عواقب كبيرة غير مقصودة لاتفاقية بازل النهائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمتلئ التاريخ المالي بالعواقب غير المتوقعة الناجمة عن التغييرات التنظيمية. فقد دفعت القيود على رأس المال في الستينيات، المقترضين الدوليين للانتقال من الولايات المتحدة الأمريكية، لإنشاء سوق السندات الأوروبية. كما أسهم تحرير تنظيم الادخارات والقروض في عام 1980، في نشوب أزمة الصناعة في وقتٍ لاحق من العِقد نفسه. وهلم جرا.

هذه عواقب لا يمكن توقعها، لأن الأنظمة المُعقدة تتكَيَّف وتتفاعل بطُرقٍ غير مُتوَقَعة. لكن كما قالت روبوتا رومانو الأستاذة في جامعة ييل، في مُحاضرة ألقتها في والينبيرغ عام 2021، فإنه في بعض الأحيان تكون العواقب مُتوَقَعة، لا سيّما أن الإصلاحات المالية غالبًا ما يتم التعجيل بها في أعقاب الأزمات.

إذن، ما الذي نفهمه من مُقترح الاحتياطي الفيدرالي بشأن التنظيم الجديد للبنوك. وفقًا لجيمي ديمون من بنك جي بي مورغان، فإن ما يُطلق عليه غالبًا «اتفاقية بازل النهائية»، يقوم على زيادة مُتطلبات رأس المال بنسبة 20 - 25 في المئة للبنوك الكبيرة.

وقد انتهت بالفعل فترة التعليق على التنظيم المقترح في 16 يناير. والمُستثمرون على حقٍ في قلقهم. فبخلاف القلق من أن مثل هذه الزيادة الحادة في رأس المال قد تُبطئ النمو الاقتصادي عن طريق تقليل الإقراض، تبرز هنا ثلاث عواقب مُحتملة غير مقصودة.

أولًا، يكمن في هذا التنظيم المصرفي تهديد جديد لتحوّل الطاقة في الولايات المُتحدة، حيث تتضمن هذه المُقترحات قاعدة قد تعوق، دون قصد، إنفاق مليارات الدولارات على استثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وقد لعبت البنوك دورًا بارزًا باعتبارها من أهم مُقدمي التمويل لمشاريع البنية التحتية الخضراء، من خلال ما يُعرف بمُخططات الاستثمار في الحقوق الضريبية. وتُتيح هذه الخطط للبنوك تعويض التزاماتها الضريبية، من خلال توفير التمويل للمشروع.

ووفقًا للمجلس الأمريكي للطاقة المُتجددة، تُشكل البنوك أكثر من 80 في المئة من سوق الاستثمار في الحقوق الضريبية السنوي، الذي يبلُغ حوالي 20 مليار دولار، والذي قد يحتاج إلى النمو لأكثر من 50 مليار دولار لتحقيق أهداف قانون الحد من التضخم.

مع ذلك، من شأن القاعدة المُقترحة أن تزيد أربعة أضعاف رأس المال المطلوب، كمصدر تمويل مُهم لمزارع الطاقة الشمسية أو الرياح، ما يجعلها مُكلفة للغاية بالنسبة إلى العديد من البنوك. ووفقًا لمجموعة كابستون لاستشارات السياسات، فقد توقفت بعض البنوك مؤقتًا عن هذه الاستثمارات.

كذلك فقد أشار المجلس الأمريكي للطاقة المُتجددة، إلى أن تمرير الاقتراح يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص الاستثمارات السنوية في الحقوق الضريبية بنسبة 80 - 90 في المئة. وبمرور الوقت، قد يتمكّن سوق الائتمان الخاص من تعويض جزء من هذا التباطؤ، أو ربما كُله. ولكن قد يُعيق تفَكُك هذا المصدر تمويل العديد من المشاريع التي استهدفها قانون الحد من التضخم.

ثانيًا، قد يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخُل، باعتباره الملاذ الأخير للإقراض بشكل أكثر تكرارًا. والزيادة الأكبر في مُتطلبات رأس المُقترحة للبنوك مُخصصة لـ «مخاطر السوق»، مثل تداول السندات.

ويعتمد مقدار رأس المال المطلوب من البنك، الاحتفاظ به كاحتياطي على مقدار الأصول التي يمتلكها، والمُعدلة تحسبًا للمخاطر، إذ كلما تزايدت المخاطر، زاد الاحتياطي الذي على البنك الاحتفاظ به. تقترح القواعد أنه بالنسبة إلى رأس المال المُخصص للتداول، يجب زيادة وزن المخاطر بنسبة هائلة، تصل إلى 70 في المئة.

وبالفعل، يزداد القلق المُتعلق بانسحاب البنوك من صناعة السوق، ومن المُرجح أن يُفاقم ذلك هذه المسألة. وقد اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى التدخُل لدعم سوق الخزانة في عاميّ 2019 و2020، وقد يحتاج إلى تأسيس آلية دعم دائمة، إذا قُدمت هذه المُقترحات دون تعديل.

ثالثًا، قد يُشجع الاقتراح على تحويل المزيد من إقراض الشركات إلى الأسواق الخاصة. ومن المُرجح فرض عقوبات على القطاع الخاضع للجهة تنظيمية، مُقارنة بمُقدمي الخدمة الموجودين خارجه، ما يُحفز التدفُقات المالية نحو القطاع غير الخاضع للتنظيم، وهو ما يُسميه البروفيسور تشارلز جودهارت «مُشكلة الحدود».

والوصول للتوازن الصحيح، وتحديد المخاطر أمرٌ صعب بطبيعته. لكن يُشير الاقتراح الأولي للاحتياطي الفيدرالي، إلى أن الحدود قد تتغيّر بشكلٍ كبير، وهو ما قد يكون بمثابة نعمة للأطراف الفاعلة في قطاع الائتمان الخاص، وربما البنوك الدولية.

وعلى سبيل المثال، يدعو أحد المُقترحات إلى وضع موازنة مخاطر على القروض المُقدمة للشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 100 في المئة. ولكن إذا اعتُبِرت الشركة من الدرجة الاستثمارية مع سندات مُدرجة في البورصة، فيُقترح موازنة مخاطر أكثر مُلاءمة بنسبة 65 في المئة. وحاليًا، هناك عدد قليل جدًا من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تُصدر سندات.

وسيؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة تمويلها، وتشجيعها للبحث عن تمويل خارج النظام المصرفي. وهذا هو السبب في عدم اتباع الجهات التنظيمية الأوروبية لهذا النهج. علاوة على ذلك، أشار معهد السياسات المصرفية، إلى أن تجربة الخسارة الفعلية لا تتطلب سوى وزن مخاطر بنسبة 38 في المئة.

في الوقت نفسه، فإن العديد من القضايا التي أدّت إلى انهيار بنك وادي السيليكون، مثل: ضعف الإشراف، ومخاطر أسعار الفائدة، وتركُّز الودائع، لم تتم معالجتها في هذه المُقترحات.

وفي ظل غياب اتفاقية بازل النهائية، تحسنت حالة الاستثمار في البنوك الأمريكية بشكلٍ كبير، مع تحوّل الاحتياطي الفيدرالي إلى موقف مُتساهل أكثر، في ما يتعلق بأسعار الفائدة. لكن ينبغي على المستثمرين مراقبة العواقب غير المقصودة لتغييرات القواعد عن كثب، للمُساعدة في تقييم مدى قُدرة المُنظمين على إعادة تقييم وتغيير التدفُقات الائتمانية.

كلمات دالة:
  • FT
Email