بعد عام من الفضائح والهفوات.. الأربع الكبرى تعيد النظر في الحوكمة

أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكشّفت أوجه قصور في الحوكمة لدى أربع شركات كبيرة في عالم المحاسبة والاستشارات خلال 2023، بعدما عصفت بها مجموعة فضائح وهفوات استراتيجية، ما حفّزها على إعادة التفكير في أفضل السبل لتحميل الإدارة المسؤولية.

وصوت شركاء «إرنست آند يونج» الأمريكيون، قبل عطلة عيد الميلاد، على تقديم نظام حوكمة جديد، يشمل لجنة للإشراف على الإدارة، توافق على الاستراتيجية، بحسب أشخاص مطلعين.

اقترح الإصلاح الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في يوليو، بعد استخدام فريق الإدارة الأمريكي الحالي لدى «إرنست آند يونج»، حق الفيتو، ضد خطة لفصل أعمال الاستشارات العالمية للشركة، ما أثار غضب كثير من الشركاء.

وصرّح بوب موريتز، الرئيس العالمي لدى «بي دبليو سي»، لـ «فايننشال تايمز»، بأن إصلاحات الحوكمة في أستراليا، التي عينت رئيساً من خارج الشركة للمرة الأولى، قد تصير مثالاً تحتذيه دول أخرى في شبكتها العالمية.

في الوقت نفسه، أطلق المجلس الأمريكي الرقابي للتدقيق في الحسابات، «مراجعة ثقافية» للشركات، للتخلص من أسباب تزايد عدد المراجعات التي تخضع لها الشركات العامة التي تفشل في الوفاء بالمعايير التنظيمية.

وأعلن مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة «بي سي إيه أو بي»، في ديسمبر الفائت، أن المراجعة تفحص ما إذا كان وقع خطأ ما في «لهجة الإدارة».

ومن شأن هذه المراجعة أيضاً وضع الهيكل التنظيمي للشركات تحت عدسة الفحص. وقالت لورا إمبسون، الأستاذة المتخصصة في إدارة شركات الخدمات المهنية لدى كلية «بايز» لإدارة الأعمال في جامعة لندن، إن النقاش المُثار حول الحوكمة في الشركات الأربع الكبرى تأخر، لمجيئه بعد أعوام من النمو اللافت للنظر، منوّهة إلى توظيف هذه الشركات ما إجماليه 1.5 مليون شخص، وأنها تراجع حسابات أغلب كبرى الشركات العامة حول العالم.

وتعمل الأربع الكبرى باعتبارها شبكات عالمية لشراكات مملوكة محلياً، ما يجعلهم شديدي الاختلاف عن الشركات العامة متعددة الجنسيات، حيث تتمتع مجالس الإدارة بنفوذ كبير.

وينطوي الهيكل الشائع على إشراف لجنة على الإدارة، تتألف من شركاء قدامى من مختلف أجزاء الشركة، منوطة بها مسؤولية تعيين الرئيس التنفيذي أو أحد كبار الشركاء، إلى جانب تمتعها بدور ما في عملية الموافقة على الاستراتيجية. ويشير نقاد إلى هذه العملية الدائرية، فحتى قدامى الشركاء يدينون بالفضل في وظائفهم، إما كلياً أو جزئياً، إلى الرئيس التنفيذي.

وتكشّف هذا الأمر في تقرير عن ثقافة شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» في أستراليا، حيث استغل شريك متخصص في الضرائب، أسراراً حصل عليها من عمله كاستشاري لصالح الحكومة، للمساعدة في صياغة خدمات تخطيط ضريبي لشركات تكنولوجيا متعددة الجنسيات.

وأوضح موريتز، الرئيس العالمي لدى «بي دبليو سي»، أنه كان يعمل على تشجيع الشراكات المحلية في الأعوام الستة الماضية؛ لتحسين الحوكمة، بإشراك أعضاء خارجيين مستقلين.

وتُعد «إرنست آند يونج» متفردة في عدم وجود لجنة تشرف على إدارتها العالمية، أو تحديد هذا المتطلب في شراكاتها المحلية وأدى هذا إلى مشهد غير اعتيادي، لعب فيه كارمين دي سيبيو، الرئيس التنفيذي، دور صانع الملوك، في تعيين خليفته، الذي اختارته اللجنة التنفيذية العالمية المتألفة من 18 عضواً في «إرنست آند يونج»، خلال نوفمبر.

وعمل كبار المسؤولين التنفيذيين لدى «إرنست آند يونج» على مُقترحات لإصلاح الحوكمة، ما سيكون على جدول الأعمال المُتخم للرئيسة التنفيذية العالمية المُنتخبة، جانيت ترونكال.

وتحذو الولايات المتحدة هذا الحذو، بعدما وافقت على تخصيص لجنة جديدة يعمل شركاء مُنتخبين على اختيار أعضائها، وستتمتع اللجنة بصلاحيات تعيين وطرد رئيس «إرنست آند يونج» في أمريكا، ويمكن أن يضم مجلس الإدارة المحلي، أعضاء من خارج الشركة، بحسب شخص على اطلاع بالخطة.

ويتبنى منظمون وطنيون وجهات نظر متباينة حول كيفية حوكمة الأربع الكبرى ففي أوروبا، فرضت بعض البلدان تأسيس لجان إشرافية وتعيين أعضاء مجلس إدارة مستقلين على الأقل.

وفي المملكة المتحدة، أوصى مجلس التقارير المالية للمرة الأولى بتعيين أعضاء مستقلين غير تنفيذيين من خارج الشركة في 2010، على الشركة التي تراجع حسابات 20 شركة مُدرجة أو أكثر ويوصي قانون الحوكمة الأخير لشركات المراجعة، الصادر عن المجلس، الذي يستند إلى أساس «الامتثال أو التعليل»، الشركات الكبرى، بأن يكون لديها ثلاثة مستقلين غير تنفيذيين على الأقل، يشكّلون الأغلبية في لجنة إشرافية، تشرف على «شؤون المصلحة العامة».

وبموجب خطط منفصلة بشأن الأربع الكبرى في المملكة المتحدة فستكون ملزمة بأن يكون لديها لجنة تدقيق منفصلة، بغالبية غير تنفيذية، للإشراف على جودة المراجعات المالية وأنشطة أذرعها للمراجعة المالية. وألزمت هولندا منذ 2018، شركات مراجعة حسابات مؤسسات المصلحة العامة، بأن يكون لديها لجنة إشرافية مستقلة تشرف على أنشطتها الداخلية.

واقترح مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة «بي سي إيه أو بي» في الولايات المتحدة، إلزام شركة التدقيق بأن يكون لديها شخص على الأقل، لا يكون شريكاً ذا منصب في مجلس الإدارة لكن المجلس اعترف بأن الأربع الكبرى جميعها تفي بالفعل بهذه المعايير المحدودة.

وأشارت فرانشيسكا لاغربيرغ، الرئيسة التنفيذية لدى «بيكر تيلي إنترناشونال»، وهي واحدة من أبرز 10 شركات محاسبة قياساً بالإيرادات، إلى أن وجود مستقلين غير تنفيذيين يعد أمراً «إيجابياً حقاً» للقطاع، لأنهم يتيحون للشركات «الخروج من فقاعاتها»، ويشجعون الإدارة على التساؤل عما إذا كانوا «يقومون بالأشياء نفسها بالطرق القديمة ذاتها». لكن إمبسون من كلية «بايز» لإدارة الأعمال في جامعة لندن، التي حلّت مسؤولة غير تنفيذية لدى «كيه بي إم جي يو كيه» بين 2013 و2016، تحذر من تعليق آمال كثيرة على هذا.

كلمات دالة:
  • FT
Email