أرشيفية

الجميع يعلم بعودة السندات ولكن تبقى المخاطر قائمة

للوهلة الأولى، يبدو الشعور بالمخاطرة في ائتمان الشركات أمراً منطقياً، فمستثمرو السندات يهتمون بشكلٍ أساسي بنوعين من الأخطار: الائتمان ومدته.

والبيئة الأصعب بالنسبة لسندات الشركات تلك البيئة التي يبدو فيها الاقتصاد متقلباً بينما ترتفع الأسعار، ما يخلق مزيجاً قاتلاً من حالات التخلف عن السداد وانخفاض الأسعار (التي تتحرك عكسياً مع العائدات).

كانت هذه هي الحال في سنة 2022، إذ خسرت السندات العالمية 31 في المئة من قيمتها، أما في سنة 2024، فستكون التوقعات خلاف ذلك تماماً، وقد يكون الهبوط السَلِس وانخفاض الأسعار بمنزلة نعمة للسندات، ما يقلل أخطار الركود ويحقق مكاسب رأسمالية، كما يساعد استقرار التضخم، إذ يقلل تآكل القسائم الاسمية الثابتة للسندات.

لقد استوعبت الأسواق الرسالة. الفارق بين السندات ذات العائد المُرتفع وسندات الخزانة ضئيل، ما يبرز مُستويات مُتماشية مع أوقات الازدهار الاقتصادي، وتتشابه القصة إلى حدٍ كبير في السندات ذات الدرجة الاستثمارية.

فقد أدّى طلب المُستثمرين المُتزايد إلى إطلاق موجة إصدار قياسية من السندات ذات الدرجة الاستثمارية، المُركزة بشكلٍ كبير في المصارف والمؤسسات المالية، وتبلُغ نسبة فروق السندات ذات الدرجة الاستثمارية أقل من 1 في المئة.

إن اهتمام المُستثمرين المُتزايد منطقي تماماً بالنظر إلى الخلفية الاقتصادية الكُلية، ولكنه يدعو إلى تأمُله، ففي سنة 2023 عادت السندات عالية الأخطار بنسبة لافتة للنظر وصلت إلى 13.5 في المئة، وكان هذا جزئياً لأن خطر الركود كان قد قُدِر بشكلٍ مُبالغ فيه في تسعير السندات، وجرى تعويض المُستثمرين الذين تحملوا الأخطار بسخاء.

وهذا ليس حقيقياً اليوم، فهل أصبح ائتمان الشركات مجالاً مُكتظاً بالمُستثمرين؟

للحصول على صورة شاملة، لنبدأ بمُراجعة استطلاع مُديري الصناديق الذي أجراه بنك أوف أمريكا، إذ يُظهر الإصدار الأخير لشهر يناير أوضاع المُستثمرين الخاصة بعامل الترجيح المُفرط في السندات، إذ يتجاوز نحو مرتين الانحراف المعياري عن المتوَسط في العشرين عاماً الماضية (من دون التمييز بين سندات الخزانة وائتمان الشركات). ولكن على أساس شهري، كان المُستثمرون يقلّصون تعرُضهم للسندات.

وفي توَقُعات السوق الأخيرة، توضح آن والش من شركة غوغنهايم بارتنرز، أنه بالنسبة للمُستثمر الحذر، هُناك أموال يُمكن جنيها في سوق السندات ذات العائد المُرتفع، كما ترى أن أسواق الائتمان أصبحت مُتباينة بشكلٍ مُتزايد بين الشركات التي تستفيد من تخفيضات أسعار الفائدة على الهامش الربحي، وتلك التي ستواجه ميزانياتها العمومية صعوبات في بيئة العائدات الجديدة التي تتراوح من 2 إلى 4 في المئة.

وتَتَوَقع الأسواق أن يخفض الاحتياط الفدرالي أسعار الفائدة من نسبتها الحالية 5.5 في المئة إلى 4 في المئة في نهاية سنة 2024، وإذا استمر هذا الوضع، فإن المُقترض المُتوسط في فئة الأخطار المُتوسطة سيشهد ارتفاع نسبة تغطية الفائدة الخاصة به (الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك والاستهلاك/مصروفات الفائدة) من 3.1 إلى 4.3 مرات.

وهذا يبدو تحسُناً كبيراً! ولكنه تحسُن مُتوَسط بالطبع، فهناك الكثير من الائتمانات الضعيفة في السوق، وتعني فروق الائتمان الضيقة أن اختيار السندات السيئة يُمكن أن يؤثر بشكل كبير في العوائد، وتُشير والش إلى الضعف بين الشركات الصغيرة في سوق قروض الرفع المالي.

إذ تقِل تغطية الفائدة بين الربع الأدنى من المُصدرين (التي تُقاس بالأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك والاستهلاك) لتُصبح دون المرة الواحدة. وحسب ما قالت والش فإن العامل الرئيس الذي يدعم سردية فرص الائتمان الجاذبية الحالية لعوائد الائتمان الشاملة، إذ لم تصل عوائد سندات الشركات وقروض المصارف، على مدى الـ15 عاماً الماضية، إلى هذه المستويات المُرتفعة إلا في بيئات السوق شديد السلبية.

وفيما نُراقب (الاختلاف المُتزايد بين الشركات الكبيرة والصغيرة)، نجد العديد من الفُرص في الشركات الصغيرة ذات الأُسس الجيدة والميزانيات العمومية السليمة. ومن واقع خبرتنا، غالباً ما تشمل هذه الفئة أسماء نادراً ما يُغطيها مُحللو البحوث الآخرون... عادةً ما يعوض الفارق في العائد والزيادة في عوائد هذه الشركات عن الشركات الأكبر حجماً عن أخطار الائتمان والسيولة.

ويُقدم جريج أوبنشين، رئيس قسم الائتمان في شركة فرداد كابيتا، وجهة نظر مختلفة، إذ ذَكر في تقرير حديث موجز أن العوائد المُرتفعة الشاملة يُمكن أن تكون خادعة وهي ما يطلق عليها «عوائد الحمقى».

الخلاصة إذن: «يُعد مؤشر بي المزدوج ذو العائد المُنخفض، والجودة الأعلى التقدير الأفضل للعوائد الفعلية، ونعتقد أنه أفضل ما يُمكن تحقيقه في ائتمان الشركات السائل».

وإذا كان أوبنشين على حق، فإن العوائد الحالية البالغة 6.2 في المئة على سندات الفئة بي المزدوجة ذات العائد المُرتفع تبدو جذابة إلى حدٍ ما، ولكنها تظل بعيدة كل البُعد عن سنة 2023 المُزدهرة للسندات.

ويُشكل الركود أو حتى التباطؤ الخطر الرئيس، ولا سيّما بالنسبة للائتمان ذي الجودة المُنخفضة، وتُقِر والش بأن الأسواق «لا تزال تُقلل تقدير أخطار الركود المُرتفعة»، وهي ليست الوحيدة التي تُحذر من أخطار التراخي. وحتى اليوم، نشهد استقراراً في النمو، وما مررنا به من تباطؤ كان تباطؤاً طفيفاً، ولكن إذا تغير ذلك، فالتقييمات المُتفائلة تعني هامشاً ضئيلاً للخطأ.

الأكثر مشاركة