مخاطر زعزعة استقرار البنوك بسبب السحوبات المتتالية يتزايد مع انتشار أنظمة الدفع الفوري.

بعد عام تقريباً على انهيار بنك سيليكون فالي، قد يكون من المغري اعتبار الأزمة المصرفية الإقليمية في الولايات المتحدة زوبعة في فنجان. ففي نهاية الأمر، اقتصرت الأضرار على عدد قليل من المقرضين المفلسين واستعاد مؤشر القطاع المصرفي الإقليمي «كي بي دبليو» معظم خسائره.

سيكون من الخطأ التهاون في هذا الأمر. ويتعين أن تكون هذه الأزمة بمثابة ناقوس خطر حول المخاطر غير المتوقعة المتعلقة بالخدمات المصرفية الإلكترونية. وعلى الصناعة وهيئاتها الرقابية البدء في الاستعداد من الآن إذا ما أرادت تجنب كارثة أكبر في المستقبل.

وبعد سلسلة من القرارات الخاطئة، وقع في النهاية انهيار بنك سيليكون فالي في مارس الماضي بسبب سحب الودائع، وهي مشكلة قديمة قدم الخدمات المصرفية نفسها. إن نموذج عمل البنوك الأساسي يحتوي تبايناً في السيولة النقدية، حيث تأخذ البنوك أموالاً قصيرة الأجل من المودعين وتقدم قروضاً واستثمارات طويلة الأجل.

وأي بنك سيواجه صعوبة في توفير النقد، إذا طلب العديد من عملائه استرداد أموالهم في آن واحد. وإذا ما دب الذعر في المودعين، عندها قد يؤدي سحب الودائع إلى زعزعة استقرار البنوك الأخرى. إن ما تغير هو سرعة انتشار هذه الأزمات.

ففي فترة الكساد الكبير، تمكن فرانكلين روزفلت من إيقاف سحب الودائع المستمر لمدة شهر، بإصدار أمر للبنوك بإغلاق أبوابها في عطلة استمرت أربعة أيام. وفي عام 2008، انهار بنك واشنطن ميوتشوال بعد استنزاف 16.7 مليار دولار خلال تسعة أيام.

وهذه المرة، اندفع مودعو بنك سيليكون فالي على سحب 42 مليار دولار في 10 ساعات فقط. وكان هناك 100 مليار دولار أخرى في طريقها إلى الخروج عندما أغلقت الجهات التنظيمية الأبواب أمامها. وبعد يوم واحد، خسر بنك سيغنتشر 20 في المئة من ودائعه، وتبدى مدى هشاشة وضع البنوك الأخرى.

وفوراً، أعلنت الحكومة الأمريكية حالة الطوارئ النظامية. يكمن الاختلاف الآن في التحول الرقمي، إذ لا تنتشر المخاوف حول البنوك كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل يمكن للعملاء أيضاً نقل أموالهم بمجرد النقر على تطبيق أو ضغطة على الفأرة. وسيزداد هذا الخطر أكثر وأكثر مع انتشار أنظمة الدفع الفوري.

وهناك بالتأكيد طرق مجربة وموثوقة للحماية من هذا النوع من المشكلات، حيث تساعد تأمينات الودائع الحكومية في الحفاظ على الأموال في مكانها؛ لأن عملاء الخدمات المصرفية للأفراد يعرفون أن حساباتهم ستكون محمية في حالة انهيار البنك.

وتجبر لوائح السيولة العالمية التي وضعت بعد عام 2008 البنوك الكبرى على حيازة ما يكفي من السندات سهلة البيع لتغطية 30 يوماً من التدفقات الخارجية المتوقعة. وتوفر نافذة الخصم التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي شريان الحياة للسيولة من خلال السماح للبنوك بالاقتراض النقدي، مستخدمة أصولها طويلة الأجل كضمان.

لكن كل هذه الإجراءات لم تنقذ بنك سيليكون فالي، أو بنك سيغنتشر، ولا بنك فيرست ريببلك لاحقاً. فقد كانت هذه البنوك تعتمد بشكل كبير على كبار المودعين، الذين لديهم حسابات كبيرة جداً، أكبر حتى من أن تغطيها مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية. وتتفاقم هذه المشكلة: إذ تضاعفت الودائع غير المؤمن عليها في الولايات المتحدة من 2.3 تريليون دولار في عام 2009 إلى 7.7 تريليونات دولار في عام 2022.

كما كان كلا البنكين صغيرين بما فيه الكفاية؛ لتجنب لوائح السيولة في مرحلة ما بعد الأزمة، وأثبت كل منهما عدم قدرته على الاستفادة من نافذة الخصم. ولم يكن لدى بنك سيليكون فالي الترتيبات التشغيلية المناسبة، كما حاول بنك سيغنتشر مراراً وتكراراً استخدام الضمانات غير المقبولة.

وتحاول الهيئات الرقابية المصرفية معالجة هذه المشكلات. في العام الماضي، قدمت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية ورقة بحثية تتقصى ما إذا كان يجب رفع الحد الأقصى الحالي للتأمين على الودائع أم إزالته تماماً. كما تقوم الجهات التنظيمية العالمية في مجلس الاستقرار المالي بدراسة معمقة حول هروب الودائع، وما إذا كانت ثمة حاجة إلى المزيد من الاحتياطيات الوقائية.

ولعل أكثر الاقتراحات المثيرة للاهتمام الأسبوع الماضي، هو اقتراح أحد كبار الرقابيين المصرفيين في الولايات المتحدة.

حيث يريد مايكل هيسو، القائم بأعمال مراقب العملة، إنشاء قاعدة سيولة إضافية لمدة خمسة أيام تتطلب من البنوك أن يكون لديها ضمانات للاقتراض من الاحتياطي الفيدرالي لوقف السحب السريع للودائع. والأفضل من ذلك، أنه يرغب في إجبار جميع البنوك على استخدام نافذة الخصم مرة واحدة على الأقل في السنة، ولو لإثبات قدرتها على فعل ذلك.

وأقل ما يقال فإن هذه المقترحات لا تعجب البنوك. وسيتطلب رفع الحد الأقصى للودائع المؤمنة أن يكون صندوق مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية أكبر بنسبة 70 إلى 80 في المئة، وهي نقلة سيتعين على الصناعة تمويلها.

وتعارض البنوك الكبيرة الخاضعة بالفعل لقاعدة السيولة لمدة 30 يوماً وجود متطلبات إضافية، كما تشعر البنوك، بأحجامها المختلفة، بالقلق تجاه أي إجراءات وقائية جديدة قد تقلص أموالها المتاحة للإقراض والأعمال المصرفية الأخرى. كما تحذر من أن سحب الودائع سيبقى موجوداً طالما أن هناك بنوكاً، كما أن جميع القواعد في العالم لن تمنع المديرين التنفيذيين الجشعين أو المضللين من ارتكاب أخطاء فادحة.

إنهم على حق في كلا الأمرين، لكن معالجة الاضطرابات المصرفية التي حدثت في مارس الماضي، مهما بلغ صغرها، قد كلف الصناعة 16 مليار دولار. تخيلوا إذن كم ستكلف الفوضى الحقيقية. وإذا كان سحب الودائع أمراً واقعاً لا مناص منه، فعلينا إيجاد طرق لإبطائه قبل أن ينهار النظام بأكمله في لمحة بصر إلكترونية.