ثورة الذكاء الاصطناعي تسبب «هلوسة» لبعض المستثمرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يثير مستثمرون لامعون جدد في فضاء رأس المال الاستثماري، يُطلق عليهم اختصاراً اسم «مانغ»، جلبة كبيرة في وادي السيليكون.

فقد صارت «مايكروسوفت» و«أمازون» و«إنفيديا» و«غوغل»، وهي أربع من الشركات الأمريكية الخمس الكبرى من حيث القيمة السوقية، المستثمرين المهيمنين على أبرز الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. وبذلك، أزاحت هذه الشركات عن طريقها مستثمري رأس المال المغامر التقليديين، الكائنين في طريق «ساند رود»، ممن يظنون أنفسهم الأوسع علماً بكيفية تمويل المستقبل.

ومن بين هذا الرباعي المخيف، قامت «مايكروسوفت» بأكبر الرهانات، حيث استثمرت 13 مليار دولار في «أوبن إيه آي»، وتدعم أيضاً «إنفلكشن إيه آي». وكثّفت كل من «أمازون» و«غوغل» من استثماراتهما في «أنثروبك»، التي أسسها موظفون سابقون لدى «أوبن إيه آي». أما «إنفيديا»، فقد دعمت «إنفلكشن إيه آي» و«داتا بريكس» و«كوهير»، كما شاركت «غوغل» الاستثمار في كل من «هاغينغ فيس» و«رنواي».

وتشير تقديرات أبورف أغراوال، الشريك في شركة ألتيميتر للاستثمار، إلى مشاركة مستثمري «مانغ» (مايكروسوفت - أمازون - انفيديا - غوغل)، في صفقات استثمار بشركات ناشئة متخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي، بقيمة 23 مليار دولار، خلال العام الماضي، ما يشكّل نحو 30 % من الإجمالي. ومع ذلك، وحسب إشارة أغراوال، فهذه الاستثمارات استراتيجية، بالنسبة لـ «مانغ»، مثلما هي مالية.

ويبدو استعراض العضلات المالي هذا مقلقاً لبعض من المستثمرين التقليديين في رأس المال المغامر. اتجه بيل غورلي، الشريك لدى «بنشمارك»، في الأسبوع الماضي، إلى منصة «إكس»، للإشارة إلى أن «مانغ» ربما وجدوا طريقة جديدة لكي «يعززوا إيراداتهم»، ورجح: «علينا توقع فوضى هائلة في النهاية».

ومثلما توحي تعليقات غورلي، فصفقات الاستثمار هذه أكثر غموضاً مما تبدو في الوهلة الأولى. وفي حين تتمثل النية المُعلنة من ورائها في تسريع الابتكار والمنافسة، لكن ارتباط «مايكروسوفت» بـ «أوبن إيه آي»، أسفر عن تمحيص الجهات التنظيمية، لبيان ما إذا كان يشكّل اندماجاً. ويثير هذا التركز الأكبر لقوى الشركات، مخاطر تشكيل رأسمال فكري منيع ومجمع حوسبي في مجال الذكاء الاصطناعي.

من ناحية، ليس ثمّة جديد في استثمار الشركات الكبيرة في تلك الناشئة، ودأبت أعمال رأس المال المغامر على فعل هذا طيلة سنوات. وفي ما مضى، كانت شركات التكنولوجيا، مثل «سيسكو» و«إنتل» و«بالانتير» نشطة في هذا المجال. وفي 2009، أطلقت «غوغل» شركة «غوغل فنتشرز»، باعتبارها شركة مستقلة، تحصصت في رأس المال المغامر، ثم أعادت تسميتها بـ «جي في»، ولديها أكثر من 400 شركة في محفظتها، وتدير أصولاً بنحو 8 مليارات دولار.

ومع ذلك، فالمجموعة الأخيرة من الاستثمارات التي ضختها شركات «مانغ» ليست مجرد حسابات مالية بحتة، ولا تنطوي دائماً على مشاركة مباشرة في الأسهم. حيث تنطوي أيضاً على نية الوصول إلى خبرات تكنولوجية، والفوز بالعملاء، وكذلك اعتراض سبيل المنافسين. وطوّعت «مايكروسوفت» تكنولوجيا «أوبن إيه آي» في خدماتها للبرمجيات.

وباعتبارهم لاعبين كباراً في مجال الحوسبة السحابية، ضخت «مايكروسوفت» و«أمازون» و«غوغل» خدمات حوسبية في بعض الحالات بدلاً من المال. ومن أجل عقد صفقاتها، أتاحت «إنفيديا» وحدات معالجة رسومية شحيحة، تعد ضرورية لتشغيل أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي.

وكان بإمكان شركات التكنولوجيا الكبيرة شراء هذه الشركات الناشئة بكل سهولة في وقت ماضي. وكما يشير أغراوال، فهي لا تعاني أيضاً نقصاً في المال. حيث تمكن مستثمرو «مانغ» من الحصول على أرباح تشغيلية بقيمة 276 مليار دولار في 2023، ووجهوا نفقات رأسمالية بقيمة 108 مليارات دولار. ومع ذلك، يرغب مؤيدو مكافحة الاحتكار بواشنطن، في كبح جماح تضخم حجم شركات التكنولوجيا الكبيرة.

ويعني هذا أن هذه الاستثمارات الهائلة، قد تُعتبر مراوغة تنظيمية، حيث تعمل كبرى شركات التكنولوجيا، فعلياً، على الاحتفاظ بعملائها، مع تعزيز إيراداتها في الوقت ذاته. وتُجري الجهات التنظيمية بالفعل تحقيقات في ما إذا كانت بعض شركات الحوسبة السحابية تمارس وظيفة «فندق كاليفورنيا»، أي تفرض رسوم «خروج» على المستخدمين، منعاً لهم من الانصراف.

وقد يرحب مستثمرو رأس المال المغامر الأوائل في الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، التي يستثمر فيها «مانغ»، بالإمكانات الإضافية، والتقييمات التي تقدمها كبرى شركات التكنولوجيا. لكنهم قد يتساءلون عن كيفية تخارجهم من استثماراتهم، بالنظر إلى كونهم شديدي الارتباط بمستثمري «مانغ»، وإلا سينتهي أمرهم.

وفي الوقت الراهن، يشجّع الحماس بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، الباحثين الرائدين، على الاستقالة من وظائفهم لدى كبرى شركات التكنولوجيا، لتأسيس شركاتهم الخاصة، مع علمهم بقدرتهم على اجتذاب أموال رأس المال المغامر بكل سهولة.

وتُعد ميسترال الفرنسية مثالاً جيداً لذلك، حيث قام بتأسيسها ثلاثة من الموظفين السابقين لدى «غوغل» و«ميتا»، وحازت بالفعل الكثير من اهتمام الحضور في دافوس. وما زالت شركات رأس المال الغامر المتحمسة، تدأب على مطاردة الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف تطبيق التكنولوجيا في مجالات متنوعة.

وفي هذا الصدد، أخبرني ألبرت فينغر، الشريك الإداري في «يونيون سكوير فنتشرز»: «لم نخترع تكنولوجيا عظيمة بعد، دون المرور بدورة من الحماس الكبير». إن مستثمري «مانغ» يستهدفون السيطرة على القمم البارزة لاقتصاد الذكاء الاصطناعي، لكن ما زال المستثمرين يعتقدون بجود الكثير من الفرص في البقاع المنخفضة المشمسة. ولن نعرف مدى هلوستهم جميعهم، إلا عند انفجار الفقاعة.

الكاتب مؤسس «سيفتد»، وهو موقع مدعوم من «فايننشال تايمز» يهتم بالشركات الناشئة الأوروبية

كلمات دالة:
  • FT
Email