم عقدوا العزم، ثم يطفقون يبحثون عن دلائل تدعم مواقفهم».
وأضاف: «المثير للحيرة هو أنه عندما تتغير الدلائل، لا يتغيرون بالضرورة معها». ربما يكون هناك مزيد من الأدلة في محضر تصويت ديسمبر، المقرر صدوره في الأسابيع المقبلة.
وإذا ما تحقق للفيدرالي هدفه، وثَبُتَ أن تحوله صوب معسكر الهبوط السلس كان الخيار الصحيح، فقد يظل مسروراً للغاية بتيسير الأوضاع المالية. لكن الدلائل تشير إلى أن التضخم أكثر استدامة من المتوقع، ما قد يسفر عن ارتداد.
أفضل رهاناتي أنه ستثبت صحة توقعات الفيدرالي على نحو معقول، وأن تواصله سيكون أكثر وضوحاً، مع تأكيد البيانات انحسار ضغوط الأسعار في الولايات المتحدة.
وحتى ذلك الحين، توقعوا قدراً من عدم اليقين في فك شيفرة كيفية تفكير واضعي السياسة النقدية بالولايات المتحدة، بشأن كيفية تسعير الأسواق لمجريات الأمور.
جيروم باول تبنى رسالة تيسيرية في 13 ديسمبر .. وأغلب أعضاء اللجنة الفيدرالية أظهروا انتماءهم إلى المعسكر الذي يؤمن بالهبوط السلس