حينما خطت الطالبة الصينية ييفا تشانغ أولى خطواتها في عالم مُستحضرات التجميل، كان اهتمامها مُنصباً على «العلامات التجارية اليابانية والكورية الجنوبية»، أما الآن، فقد ملأت الطالبة الصينية ذات الـ18 عاماً «عُلبة زينتها بمُنتجات من علامات صينية مدفوعة بإغراءات الشراء عن طريق إعلانات وسائط التواصل الاجتماعي والبث المُباشر. وتقول ييفا تشانغ إنها «بالكاد تستطيع التفريق» بين العلامات التجارية المحلية الأرخص وبعض أكبر الأسماء في سوق مُستحضرات التجميل العالمي.
لقد باتت الشركات المحلية الصينية تتنافس بقوة مع أسماء عالمية مثل لوريال وإستي لودر وشسيدو في الصين، ثاني أكبر سوق مُستحضرات تجميل في العالم من ناحية المبيعات، وقد ساعدها على ذلك استخدامها الذكي وسائط التواصل الاجتماعي وتركيزها على المُدن الأقل ثراءً، التي تجاهلتها الشركات الأجنبية، في تحقيق المكاسب.
ووفقاً لبيانات من شركة يورومونيتور لبحوث السوق، فقد ارتفعت حصة العلامات التجارية المحلية من مبيعات أفضل 40 علامة تجارية لمُستحضرات التجميل عبر الإنترنت في الصين إلى 47.9 في المئة في أول عشرة أشهر من سنة 2023، مُقارنة بـ43.6 في المئة في العام السابق، وتَتَوَقع هذه البيانات أن يصل سوق مُستحضرات التجميل في الصين، والذي يشمل كريمات الأساس وأحمر الشفاه وطلاء الأظفار، إلى 111.3 مليار يوان (15.6 مليار دولار) في سنة 2028، مقارنة بـ71.6 مليار يوان في سنة 2022.
وقال ميرو لي، مؤسس شركة «دبل في» للاستشارات التسويقية في شينجن: «إنها الأوقات الأفضل للعلامات التجارية الصينية، إذ إن مستوى انفتاح المُستهلكين لتقبُلها الآن أعلى من أي وقتٍ مضى».
وقال ستيفن هوانغ، رئيس قسم الاستراتيجيات في مجموعة جوي ومقرها شنغهاي، وهي مدعومة من شركة جنرال أتلانتك وتمتلك علامتين تجاريتين محليتين لمُستحضرات التجميل وهما جودي دول وجوسيي: «لقد نجح تطبيق دويين، النسخة الصينية من تيك توك، في الوصول إلى مجموعة أوسع من المُستهلكين، وخاصة الشباب في المُدن ذات المستوى الأدنى، وهم البعيدون عن متناول مواقع التجارة الإلكترونية التقليدية مثل تيمول».
وقال أيضاً: «لم تتمكن العديد من الشركات الأجنبية من مواكبة هذا الاتجاه، ولكن العلامات التجارية الصينية فعلت»، ولذلك، بدأت شركة لوريال، على سبيل المثال، تكثيف تسويقها على دويين فقط في سنة 2023.
ومن المُتوَقَع أن تزداد أهمية المبيعات عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إذ تُشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن نسبة 37.5 في المئة من مجمل مُعاملات التجارة الإلكترونية لمُستحضرات التجميل في الصين ستُجرى عبر تطبيق دويين ومُنافسه كوايشو في سنة 2025، ارتفاعاً من 25 في المئة في سنة 2021.
وقال مارك تانر، المُدير الإداري لوكالة العلامات التجارية تشاينا سكيني في شنغهاي: «تأثرت العديد من العلامات التجارية الأجنبية، ومنها العاملة في مجال مُستحضرات التجميل، في سنوات فرض الصين سياسة صفر كوفيد فأصبح العديد من صُنّاع القرار خارج الصين أكثر انعزالاً عن الصين سريعة التغيُّر».
وقال ستيفن هوانغ إن إحدى المزايا الأُخرى التي تَتَمتع بها الشركات المحلية على العلامات التجارية الأجنبية تكمن في الفِرق التسويقية المحلية وإمكان الوصول إلى المصانع.
وأضاف قائلاً: «إذا لاحظت أن درجة لون أحمر شفاه تفقد زخمها أو صيحة جديدة على وشك البدء، يُمكنني الوصول إلى المصنع في غضون ساعتين وتعديل الإنتاج في شهر، فيما عادةً ما تستغرق العلامات التجارية الأجنبية من أربعة إلى ستة أشهر للاستجابة (لتتغيّر مع تفضيلات المُستهلك)».
ولا يزال المجال مُتسعاً لنمو العلامات التجارية الأجنبية ففي رد مكتوب صَرَحت شركة شيسيدو، التي حَقَقت 26.4 في المئة من مبيعاتها في الصين في النصف الأول من سنة 2023، أنها ستُزيد استثماراتها على حدٍ سواء في «الأنشطة الترويجية» و«تأسيس قيمة العلامة التجارية» في الصين، فيما لم تستجب شركتا إستي لودر ولوريال حين طُلب منهما التعليق.
وبلغت مبيعات لوريال الإجمالية في شمالي آسيا، والتي تُهيمن عليها الصين، 11.3 مليار مليار يورو في سنة 2022، أي نحو ثُلث مبيعاتها ذلك العام، وارتفعت بنسبة 6.6 في المئة على أساس سنوي على الرغم من التأثيرات السلبية القياسية لعمليات الإغلاق الخاصة بصفر كوفيد على المبيعات في الربع الأخير. واكتسب قطاع الرفاهية والسلع الفاخرة في الصين حصة سوقية بشكلٍ ثابت.
وعلى الرغم من انخفاض المبيعات في شمالي آسيا في الربع الأخير بنسبة 4.8 في المئة مُقارنة بالعام الماضي بسبب تغييرات في قوانين الصين في شأن التسوق عن طريق وكيل شراء خارجي، فقد نَمت المبيعات في الصين بنسبة 7.7 في المئة في هذه الفترة.
وفي مُقابلته مع فاينانشيال تايمز العام الماضي، صَرَح نيكولا هيرونيموس، المُدير التنفيذي لشركة لوريال، قائلاً: «لقد حصلنا على حصة سوقية قوية جداً في قطاع الرفاهية والسلع الفاخرة في الصين، والدليل أننا نمتلك حصة سوقية من قطاع الرفاهية والسلع الفاخرة في الصين تزيد على 30 في المئة، أي ما يُعادل مجموع ما لدى المُنافسين الذين يلوننا مُباشرة، وهذا ليس بالأمر السيئ».
وقال ميرو لي من «دبل في» للاستشارات التسويقية، إنه حتى مع تحقيق شركات مُستحضرات التجميل الصينية تقدُماً، إلا أنها تُخاطر بالوقوع في «حلقة مُفرغة» بأن تكون بديلاً رخيصاً للعلامات التجارية الأجنبية.
وقد حَقَقت فلوراسيس، وهي شركة ناشئة في مجال مُستحضرات التجميل مقرها هانغشو وأكبر علامة تجارية محلية في البلاد بحصة سوقية قدرها 6.8 في المئة، بعض الإنجازات في السوق الراقية، وقد ساعد على ذلك جزئياً مؤثرون مثل لي جياكي، المُلقب بـ«ملك أحمر الشفاه»، ولكنها تعرضت لردود أفعال عنيفة العام الماضي بعدما انتقد لي في بثه المُباشر إحدى المُشاهدات لأنها لا تكسب ما يكفي لشراء قلم حواجب فلوراسيس الذي يبلغ سعره 79 يواناً، على الرغم من أنه اعتذر بعد ذلك.
وقالت الشركة إن أسعارها مُبررة بتكاليف التعبئة العالية واستثماراتها التي تقدر بمليار يوان في البحث والتطوير. وقالت غابي تشين، رئيسة التوَسُع العالمي في الشركة: «لا يوجد نُسخ مُقلدة من (مُنتجاتنا) في السوق، لأن تصنيعها مُكلف للغاية».
وتأمل فلوراسيس تكرار تركيبتها المُتمثلة في الحضور الواسع في وسائط التواصل الاجتماعي والزخارف الصينية التقليدية في الأسواق الخارجية، التي تشمل الولايات المُتحدة الأمريكية واليابان وجنوب شرقي آسيا، كما قامت مجموعة جوي بإنشاء عمليات واسعة في دول تشمل اليابان وماليزيا وكندا.
وقال مارك تانر، من تشاينا سكيني، إنهم «نشؤوا في سوق صينية شديدة التنافسية» ولذا قد يكون لديهم ميزة في «السوق الخارجية الأبطأ. وقد شاهدنا جميعاً هذا مع (علامة الأزياء السريعة) شي إن، التي وفقاً للمعايير الصينية لم تفعل شيئاً خاصاً مُتميزاً.. وليس هناك أسباب تمنع العلامات التجارية الصينية الخاصة بمُستحضرات التجميل من فعل الشيء ذاته».