قد يشير قرار «ميتا» ببدء توزيعات الأرباح إلى تحوّل قادم في عقلية المستثمرين
المساهمون في «ميتا» على وشك تلقّي توزيعات الأرباح للمرة الأولى، وربما لن يلاحظ غالبيتهم العظمي ذلك. ابتداءً من الشهر المقبل، سيتلقى المستثمرون مبلغاً زهيداً قدره 50 سنتاً للسهم كل ربع سنة.
وبالنظر إلى سعر السهم السائد لعملاق وسائل التواصل الاجتماعي، يعادل ذلك عائد ربح سنوياً بنسبة 0.42 في المئة فقط، قد يبدو هذا الرقم ضئيلاً، وهو بالفعل كذلك، لكن هذا الشكل الخاص من الجرعات المصغرة أرسلت إشارة كبيرة للشركة وربما للسوق الأوسع نطاقاً.
طوال العقدين الماضيين، مثلت «ميتا» التراجع المستمر لثقافة توزيعات الأرباح في أسواق الأسهم الأمريكية. ولم يفوت سوى قلة من مساهميها توزيعات الأرباح خلال هذه السنوات العشر الماضية، التي حققت خلالها أسهمها المتداولة علناً مكاسب بنسبة 700 في المئة.
بدلاً من ذلك، وفرت عمليات إعادة شراء الأسهم الطريقة الأساسية لإعادة رأس المال إلى المساهمين، حيث أعادت «ميتا» شراء أكثر من 90 مليار دولار من الأسهم من 2021 إلى 2023 وتنوي شراء المزيد، بوتيرة تتجاوز حجم توزيعات الأرباح الجديدة.
لكن هذه الرسالة مهمة، حيث رحب المحللون بالخطوة باعتبارها «بلوغ سن الرشد»، وإشارة إلى أن إمبراطورية مارك زوكربيرج تميل نحو تقديم مكافآت ثابتة ومعقولة للمساهمين على المشاريع في الـ«ميتافيرس».
أوضح دانييل بيريس، وهو مستثمر متخصص في توزيع الأرباح بشركة «فيديرايتد هيرميس»، في كتابه الجديد «أرباح الملكية»، أنه قبل قرن كانت الشركات تدفع توزيعات الأرباح حتى عند نقطة الإدراج في سوق الأسهم. كان ذلك يعتبر جزءاً لا يتجزأ من عملية الاستثمار، ولعقود بعد ذلك، كان أكبر إشارة تأتي مع العجز عن الدفع، وغالباً ما ينظر إليه كعلامة صريحة على الضائقة المالية.
وتمسكت الشركات بدفع أرباح في جميع الظروف باستثناء الأوقات الأكثر سوءاً (مثل مرحلة كوفيد19)، ما يوفر دخلاً ثابتاً لمستثمري الأسهم بغض النظر عن أداء سعر السهم نفسه. وقال بيريس، لكن عالم أسعار الفائدة المنخفضة خلق «بيئة معادية» لهذا النمط الاستثماري.
حالياً، تدفع نحو 70 % من الشركات المدرجة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أرباحاً ضئيلة عادة. في الولايات المتحدة، ظلت العوائد عالقة تحت مستوى 2 في المئة لعقدين، وهو الأدنى ولا يمكن تفسيره بالضرائب إلا جزئياً. وأشار بيريس إلى أن نحو 40 % فقط من الشركات المدرجة على مؤشر «ناسداك»، المثقل بشركات التكنولوجية، دفعت أرباحاً بنهاية 2022، ما ترك متوسط العائد عند الصفر. ببساطة، لقد خرجت هذه الممارسة عن العرف، خصوصاً بين الشركات التكنولوجية الطموحة التي تعيد استثمار الدولارات التي ربحتها في النمو والتطوير، خصوصاً في أمريكا.
وما دامت أسعار الأسهم ترتفع دائماً، والأهم، طالما أن السندات تخوض معركة ضعيفة من أجل دولارات الاستثمار بعوائدها المنخفضة، فهذا لا يهم. لكن محبي التوزيعات يجادلون بأن هذا بدأ يتغير الآن بعد أن أصبح للمال تكلفة مرة أخرى. وعرض «ميتا» الجديد الصغير يعزز قضيتهم.
وبالفعل، فإن تجاهل توزيعات الأرباح يعطي انطباعاً خاطئاً عن عوائد الاستثمار. فإذا قمت بتضمينها، لتمثل بشكل أفضل العالم الحقيقي لحيازة الأسهم، فإن التسلسل الهرمي العالمي لأسواق الأسهم الأفضل أداءً يكتسي بمسحة جديدة غريبة.
في العام الماضي على سبيل المثال، حقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة بنسبة 26 % على أساس العائد الإجمالي، أي بضع نقاط مئوية فوق مكاسب الأسعار الأساسية في المؤشر. في الوقت نفسه، حقق مؤشر بورصة ميلانو الإيطالي زيادة مذهلة بلغت 39 % على أساس العائد الإجمالي بالدولار. وحالياً، تزيد عوائد توزيعات الأرباح هناك على 4 %.
هذا المستوى من المدفوعات له تأثير عميق على عقلية المستثمرين، حسب ما قال هانز يورج نومر، رئيس الأبحاث القطاعية في «ألاينز جلوبال إنفستورز» في فرانكفورت، مضيفاً «نحن كمستثمرين لسنا عقلانيين بطريقة بحتة، فالاستثمار يبدو وكأنه خسارة، وتدفق الإيرادات يساعد في التغلب على هذا الشعور».
هذا المسار لم يكن سلساً في عام 2022، وقدم الأداء السيئ للأسهم ذات توزيعات الأرباح المنخفضة أو الصفرية دفعة كبيرة لمستثمرين مثل ستيورات رودس، مدير صندوق «إم آند جي جلوبال ديفيدند فاند»، (يعمل الصندوق على زيادة توزيعات الدخل التي يتم دفعها للمستثمرين وتقديم عائد أعلى من متوسط السوق).
وقال ستيورات رودس إنه مع معاناة أسهم التكنولوجيا ذات النمو المرتفع والعوائد المنخفضة، «يبدو أن السوق تقبل أن تلك الفترة قد انتهت»، «كان هذا بمثابة تذكير مفيد بأنه قد تكون هناك فترات طويلة ينجح فيها القيام بالشيء نفسه، لكن لا شيء يظل ناجحاً بالطريقة نفسها إلى الأبد».
جاءت توزيعات العام الماضي متواضعة مرة أخرى. وأدى الصعود الكبير لمجموعة صغيرة من أسهم التكنولوجيا منخفضة الأرباح، المعروفة باسم السبعة الرائعون، إلى إبعاد كثير من المستثمرين الذين قفزوا إلى هذه المكاسب السهلة. قال بيريس: «كان عاماً هادئاً». بالنسبة لي، يتمثل الحلم في أن تقدم السندات عائدات أعلى وتصبح رهاناً أكثر جاذبية، وأن تضع الشركات أرباحاً يمكن توقعها على أسهمها لتبقي المستثمرين راضين.
من غير المحتمل العودة إلى أيام توزيعات الأرباح السخية، كما كانت قبل قرن، لكن مثال «ميتا» يوحي بأن الرسالة لا تزال تدق الجرس في أذهان المستثمرين.