سلسلة هائلة من المجرات قد تغير النظريات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو الكون، من شرفتنا الكائنة على الأرض، متلألئاً بالنجوم والمجرات. لكن إذا ما ابتعدت نظرتنا، لرأينا مشهداً ملؤه الرتابة في كافة الاتجاهات، ظلام سحيق، تتضاءل فيه المجرات فتستحيل نقاطاً شاحبة، ويبدو الأمر متطابقاً من كل ناحية.

لكن الفرضية التي تقول بتساوي الكون في توزيع المادة وأنه يبدو متطابقاً لأعين الناظرين، في ما يُعرف باسم المبدأ الكوني، صارت محل نزاع. فقد أفصحت طالبة دكتوراه في إنجلترا، الأسبوع الماضي، عن اكتشافها قلادة عملاقة من المجرات، تترامى أطرافها عبر 1.3 مليار سنة ضوئية.

وبذلك، تنضم ما يُطلق عليها «الحلقة الكبيرة» من المجرات وعناقيد المجرات، إلى مجموعة آخذة في الاتساع من الهياكل الجبارة التي تتحدى التوقعات العلمية. وإذا ما وضعناها في الاعتبار، بجانب ملاحظات أخرى مربكة، يشير هذا إلى أن النموذج المعياري للكون، الذي يلعب فيه المبدأ الكوني دوراً داعماً، قد لا يكون القول الفصل في كيفية تبلور الكون الذي نعرفه اليوم.

وعلى قدر روعة الاكتشاف في حد ذاته، لكن ضاهته في الإثارة ردود الفعل بين خبراء علم الكونيات.

فقد أخبرتني ألكسيا لوبيز، الطالبة في جامعة سنترال لانكشاير التي اكتشفت الحلقة الكبيرة قائلة: «الكثيرون متحمسون، لكن أما وأن قلت ذلك، فإنكِ تستقبلين رد الفعل المقاوم هذا في علم الكونيات على نحو لا تلقينه بأي فرع آخر للعلوم». وتابعت: «يجب أن تتعلق العلوم الجيدة باختبار افتراضاتنا الأساسية، لكن من الواضح أن هناك أناساً يرغبون دائماً في حماية النموذج المعياري».

ربما يُعزى هذا إلى عدم وجود سؤال أكثر جوهرية في العلوم من «كيفية بدء الكون»، وأي شيء يزعزع فهمنا يترك علامة استفهام علمية وفلسفية حول وجودنا في حد ذاته.

وجاء اكتشاف الحلقة الكبيرة، خلال تحليل لوبيز لامتصاص الغاز في الضوء المُقاس من النجوم الزائفة البعيدة، وهي بعض من أكثر الأجسام سطوعاً في الكون. ويرتبط غاز معين وهو شكل من أشكال المغنيسيوم المؤيّن ويُعرف باسم MgII، بمجرات وعناقيد مجريّة. وتقول لوبيز، لدى حديثها عن امتصاص المغنيسيوم: «إنها سمة واضحة حقاً وقابلة للاكتشاف في أطياف النجم الزائف»، مبيّنة إمكانية أن تتيح هذه الطريقة كشف مجرات بعيدة لا يمكن مشاهدتها لولا ذلك.

ومثلما ستعكس قطعة مفرغة من الورق المقوى صورة ظلية على جسم ذي إضاءة خلفية، ظهرت الحلقة الكبيرة مع امتصاص المغنيسيوم المؤيّن لقدر من الضوء الساطع من النجوم الزائفة خلفها. وإذا ما كانت مرئية من الأرض، لامتد قُطر الحلقة لما يعادل 15 قمراً.

وقدّمت لوبيز اكتشافاتها، التي يشارك فيها روجر كلاوس، زميلها بجامعة سنترال لانكشاير، وجيرارد ويليغر من جامعة لويفيل بولاية كنتاكي، خلال اجتماع للجمعية الفلكية الأمريكية، في نيو أورليانز، الأسبوع الماضي.

وتعمل لوبيز حالياً على كتابة ما توصلت إليه في ورقة علمية، ستخضع لمراجعة أقران ملائمة. واكتشفت لوبيز، في 2021، مجرة هائلة، تُدعى القوس العملاق، بالطريقة ذاتها. ويعتبر منحنى المجرات هذا الذي يأخذ شكل المنجل، أكبر من الحلقة الكبيرة، ويمتد لأكثر من 3 مليارات سنة ضوئية من أولها لآخرها.

وتُعد هذه الأبعاد مهمة، لتخطي حجم المجرتين 1.2 مليار سنة ضوئية، ويُشار إليه أحياناً بمقياس التجانس. وفصّلت لوبيز الأمر، مبينة أن الأمر يتعلق بالمسافة الدنيا التي يجب أن يبدو الكون بأسره متجانساً معها. لكن لم يعد الأمر كذلك حالياً. وتنضم الحلقة الكبرى والقوس العملاق إلى أجسام أخرى مهولة الحجم في مدار النموذج المعياري، بما في ذلك تجمع مجرات الأسوار العظمى.

ويُعد أكبرها، سور هرقل - بورياليس كورونا القطبي العظيم، الذي يبعد عنا 10 مليارات سنة ضوئية ويمتد بطول 10 مليارات سنة ضوئية. لكن هل مقياس التجانس هذا شديد الصِغَر؟ حسبما تشير لوبيز فإنه حتى وإن اتسع، فإنه سيترك لغزاً حول كيفية تكوّن مثل هذه الهياكل المجريّة الشاسعة بهذه السرعة في الكون المبكر.

والمجرات الكبيرة بعيدة الاحتمال، التي يعتقد بعض الباحثين بأنها قد تبرز أمامنا نتيجة مصادفة إحصائية، ليست الانحراف الوحيد عن النموذج المعياري. فهناك انحراف آخر يتمثل في التقلب المفاجئ لقانون هابل، وهو رقم مرتبط بتوسع الكون. ومع ازدياد أوجه الشذوذ هذه، بدأ النموذج المعياري يبدو دون معياري.

لقد تم طرح الأوتار الكونية، التي تعتبر حسب بعض النظريات عيوباً في نسيج الزمان- المكان، باعتبارها أحد الحلول الممكنة. ويمكن اعتبارها «شقوقاً» تفتحت أثناء التشكل المبكر للكون، وتكون بذلك شبيهة بالشقوق التي تظهر على الجليد مع تجمد الماء.

ومن شأن هذه العلامات السماح لهذه الغرائبيات، مثل الأسوار المجرية الكبيرة، بالتشكل. وبالنسبة للحلقة الكبيرة، فهي أشبه ما تكون بدوامة يواجه علماء الكونيات صعوبة في تفسيرها.

كلمات دالة:
  • FT
Email