تسلط حادثة «بوردو» الضوء على الحاجة إلى تسريع الابتكار التكنولوجي في إدارة الطيران

بداية، أود الاعتذار عن قصة محبطة أخرى عن قطاع الطيران، على الأقل انتهت هذه القصة نهاية سعيدة؛ رغم ذلك، فإن الحادث الذي وقع في مطار «بوردو - ميرينياك»، وورد في تقرير صادر عن مكتب حوادث الطيران الفرنسي الشهر الماضي، يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحديث أنظمة مراقبة الحركة الجوية.

في ليلة رأس السنة الجديدة لعام 2022، سمح مراقب الحركة الجوية في مطار بوردو لطائرة «إيزي جيت إيه 320» تحمل 179 راكباً بالهبوط على المدرج 23، وغاب عن ذهنه أنه أذن بالفعل لطائرة صغيرة ذات مقعدين بالهبوط على المدرج نفسه.

سارع قائد الطائرة الصغيرة، الذي كان يستمع عبر الراديو إلى تذكير مراقبة الحركة الجوية بوجوده. ولحسن الحظ، تمكن طيارو «إيزي جيت» من إلغاء الهبوط على بعد 103 أقدام فقط من سطح المدرج، متجنبين وقوع كارثة محققة.

واهتز قائد الطائرة الصغيرة وابنه البالغ من العمر 9 سنوات بسبب هدير محركات الطائرة «إيه 320» وهي تحلق فوق رأسيهما؛ لذلك كانت تلك النهاية السعيدة. ومع ذلك، وجد مكتب التحقيقات والتحليلات الفرنسي أنه في حين أن بعض الأخطاء قد تكون خاصة بمطار بوردو، فإن التكنولوجيا القديمة، التي تستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا، لعبت أيضاً دوراً في هذا الحادث.

أولاً، الأسباب الخاصة ببوردو: كان المراقبون هناك يعملون بدوام غير رسمي، ما يعني أنهم لم يكملوا سوى نحو 60 % فقط من ساعات عملهم المقررة رسمياً، بحلول اليوم الأخير من عام 2022، ولم يكن هناك سوى ثلاثة أشخاص في الخدمة وقت وقوع الحادث، بينما كان العدد المقرر ستة على الجدول الرسمي.

علاوة على ذلك، لم يحضر المراقب الاحتياطي، الذي يعمل كداعم في حالات الطوارئ، إلى العمل، والأسوأ من ذلك كله، أن الإدارة كانت على علم بهذه الممارسات، لكنها تجاهلتها للحفاظ على «السلام الاجتماعي».

كان الأمر صادماً حتى بالنسبة لمراقبي الحركة الجوية الفرنسيين المتشددين، لكن عند تحليل الحادث، أشار محققو مكتب التحقيقات إلى أن «بوردو» ومعظم المطارات الفرنسية ليس لديها وسائل «موثوقة» لتحديد المراقبين الذين جاؤوا للعمل، ومدة بقائهم أو ما هي المهام التي يؤدونها بالفعل، ومثلهم مثل مراقبي الحركة الجوية في جميع أنحاء أوروبا، ما زالوا يستخدمون قصاصات من الورق موضوعة على لوحة لإظهار مكان الطائرة على المدرج.

ووقع حادث 22 ديسمبر لأن أحد المراقبين كان يقوم بأربع وظائف مختلفة، وكان مشغولاً للغاية، إلى درجة أنه نسي وضع الورقة على اللوحة.

لا تعاني فرنسا وحدها من تقادم التكنولوجيا المستخدمة في أنظمة المراقبة الجوية، على سبيل المثال، لا يزال مراقبو الحركة الجوية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي يتواصلون مع الطيارين باستخدام راديو صوتي، وغالباً ما يكون ذلك بلغات غير لغتهم الأم، بدلاً من إعطاء التعليمات إلى الطائرة عبر رابط بيانات الحاسوب.

مسؤول كبير في الطيران الأوروبي أخبرني: «نحن في طور التحديث منذ سنوات عدة لكنه لا يزال غير مكتمل».

وتابع: «إنه يعد تعزيزاً واضحاً للسلامة وليس تحديثاً تكنولوجياً، ولا تزال التكنولوجيا الأرضية، مثل الرادار السطحي، المستخدمة لتنبيه المراقبين بشأن الاقتحامات على المدارج والاصطدامات المحتملة، هي الاستثناء». وأخيراً، تريد منظمة «كانسو» لإدارة الحركة الجوية السماح للمراقبين في جميع أنحاء العالم باستخدام أجهزة المحاكاة بشكل أكبر للتدريب، تماماً كما يفعل طيارو الطائرات.

من المهم ملاحظة أنه رغم هذه العيوب، لا يزال السفر الجوي أكثر أماناً بكثير من قيادة السيارة.

ووفقاً لاتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا)، فإن الشخص يحتاج في المتوسط إلى القيام برحلة جوية كل يوم لمدة 25 ألفاً و214 عاماً ليواجه حادثاً مميتاً، كما يتلقى مراقبو الحركة الجوية تدريباً عالياً على تحمل المواقف الأكثر إرهاقاً وتجنب الكوارث اليومية. لكن، حتى لو كان النظام الحالي آمناً، فلا يزال هناك هامش كبير لتحسينه، خصوصاً مع زيادة عدد الرحلات الجوية.

لا شك أن الصناعة تستشعر القلق من التغيير عندما يتعلق الأمر بحياة البشر، ثم هناك صعوبة في إحداث هذا التغيير في نظام بيئي معقد للغاية، حيث يحتاج الجميع إلى الانتقال معاً لتحقيق أقصى قدر من السلامة، بدءاً من شركات الطيران المترددة في دفع المزيد مقابل خدمات الملاحة، وصولاً إلى الحكومات ومقدمي الخدمات غير الراغبين في مواجهة النقابات القوية للغاية. ولكن يبدو أن العقبة الرئيسية تتمثل في غياب أي حافز للتغيير، قال مسؤول الطيران: «بعض الشركات تستثمر في التقنيات الجديدة والبعض الآخر لا يفعل ذلك»، مضيفاً: «أولئك الذين لا يفعلون ذلك لا يعانون من أي عواقب، ولا توجد حوافز للتحديث».

كافحت أوروبا لمدة 20 عاماً لتنفيذ مبادرة «السماء الأوروبية الموحدة» التي تهدف إلى التغلب على تجزئة مجالها الجوي مع إدارة جميع مقدمي خدمات الملاحة الجوية على المستوى الوطني.

وقد تم إحراز بعض التقدم على صعيد الابتكار، ومع ذلك، ينبغي بذل مزيد من الجهود لتنسيق وتحفيز الحد الأدنى من المعايير التكنولوجية في إدارة الحركة الجوية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. يجب أن تظل السلامة الأولوية دائماً، مع ضرورة عدم استبعاد التغيير نحو الأفضل.