لدى إيلون ماسك موهبة في إثارة التساؤلات حول كيفية تنظيم عالمنا. وكانت آخر مساهماته في هذا المجال، ذلك التهديد الذي ألقاه بنقل مقر تأسيس شركته تسلا للسيارات الكهربائية من ديلاور إلى تكساس، المُحبة للحرية. وجاء ذلك بعدما ألغت قاضية في ديلاور صفقة مدفوعات له تبلغ قيمتها 55.8 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ الشركات الأمريكية، أو ربما في التاريخ كله.

وتقفز هذه المرة التساؤلات التالية: ما مدى الثراء الذي يحتاج أن يكون عليه المرء؟ هل يتعين على الدول زيادة الضرائب على المليارديرات؟ حقيقة، أعتقد ذلك. فهذا سيؤدي إلى تحسين مُجتمعاتنا وتقليل الضرائب المفروضة على الأشخاص العاديين. وكيفية القيام بذلك تختلف حسب الاختصاص، لكن نقطة البداية تكمُن في إرساء مبدأ فرض الضرائب على المليارديرات.

أي نقاش يتطلب استبعاد الحُجج السخيفة، فغالبًا ما يرى أولئك الذين يدعمون فرض هذه الضرائب، أن المليارديرات هُم أشخاص سيئون. ربما بعضهم كذلك، بينما الآخرون ليسوا كذلك. لكن الفرائض لا يتم فرضها بالحكم على الشخصية. كذلك، علينا تجاهُل مُعارضي هذه الضرائب، الذين يصيحون بأنها «سياسة الحسد».

وترى إنغريد روبينز في كتابها الجديد «مذهب الحد الأقصى للثروة»، بأن الجانب النفسي ليس له علاقة بهذه المُقترحات، ولا بأس بالمرة في تشخيصي بالغيرة من المليارديرات. فهذا لا يُغير السؤال: هل فرض الضرائب عليهم سيعود بالفائدة على المُجتمع؟.

حسنًا، إن أعدادهم في تزايد، وهُم نسبيًا يخضعون لضرائب أقل. في العام الماضي، حدَدَت مجلة فوربس 2,640 مليارديرًا حول العالم، أي بزيادة 19 مرة منذ عام 1987.

ووفقًا لتقارير مرصد الضرائب الأوروبي، فقد نَمَت الثروة العالمية بشكلٍ أسرع من الدخول، ونَمَت ثروة المليارديرات بأسرع وتيرة على الإطلاق. ويُشير المرصد إلى أن المليارديرات، بمُساعدة التهرُب الضريبي، يدفعون مُعدلات ضريبة دخل فعلية أقل من متوسط العُمال والموظفين الأمريكيين والفرنسيين.

والضرائب على الثروة تكاد تكون غير موجودة. لذلك، وباختصار، على الدول فرض الضرائب على المليارديرات، لأن هذا هو مكان تمركُز الأموال. ويُمكن فرض ضريبة خروج على أي شخص يُغادر البلاد هربًا من ضريبة الثروة، مثل النرويجيين الأثرياء الذين انتقلوا مؤخرًا إلى سويسرا.

يُعارض العديد من الأشخاص ذوي الدخل المُرتفع، مثل: المصرفيين، والمُحامين، وأصحاب الأعمال الصغيرة، فرض الضرائب على المليارديرات، خوفًا من الوقوع في وضع خطير: «أولًا جاؤوا من أجل إيلون ثم...». في الواقع، قد يستفيد هؤلاء الأشخاص من ضرائب المليارديرات، حيث يتحملون هم أنفسهم الكثير من العبء الضريبي.

ويقترح الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، فرض مُعدلات ضريبة تصل إلى 90 في المئة على الثروة التي تزيد على 2 مليار يورو، حيث يُلاحظ أن الولايات المُتحدة قد فرضت ضرائب مُماثلة على المليارديرات في الفترة من عام 1950 إلى عام 1980، وهي فترة شَهَدت نموًا اقتصاديًا مُثيرًا للإعجاب.

يقول بيكيتي إن فرض الضرائب على المليارديرات، سيسمح للحكومات بتخفيض الضرائب على المُمتلكات، والتي هي في واقع الأمر ضرائب ثروة تُفرض على الناس العاديين. كما يُمكن للحكومات استخدام العائدات لإنشاء صناديق ائتمانية للأشخاص في قاع المُجتمع، الذين عادةً لا يمتلكون أي ثروة. صحيح أن الحكومات لن تُنفق هذه الأمور بكفاءة مثالية لتعزيز رفاهية المُجتمع. لكن ماسك لن يفعل أيضًا.

تركه بثروة تُقدر بحوالي 2 مليار دولار أو نحو ذلك، لن يكون بمثابة عقوبة هذه ليست الثورة البلشفية، فستظل ثروته كافية لإلهام المُبتكرين في المُستقبل. بل إن الضرائب قد تكون في صالح أحفاد ماسك. إن الورثة الأغنياء الذين قابلتهم من فُقدان الهدف، مع قضاء ساعات لا نهاية لها في تجنُب الضرائب، وخلافات عائلية حول من سيحصل على ماذا، والقلق (الذي غالبًا ما يكون مُبررًا)، من أن الجميع يُريدون خداعهم، والخوف من الأماكن العامة.

أشك أن رغبة ماسك في الحصول على 55.8 مليار دولار، نابعة من هوسه بـ «رقمه» أو ثروته المُقدرة، حاليًا بحوالي 200 مليار دولار.

وكما يُشير صديق أوروبي ثري، فإن هذا الهوس أقوى بين الأثرياء الأمريكيين، فقد أصبحت «أرقامهم» تُمثل هويتهم، بينما يُرجح أن الأثرياء الأوروبيين يستمدون هويتهم أكثر من علامات طبقتهم التقليدية، مثل خلفية العائلة والتعليم والأذواق الثقافية.

والعديد من المليارديرات الأمريكيين يؤيدون عودة ترامب للرئاسة، لأن تخفيضات الضرائب التي يقترحها ستُحافظ على أرقامهم، لكنهم يغفلون العنوان الرئيس: ازدراء ترامب للانتخابات وسيادة القانون، يُهدد الاستقرار المُجتمعي، الذي يعد ضرورة للحفاظ على الثروة.

وأصبح فرض الضرائب على المليارديرات مؤخرًا، أكثر قابلية للتطبيق، فمنذ عام 2017، جعل التبادل التلقائي مُتعدد الأطراف للمعلومات المصرفية، والتي تُطبقه حاليًا أكثر من 100 دولة، من الصعب إخفاء الأموال. و

فرض الضرائب على عدد قليل جدًا من الناس، أمر بسيط من الناحية الإدارية. ويُقدر مرصد الضرائب الأوروبي، أن ضريبة ثروة بنسبة 2 في المئة على مستوى الاتحاد الأوروبي، ستجمع 42 مليار دولار سنويًا، من 499 مليارديراً الموجودين في دول الاتحاد.

وقد تمتد ضريبة أكثر طموحًا، لتشمل الأشخاص الذين يقتربون من أن يصبحوا مليارديرات. ويمكن أن يحكم بأن ضريبة الثروة في الولايات المُتحدة غير دستورية، لكن قد تتمكن الحكومة من تعديل ضرائب الدخل للأفراد بناءً على ثروتهم.

بطريقة أُخرى، يُمكن للولايات المُتحدة رفع الضرائب على العقارات، وفرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية الضخمة، وسدّ الثغرات الضريبية المُصممة للأثرياء. يُمكن تطبيق ذلك بالتأكيد. لكن لم تقم الدول بهذا جزئيًا، لأن المليارديرات قد سيطروا على العديد من الأنظمة السياسية، وهذا ما يمنحنا سبباً آخر لتقليل ثرواتهم.