لا تبدو في الأفق أي فرصة على الإطلاق لعقد مفاوضات متعددة الأطراف للوصول إلى حد أدنى دولي لسعر الكربون في المستقبل القريب. فالحكومات لا تستطيع حتى الاتفاق على المؤسسة التي ستعقد مثل هذه المفاوضات، فمنظمة التجارة العالمية بطيئة للغاية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعتبر نادياً للدول الغنية، والأمم المتحدة.. حسناً إنها الأمم المتحدة.

لذلك، يعمل القائمون على مبادرة فيلارز بصور جدية لإطلاق محادثات رسمية جادة بشأن المناخ والتجارة، ولكنه مشروع طويل الأجل. وفي ظل هذا الفراغ تتقدم آلية تعديل حدود الكربون، إذ يتعين على الشركات التي تستورد المنتجات الستة التي تغطيها الآلية في الاتحاد الأوروبي أن تبدأ في إرسال التقارير عن البصمة الكربونية وأسعار الانبعاثات بدءاً من الأول من أكتوبر الماضي، مع فرض الضرائب الفعلية اعتباراً من يناير 2026. (في الواقع، أظن أن هذا التاريخ سيؤجل بينما تسعى الدول لفهم مثل هذا الامتثال).

ويبقى أحد الأسئلة الأساسية من دون إجابة: كيف يمكن حساب الانبعاثات الكربونية فعلياً لإدخالها في نظام تحديد الضرائب. فهناك جميع أنواع المتغيرات الممكنة: يمكن قياسها على مستوى المنتج، أو المصنع، أو الشركة، أو الدولة، باستخدام الانبعاثات المباشرة أو غير المباشرة، وما إلى ذلك.

ويشير ائتلاف جامعة كولومبيا لشفافية انبعاثات المواد، والذي يقوم بعمل مفصل ومثير للإعجاب بهذا الصدد، إلا أن هناك تباينات كبيرة حتى داخل الصناعة الواحدة (مثل صناعة الصلب). تتناول هذه الورقة البحثية لعام 2022 مثالاً لثلاث طرق لحساب الانبعاثات الكربونية: الإرشادات الصادرة من الهيئة الحكومية الدولية لتغيّر المناخ، والتي تستهدف الحكومات، وبروتوكول غازات الاحتباس الحراري الخاص بالشركات (جي إتش جي)، والذي صمم من أجل الشركات، والنظام الذي يستخدمه الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات، وبالتبعية آلية تعديل حدود الكربون.

احزروا ماذا؟ كل طريقة تعطي إجابات مختلفة. كما تَخلُص الورقة البحثية بشكل حازم إلى أن «الاعتماد على المتغيرات المختلفة لأنظمة حساب الكربون كأساس لمنع تسرب الكربون سيؤدي أيضاً إلى صعوبات جمّة في إجراء مقارنة متساوية، مما قد يوفر غطاءً للدوافع الحمائية ويبذر بذور النزاعات التجارية».

من المرجح جداً أن يتم الطعن على آلية تعديل حدود الكربون في منظمة التجارة العالمية. وحتى إذا كان الاتحاد الأوروبي قد قام بتحصين المبدأ بشكل فعّال عن طريق محاميه الماهرين، فيمكن اعتباره غير قانوني إذا كان تطبيقه غير عادل في ممارساته. وقبل أن نُضطر إلى التلاعب بالنظام أو الغش المباشر. أتذكرون فضيحة ديزل جيت؟ الآن، تخيلوا الشركات ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة حول العالم وهي تحاول التلاعب بالقياسات، وفكروا في الفضيحة التي ستترتب على ذلك، والتي قد تُعرف بفضيحة كاربون جيت.

«الغائبون دوماً مخطئون»، أو بمعنى آخر، إذا لم تشارك في اللعبة فلن تتمكن من وضع قواعدها. ويقع قياس الانبعاثات الكربونية بشكل مباشر ضمن فئة «الأمور التي كان يجب أن نكون قد قمنا بالتنسيق لها في الوقت الحالي، آسفون على ذلك». هناك العديد من المنظمات المختلفة تعمل على هذا الموضوع (ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي واحدة من أكثر تلك المنظمات تطوراً)، ولكن لم تُوضع أي معايير دولية واضحة حتى الآن.

إن أي شخص يرغب في بيع سلع كثيفة الانبعاثات الكربونية في الاتحاد الأوروبي سيتم إلزامه بحساب الانبعاثات باستخدام منهجية الاتحاد الأوروبي، سواء كان استخدامها لأغراضه الداخلية أم لا. وحالياً، يسمح الاتحاد الأوروبي للشركات بتقديم التقارير باستخدام ثلاث منهجيات مختلفة: بحلول نهاية عام 2024، لن يسمح إلا باستخدام منهجيته الخاصة. ونوعاً ما، ستصبح هذه المنهجية بحكم الأمر سياسة الأمر الواقع معياراً دولياً، والحكومات التي تريد أن تتجنب شركاتها الضريبة (مثل المملكة المتحدة وتركيا كمثالين واضحين) تخطط لإدخال تدابيرها الحدودية الخاصة ولديها حافز قوي للتوافق مع سعر الكربون في الاتحاد الأوروبي.

وسيتعرّف قراء «أسرار التجارة» القدامى على المكان الذي وصلنا إليه تحديداً: نحن الآن في أراضي تأثير بروكسل المألوفة، حيث تُنشر المعايير الأوروبية في الخارج بسبب الحاجة للوصول إلى السوق الأوروبية. قد لا تكون آلية تسعير الكربون الأوروبية هي النظام الأفضل، حيث تشير الورقة البحثية لائتلاف جامعة كولومبيا لشفافية انبعاثات المواد كوميت إلى أنها تحتوي على بعض الثغرات، ولكن كما هي الحال مع اللائحة العامة لحماية البيانات، فهي الآلية الوحيدة الذي تنطوي على حافز قوي للتبني الدولي.

وعلى سبيل المثال، تمتلك وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة طريقتها الخاصة في قياس الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولكن نظراً لعدم وجود أسعار كربون وطنية في الولايات المتحدة، فإنها لا تمتلك آلية حقيقية لتصدير هذه الطريقة. كما يقولون في واشنطن، إذا لم تشارك في اللعبة، لن تتمكن من وضع قواعدها. وسيكون «الغائبون دوماً مخطئين» هو المقابل التقريبي لهذا المثل في بروكسل.